وزير الخارجية يلتقي نائبة وزيرة خارجية المكسيك    أمير دولة الكويت يغادر الرياض    ولي العهد يلتقي رئيس مجلس الوزراء العراقي    السند يشارك في "المؤتمر الدولي لدور الجامعات في تعزيز قيم الانتماء الوطني والتعايش السلمي"    السعودية والأمم المتحدة تطلقان حملة لمكافحة التصحر    بوريل: بوادر الحرب العالمية عادت من جديد    رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي: السعودية شهدت تطورا يعكس طموحها الاقتصادي    الرياض تستضيف مباحثات عربية إسلامية أوروبية حول غزة    وزير المالية: سنعدل مشروعات رؤية 2030 وفق الحاجة    افتتاح الملتقى السنوي الثاني للأطباء السعوديين في إيرلندا    منتدى الرعاية الصحية السعودي الأمريكي يحتفي بالابتكار والتعاون في تكنولوجيا الرعاية الصحية    وقاء الباحة" يبدأ حملة التحصين لأكثر من 350 ألف رأس ماشية ضد مرض الحمى القلاعية لعام 2024م    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبدالرحمن بن فيصل بن معمر    المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة تبرم عدداً من الاتفاقيات    أشباح رقمية    أمير تبوك يواسي أبناء أحمد الغبان في وفاة والدهم    نائب أمير منطقة مكة المكرمة يستقبل الرئيس التنفيذي لبنك التنمية الاجتماعية    مؤتمر أورام الكبد يختتم فعالياته بالخبر بتوصياتً هامة    النصر يؤمن مشاركته في السوبر السعودي    صدور الموافقة السامية علي تكليف الأستاذ الدكتور عبدالله بن عبد العزيز التميم رئيساً لجامعة الأمير سطام    وكيل محافظة الزلفي يدشّن فعاليات أسبوع البيئة    11قطاعًا بالمملكة يحقق نموًا متصاعدًا خلال الربع الأول ل 2024    رسمياً.. الزي الوطني إلزامي لموظفي الجهات الحكومية    ساعة أغنى رُكاب "تيتانيك" ب1.46 مليون دولار    محافظ خميس مشيط يدشن مبادرة "حياة" في ثانوية الصديق بالمحافظة    أمطار تؤدي لجريان السيول بعدد من المناطق    طابة .. قرية تاريخية على فوهة بركان    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية.. استمرار الجسر الإغاثي السعودي إلى غزة    270 دقيقة.. ويهتف «الشقردية»: نحن الأبطال    وفاة الأمير منصور بن بدر بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود    «هندوراس»: إعفاء المواطنين السعوديين من تأشيرة الدخول    وزير الإعلام ووزير العمل الأرمني يبحثان أوجه التعاون في المجالات الإعلامية    فريق طبي سعودي يتفوق عالمياً في مسار السرطان    العرض الإخباري التلفزيوني    وادي الفن    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    وزير الدفاع يرعى تخريج الدفعة (82) حربية    مؤتمر دولي للطب المخبري في جدة    أخصائيان يكشفان ل«عكاظ».. عادات تؤدي لاضطراب النوم    وصمة عار حضارية    الاتحاد يعاود تدريباته استعداداً لمواجهة الهلال في نصف النهائي بكأس الملك    تجربة سعودية نوعية    (911) يتلقى 30 مليون مكالمة عام 2023    السجن لمسعف في قضية موت رجل أسود في الولايات المتحدة    ألمانيا: «استراتيجية صامتة» للبحث عن طفل توحدي مفقود    انطلاق بطولة الروبوت العربية    استقلال دولة فلسطين.. وعضويتها بالأمم المتحدة !    أمير الرياض يوجه بسرعة رفع نتائج الإجراءات حيال حالات التسمم الغذائي    الأرصاد تنذر مخالفي النظام ولوائحه    التشهير بالمتحرشين والمتحرشات    الأخضر 18 يخسر مواجهة تركيا بركلات الترجيح    حكم و«فار» بين الشك والريبة !    واشنطن: إرجاء قرار حظر سجائر المنثول    المسلسل    إطلاق برنامج للإرشاد السياحي البيئي بمحميتين ملكيتين    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مالك المطلبي
نشر في الرياض يوم 08 - 10 - 2016

كل مرة ألتقي مالك المطلبي، أراه قاصا أضاع دربه إلى الشعر والنقد، ففي جعبته من الحكايا ما لا يملك سواه، وأفضل ما فيها طريقة روايتها التي تمزج الجد بالهزل. مالك الآن بين ما تبقى من مثقفي الستينات الذين لم يغادروا العراق، وهو يحمل تاريخاً مليئاً بالطرائف والغرائب والمفارقات عن المجتمع الثقافي العراقي، ولكن الذكريات لم تسعفه سوى بكتاب واحد عنوانه يدل عليه " ذاكرة الكتابة/ حفريات في اللاوعي المهمل".
