ترامب: أريد «دخول الجنة» من بوابة تحقيق السلام في أوكرانيا    تخريج الدفعة الأولى من برنامج الأوركسترا والكورال الوطني السعودي بالرياض    البيت الأبيض يدشّن حسابًا رسميًا على "تيك توك"    هبوط اسعار الذهب    استئناف تدفق النفط عبر خط "دروجبا" إلى المجر وسلوفاكيا    تنفيذ حملة رقابية مشتركة على المنشات المخالفة الواقعة خارج المدن الصناعية    عبور 115 شاحنة مساعدات إنسانية وإغاثية للفلسطينيين في غزة    صدارة مجددة وأبطال يكتبون التاريخ في الأسبوع السادس    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    السعودية في صدارة الاقتصادات الناشئة عالميا في جاهزية الذكاء الاصطناعي    5 فرص اقتصادية لتكامل صيد واستزراع الروبيان    شرطي«شبحي» يحرس شوارع كوريا الجنوبية    ترمب: كييف ستستعيد مساحات واسعة من أراضيها.. جهود دولية مكثفة لإنهاء حرب أوكرانيا    فتاة تجني 3 ألاف دولار من لوحات رسمتها «الفئران»    ولي العهد في اتصال هاتفي مع الرئيس الروسي: دعم السعودية مستمر لحل الخلافات عبر الحوار الدبلوماسي    إغلاق شاطئ اللؤلؤ في جدة لمدة أسبوعين    ينتظر الفائز من الأهلي والقادسية.. فيليكس يقود النصر لعبور الاتحاد نحو نهائي السوبر    اهتمام مفاجئ من ريال مدريد بضم إيزاك    الاتحاد يرغب بضم "سيبايوس" لاعب الميرينغي    إقرار قواعد عمل لجان التنسيق البيئي.. مجلس الوزراء: الموافقة على نظام الحرف والصناعات اليدوية    «الفلكية»: مثلث سماوي يتكون فجر اليوم الأربعاء    43 مليون عملية عبر«أبشر» في يوليو    30 ترخيصاً يومياً لقطاع السياحة والسفر    ريهام عبد الغفور.. كوميدية في «خمس نجوم»    التأكد من استكمال تطعيمات السن المدرسي.. إتاحة فحص اللياقة للطلاب المستجدين عبر «صحتي»    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. نائب أمير مكة يشهد ختام مسابقة الملك عبدالعزيز لحفظ القرآن    طلاق من طرف واحد    أكّد خلال استقباله رئيس جامعة المؤسس أهمية التوسع في التخصصات.. نائب أمير مكة يطلع على خطط سلامة ضيوف الرحمن    صحتك والقراءة    نائب أمير الرياض يستقبل سفير الصومال    فيصل بن فهد: «النيابة» تعزز العدالة    أمير نجران يلتقي عضو هيئة كبار العلماء.. ويتسلم تقرير «المجاهدين»    قلعة مروان.. معلم شامخ يطل على مزارع النخيل في الطائف    الاقتصاد الإبداعي    "خيرات" تدشّن حسابها عبر "توكلنا"    انخفاض عدد السيارات التالفة في تبوك    المشاركون بمسابقة الملك عبدالعزيز الدولية يزورون المشاعر وحي حراء    بوتين يطلع ولي العهد على نتائج محادثاته مع ترمب    أكثر من 234 ألف مشارك في الرياضة المجتمعية بالنصف الأول من عام 2025م    تغطية كاشف الدخان مخالفة    طبية جامعة الملك سعود تجري أول زراعة قوقعة باستخدام اليد الروبوتية    الزمن الجميل    في يوم جياد إسطبل أبناء الملك عبدالله.. سبعة انتصارات مدعمة بأربعة كؤوس    محافظ العارضة يلتقي مدير فرع الشؤون الإسلامية بجازان    أمير منطقة تبوك يستقبل مدير مطار الأمير سلطان بن عبدالعزيز الدولي    43 مليون عملية عبر أبشر في يوليو    السلام الأوكراني بين الوعود الدبلوماسية والواقع الميداني    مجلس الوزراء يوافق على نظام الحرف والصناعات اليدوية    النصر يكسب الاتحاد ويتأهل لنهائي السوبر السعودي    نجاح أول عملية لزراعة أصغر دعامة لعلاج الجلوكوما في مستشفى الجبر للعيون بالأحساء    90% من العلاقات التعويضية تفشل خلال السنة الأولى    تفشي عدوى منقولة بالغذاء في فرنسا    أشاد بدعم القيادة.. أمير الشرقية يطلع على مشاريع الطاقة الصينية    نصيحة من ذهب    دراسة: المروحة تضاعف مخاطر القلب في الصيف    أمير تبوك يطلع على سير العمل بالمنشآت الصحية بالمنطقة    أوامر ملكية بإعفاء الماضي والعتيبي والشبل من مناصبهم    القيادة تعزي رئيس باكستان في ضحايا الفيضانات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحفون..!!
