يروي المفكر المعروف (مالك بن نبي) أسطورة يتوارثها البدو في الجزائر (بلد المفكر) وملخصها أن بدواً في صحراء الجزائر أرادوا الشدة من مكانهم بعد أن أجدب، بحثاً عن مكان آخر في الصحراء يكون خصيباً.. كان لديهم جمل قوي، يطلقون عليه جمل المحامل، وحمار يتبع الغنم، فأناخوا الجمل وحملوا على ظهره متاعهم الثقيل، حتى ثقل الحمل على الجمل رغم قوته وجَلَده.. وحملوا على الحمار الرابض حملاً خفيفاً يليق بمقامه الضعيف.. ثم قال قائل منهم: نسينا الرحى!.. فانبرى أربعة من القوم الشداد الغلاظ لحمل الرحى ذات الأثقال العنيفة، وتشاوروا بينهم: * هل نضعها على ظهر الحمار؟! ثم قالوا: * يخسى الحمار!! ما يحمل الرحى إلا جمل المحامل! وكانت عجوز منهم تراقب ما يعملون، وتسمع ما يقولون، فقالت مشفقة: * ظهر الجمل مثقل بالأحمال! وأخاف ألا يستطيع النهوض إذا وضعتم الرحى على ظهره فوق حمله الثقيل! * هنا التفت الجمل على العجوز وقال ساخراً: * دعيهم يضعوا الرحى على ظهري! فأنا أصلاً لا استطيع النهوض الآن!! فالأمر سيِّان! قلت: ومن الأمور السائدة والسيئة أن نحمل الناس فوق ما يطيقون، فإن لكل إنسان - مهما كان قوياً كجمل المحامل - طاقة معينة.. محددة.. فإذا حملناه فوق طاقته بدأ يتعب ويشكو!! وإن لم يشك جهراً - حفاظاً على كرامته وهيبته - فإنه يتذمّر من الداخل، وهذا التذمر حمل آخر فوق حمله الثقيل، فإن الإحساس بالغبن وعدم التعاون يضعف الروح والجسد، وإن رمي الحمل الثقيل كله على رجل واحد قد يكسر ظهره وإن لم يبنْ الكسر! وقد يكون لدى الرجل عدد من الأبناء لا خير فيهم ولا نفع باستثناء ابن واحد صالح مطيع، قوي ونجيب، فيضع الأب على هذا الابن الصالح الأحمال كاملة، ويطالبه بحل كل المشاكل. بعض العرب مثل الجمل ينطح الشيل كنّه هديب الشام صبر وعزيمه إذا الحِمْلُ الثقيل توزعته أكفُ القوم هان على الرقابِ كما أن الزوجة التي يحبها زوجها، قد تطالبه بما هو فوق قدرته وطاقاته، وتريد منه أن يحقق أحلامها المستحيلة، وأن يحقق لها ما حققه فلان وعلان دون مراعاة لاختلاف الظروف!.. ظروف زوجها عن ظروف فلان الوارث ملايين!! أو علان الذي له مواهب في التجارة والكسب لا تتوفر عند زوجها، فتحمله فوق طاقته، وتنكد عليه عيشته، وتجعل الديون تركبه، والهموم تصحبه، والشقاء حليفه ورفيقه.. وفي مجال الأعمال تجد في بعض الدوائر موظفين لا يرفعون ظهورهم من كثرة المهام والأعمال وبجانبهم زملاء لهم لا يكادون يعملون شيئاً بل يعيشون في بطالة مقنعة بل قد يقفون عائقاً أمام إنجاز العمل بإشغالهم من يعمل حقاً بالثرثرة وربما السخرية المبطنة حسداً منهم (حتى على الموت لا أخلو من الحسد) على رأي الشاعر، إننا لا نخسر الرجال الصبورين فقط، حين نضع كل الأثقال على ظهورهم، بل نفسد الرجال الآخرين الذين نهملهم بسبب كسلهم - وهذا ينطبق على النساء أيضاً فمنهن النشيطة والكسول - لذلك لا بد من وزن الأمور، وتوزيع الأعباء والمهام، وإخراج الكسول من سبات كسله، وتكليفه ببعض المهام مع زيادتها بالتدريج، وبهذا لا نكسر ظهر جمل المحامل، ولا نفسد الكسولين فوق ما هم فاسدون! يقول السريّ الموصلي: إذا الحِمْلُ الثقيل توزعته أكفُ القوم هان على الرقابِ والعرب يضربون بجمل المحامل المثل في القدرة على مواجهة المشكلات والنهوض بالمهام الثقال، والتصدي لكل أمر خطير بعزم وحزم، كما قال صالح المنقور: بعض العرب مثل الجمل ينطح الشيل كنّه هديب الشام صبر وعزيمه ويقول مقحم الصقري: خطو الولد مثل البليهي الى ثار زود على حمله نقل حمل أليفه يشدي هديب الشام شيال الاخطار واليا كبر حمله تزاود زفيفه و(هديب الشام) هو الجمل القوي الذي كان حجاج الشام يحملون عليه أغراضهم الثقيلة ويزينونه بالأقمشة التي تبدو أهدافها ملونة، فرحاً بالقدوم لبيت الله الحرام، ثم تقديراً للجمل القوي الصبور.. وفسّر بعضهم (هديب الشام) بأنه القطار الذي كان ينقل الحجاج من تركيا والشام، ولا صحة لذلك لأن هناك أشعاراً ذكرته قبل أن تظهر سكة الحديد.