كان المطلبي في الثمانينات والتسعينات بين مجموعة حاولت تتبع خطى البنيوين والتفكيكين واللسانين، فالجمع في لهفة لتلقي ما ينشره الغرب من جديد، كي يعيدوا انتاجه عراقياً. ولعل ذلك الفعل، أشبه بمقاومة او محاولة لتجاوز سنوات الأدب الشعاراتي والحروب والحصار، ولا نحتاج كبير جهد كي نكتشف تلك الاهتمامات، فعناوين الكتب النقدية تشير إليها. بيد أن اهتمام المطلبي باللغة، أو علم اللسانيات يعود الى ثقافته في النحو والبلاغة، بحكم ولعه بالتراث، وما أضاف فرديناند دو سوسير الى ما بجعبته إلا لمسات التأنق اللغوي القادم من زمنه، زمن الثقافة الستينية المتغربنة.
ولكن كتابه "حفريات في اللاوعي المهمل"، أقرب إلى "كوميديا الأخطاء"، فهو عن طفولته في قرية جنوبية تقع على نهر المشّرّح في العمارة، ينتقي منها مشاهد وشخصيات تعج بالطرافة، مثلما يعود إلى مقاهي أدباء الستينات ببغداد، حيث المطارح تشي بملامح تلك الثقافة التي تراوح فيضها بين تقشف وامتلاء. المؤلف أشبه بكوميديان يلعب على توقيع الكلام وتدويره عن نفسه والمجتمع الريفي، وعن صداقات الزمن الستيني. لعله استذكار يجمع الحنو والسخرية، وتلك ميزة تمنح الكتاب لغة ساحرة مليئة بالمفارقات. هذا هو مالك المطلبي، حيث هو قاص يصنع مشاهد ولقطات سينمائية، نادراً ما تتوفر في كتابات جيله عن زمنهم، فكل ما كتبوه لا تشغل المفارقات الضاحكة مساحة فيها. ولكن الكتاب يبدو محض تجميع لمقالات متفرقة، فهناك المقدمة السياسية التي وضع المؤلف جوابها العراقي،بعد نشر رسالتين متبادلتين بين مثقفين من عيار غونتر غراس الالماني، وكيزابرو أوي الياباني، يتحاور الكاتبان عن الحرب العالمية الثانية التي دفع سياسية بلديهما ثمنا فادحا ولسنوات طويلة، ولكن تلك الحرب وعقوبات الحلفاء، كانت سبباً في بزوغ أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم. وإلى اليوم لا يعرف الجمع الثقافي في البلدين كيفية توصيف من أنهوا سطوة الدكتاتورية والنزعة الحربية، هل هم غزاة أم محررون. هذا السؤال الذي انقسم حوله العراقيون بعد الاحتلال الأميركي، وربما إلى اليوم، حاول المطلبي أن يحاكيه، في نشره رسالة التعقيب على الأثنين، فبدا كأنه يضمر تفاؤلا خفيا رغم انه يسمي الرسالة "الهمهمة العراقية"، ويتحدث فيه عن ظهور: "زغب الجرأة في إرادتنا التي اضمحلت حتى كادت تفقد تعريفها. إن هذا الزغب إشارة ما إلى الطيران الممكن مرة أخرى". كتب المطلبي هذه الرسالة العام 2004، أي بعد سنة من الاحتلال، وربما تبدّل رأيه بعد كل تلك السنوات العجاف التي أعقبتها، ولكن هذا الرأي يبقى وجهة نظر تاريخية تشير إلى تيار في الثقافة العراقية لم يزل فاعلاً.