نشر في الرياض يوم 28 - 11 - 2016

إن «تحفون» ليس شخصاً.. إنه حالة خاصة يجتمع فيها الإنسان والزمان والمكان.. لن تراها ولن تكتشفها سوى في مواجهة صحراء ممتدة امتداد أفق يصافح أطرافها، ولا يبوح بسرها..
من ينتظر كل عام الأجواء الشتوية الجميلة، التي يزيدها القَطْر بهاء وجمالا.. هو على موعد مع نشوة الفرح، حيث تبتهج الأرض بالغيث، والأشجار، بالقطر، والطيور بمواسم الخصب. وعندما تشدو أغنية المطر، فإلى أطراف الصحراء، وأوديتها، وشعابها.
إنه موعد عشاق منبتهم وموئلهم تراب أرضهم.. يرونها راحتهم، وسكون قلقهم.. خاصة عندما تتزين لهم كل عام.. إنه موعد السكينة، والانعتاق، بعيدا عن صخب المدينة وتلوثها، وتوترها، وانشغالات أهلها..
إنه عشق لا يعرف مداه وتأثيره إلا من يهواه، ويلامس شغاف نفسه ووجدانه، وهو يرسل بصره بلا حدود ليرحل في تأملات تمر مر السحاب، وتنتشي بخضاب الأرض بعد هطول القطر.. حيث أغنية الحياة تكاد تسمعها في حفيف أشجار الطلح الصامدة.. وفي ثغاء الماشية، ورغاء الإبل، وتلويحة طير يسابق الريح حيث عشه معلق في شجرة تقاوم بشموخ كل الفصول، لتكتفي بفصل وحيد، تستقي منه ما يقيم حياتها طوال العام.
إنها لوحة تزدهي بالجمال والصفاء والحنين.. إنها سردية لحيوات مرت من هنا.. فهنا وطأت أرض العرب قبائل رحل.. وهنا بين الأودية، والشعاب، والهضاب، والجبال، والصحراء الممتدة بلا أفق، أو نهايات يحسمها البصر.. توالت قرونا على العرب إلفا وخصومة.. حروبا وصراعات.. وهنا أيضا تليت عيون الشعر بعيون العشاق، وترسمت ملامح الوجد بعيون زادها طلل الربيع جمالا، يفوق الجمال.. وهنا كانت لهم أمجاد، وكانت لهم خيبات.. وهنا توزعت قبائل وحواضر وواحات..
إن تلك الرمال والأحجار والأشجار الضاربة في عمق الزمن.. شاهدة على كل ذاك التاريخ، وحوادثه، وأيامه، وحنوه، وقسوته، وفقره وغناه، ورضاه، وغضبه.. إنها سجل صامت لا ينطق إلا إذا استنطق، ولا يبوح بأسراره إلا لمن يحسن إغراءه، ويفهم لغته، ويدرك إشاراته.
أما العابرون الذين لا يستنطقون تاريخا، ولا يناجون شواهد وآثارا، ولا يملكون حسا رفيعا، أو تذوقا رقيقا.. ولا نتفر عيونهم من القبح.. ولا يحلق لهم وجدان بتأمل الجمال.. فهم ليسوا سوى جزء من آفة الأرض.. فالبيئة على أيديهم دمرت، والنفايات انتشرت على مدى مساحات واسعة.. تشكو منها تلك الصحراء لكل عابر مكلوم بهذا الوضع المزري، الذي أحال الجمال قبحا والحياة موتا وخواء.
إن ما حدث ويحدث خلال عقد أو عقدين قريبين، لم يكن سوى تدمير متواصل لبقية جمال صحراء، هي عمقنا ومدار وجداننا.. إن ما يحدث اليوم في هذه الصحراء الشحيحة، الأمطار قليلة الاخضرار، هو تشويه وتدمير للبيئة الأم.. إنها ليست ممارسة غير حضارية وغير أخلاقية.. إنها جريمة مع سبق الإصرار على التكرار القاتل.. إنه عقوق بالغ لهذه الأرض التي لا تريد منا سوى الاستمتاع بما تمن به في مواسم الخصب.. لا أن نقتل آخر جمال نحاول اكتشافه واستعادته كل عام.
شعب لا يرى البشاعة في نشر مخلفاته على مساحات واسعة بلا قلق من ضمير أو وجدان.. ربما يأتي يوم تأنف فيه هذه الصحراء عن استقباله بعد أن قتل ما فيها من فطرية وتتجدد وجمال.
أما "تحفون" فهو الرائع في اللهجة التونسية.. ووقع هذه الكلمة الدارجة يتجاوز الإنسان.. وربما كان اختياره صدى وعنوانا لاكتشاف أبعاد المكان والزمان، في مواسم تبتهج فيها الصحراء، ويمم شطرها عشاق من نوع آخر يحبونها، ويحنون عليها، ويحافظون على ما تبقى فيها من مقومات الحياة.
"تحفون".. كل من يزعجه هذا التلوث، فلا يملك عندما يرحل لأطراف الصحراء سوى ان يحمل كيسا أسودَ كبيرا، يجمع فيه مخلفات الآخرين التي نثروها، وبعثروها على مساحات الأرض التي تئن من شقوة الإنسان.
"تحفون".. من يحيل رحلات الصحراء حين تبتهج بالقطر، إلى لوحة غناء بالبهجة والحضور من أجل إشاعة الفرح بين أقرانه.. ليصبح العنصر الأكثر حيوية في صناعة أجواء الرحلة.. حتى إذا خلت من وجوده بدت تفتقر لعنصر الإمتاع.. لأن ثمة امتناع يحول دون صناعة المزيد من أجواء رحلة التحرر من قيود اليومي..
"تحفون".. عيون تترقب السحاب، ومنابت القطر ومهوى الجمال.. وهي تستعد لأيام مختلفة.. فعشقها لا ينفصم عن الأرض التي قُد قوامه من طينتها، ولا يرى عشقا أعظم منها.. ولا شوقا أكبر من مصافحة رذاذ القطر.. حين تهتز الصحراء وتربو لتنبت من كل زوج بهيج..
"تحفون".. استعداد لافت.. لتطوير الفكرة من نزهات "البر" الخاطفة.. إلى مستوى الاكتشاف والبحث في عمق الصور، والملامح، والحيوات التي تختبئ في حنايا الأودية، والشعاب، والهضاب، والجبال..
إن روعة الرفقة ليست في طبيعة الاستجابة، وإنما في مدى القدرة على صناعة عالم الدهشة والإمتاع. ولذا عليك البحث عن "تحفون" إذا كنت من عشاق مواسم الخصب والقطر.. وعليك أن تدرك أن العبرة ليست في كثرة الرفقة، وإنما في نوعيتها.. خاصة لعشاق الرحيل حيث صدى الريح والقطر.
إن "تحفون".. ليس شخصا.. إنه حالة خاصة يجتمع فيها الإنسان والزمان والمكان.. لن تراها ولن تكتشفها سوى في مواجهة صحراء ممتدة امتداد أفق يصافح أطرافها، ولا يبوح بسرها.. إنه إغراء بالرحيل لاستعادة حالة صفاء، ومناجاة أرواح، وتاريخ، وأقوام، وحيوات مرت من هنا. إنها رحلات الموسم الواحد.. نودع بعدها تلك الصحراء، ونتركها صامدة تواجه هجير القيظ، وغوائل الاحتباس.. وتظل هي تنتظرنا في عام قادم بعد أن تغتسل بالمطر، وتنتشي بالقطر، وتعبق برائحة النفل، والخزامى..
فليكن "تحفون" زائراً كريماً يشكر لها إمتاعه، ويرحل دون أن يخلف أثرا سيئا تعاني من ويلاته.. وحتى لا يأتي موسم آخر يبحث عنها فلا يجدها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.