" حشد من الحيوات بأمكنتها زال من البسيطة! ولم يبق منه سوى آثارمطمورة تحت جلودنا" هذا ما يقوله المطلبي بأسى عن زمن الستينات، حيث ثقافة المقاهي والحانات. يضع عنوانا لمادته " غريزة المقهى" : " ما أقوم به الآن لا ينتمي إلا لعلم الآثار الذهني، الذي يحاول تفكيك "دالّ" المقهى القديم، المكّون من آلآف الخطى القصيرة التي امّحت في فراغ الكنبات، متحدة بملايين ضربات خرز المسبحات، بملايين الكلمات التي تكون دائما، أرباع جمل!، وبالزجاج الممسوح، أبدا بالفضول المتبادل بين الجالس والسائر، بالمشاريع الأدبية التي لاتنمو! بغريزة الشرب. نعم للمقهى غريزة، شأنه شأن الحيوان، ولكنها غريزة وحيدة وليست منظومة غرائز. إنها غريزة الشرب".
يصف شارع الرشيد بامبراطورية المقاهي الستة، التي شاعت في كتب ذكريات الأدباء، متجنبا كل الإشكالات السياسية والأدبية لتلك المرحلة المهمة من عمر العراق الثقافي. ولكنه يحاول تقريب صورة بعض المشاهير وقتذاك، عبد الأمير الحصيري الذي بز حسين مردان في تصعلكه يقول عنه : " لوجهه الأملس، وياقته السائلة ويديه الغضتين! وهو يخرج (لفائف) أوراقه ويقرأ، أنا وصديقي البانتومايم موسى كريدي، قد صرنا في الطريق القويم، بين كلية الآداب في راغبة خاتون، وحلقة الأدب في حسن عجمي. إننا في الطريق إلى مشروعنا الشعري، والقصصي" . يسمي " البرازيلية" مقهى الترانزيت، لأنها مستوردة " روضّتها التقنية، مكائن بأزرار تُصنّع القهوة، وبرادات ماء تدور على لولب، وأسطوانات دائرية، تُنزل الأيس كريم، وعمال خافتون ينحنون وعلى شفاههم " البزنز سمايل" باختصار كان مقهى البرازيلية كل شيء إلا مقهى " لعل هذا التعريف يختصر ثقافة التقشف في الستينات التي دخلها الفقراء وأبناء القرى البعيدة .
" تأسيس البنطلون" هو عنوان فصله الثاني الذي يعود فيه الى زمن الطفولة في قرية قريبة من الأهوار. ولعله اجمل الاقسام في الكتاب، فهو فصل من الضحك المتواصل عن حكاية اول بنطلون ارتداه مالك المطلبي
في العام 1953 تليت على طلاب مدرسة القرية الإبتدائية، ورقة تحمل امضاء المدير " كل من يرتدي بنطلونا غداً سيمنح جائزة" فسعى الصغير بأي ثمن للحصول عليها. حضر في اليوم الثاني ببنطلونه الذي لا يعرف ترزي القرية كيف يخيطه فبدا مثل مهرج صغير. تلاقفته أيادي الطلبة بعد نوبة ضحك من المدير والمعلمين : " فجأة رُفعت في الهواء... واندفعت كأني طائر أسبح! جموع الطلبة اخترقت بي الفناء الداخلي للمدرسة.. خرجت الجموع من باب المدرسة، وعبر اهتزاز جذعي رأيت (كاطعا) محمولا هو الآخر على الأكتاف وهو يحمل بنطلوني بيده. ويهز به في حركة دائرية!". يقول تعقيبا، كان عدد الذين يرتدون البنطلون في ناحية " المشّرح" السبعين شخصا، وهم الهيئة التعليمية وموظفي الإدارة، عدا لباس الشرطة القصير، أي بمقدور هذا العدد أن يحدث الفرق، ولكن ارتداء أهل المكان اللباس المدني، هو الذي يصنع مشهدا فكاهيا في مفارقة الحداثة التي كان العراق في الخمسينات، يحث الخطى إليها. كتاب المطلبي فيه سحر البساطة وعفويتها، واستذكار لأزمنة العراق التي كانت تعج بالمفارقات الجميلة.
فاطمة المحسن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.