لو تأملنا في أغلب المجتمعات المقهورة والمحبطة وغير القادرة على معالجة مشكلات حاضرها وراهنها، فإنها تلجأ إلى الخرافة والأحلام، بوصفها تعويضاً عن مآزق الراهن من حق المرء أن يقلق على الواقع الاجتماعي للعرب والمسلمين.. حيث تتكالب المشكلات والأزمات، وتتعمق أسباب القلق على راهن العرب والمسلمين.. والذي يزيد من قلقنا وخوفنا على مستقبل العرب والمسلمين، انتشار ظاهرة الأحلام والخرافات والأساطير، التي تشغل الناس عن قضاياهم المركزية، وتساهم في إرباك الوعي السليم، بالكثير من المقولات التي تتعامل مع الأحلام بوصفها هي معيار الحق والصواب، وهي (أي الأحلام) القادرة على إخراج الإنسان المسلم من الكثير من المتاهات التي تزيد من حالة الارباك والضياع، التي تهدد الكثير من المجتمعات العربية والإسلامية.. ففي الزمن الذي يعاني الواقع العربي والإسلامي الكثير من المآزق والصعوبات، كما تتبلور في هذا الواقع إمكانية النهوض والانعتاق من كل الأمراض والأزمات.. في مثل هذا الواقع، تنتشر في الاجتماع العربي والإسلامي العديد من المحاولات التي تعمل عبر وسائط عديدة، لتظهير قيم الخرافة والاستناد إلى الأحلام، بوصفها هي القادرة على إخراج الواقع الإسلامي المعاصر من الكثير من عيوبه وإخفاقاته.. وأمام هذا البروز الذي يزيد من الضياع والبعد عن مقتضيات الحضور والشهود، تبرز النزعات الهروبية، التي تتعامل مع الأحلام وكأنها هي المعادل التام للعلم والمعرفة الدينية.. ونحن بحاجة إلى الاقتراب العلمي والمنهجي من هذه الظاهرة، التي بدأت في الانتشار في العديد من المجتمعات العربية والإسلامية.. وثمة مداخل عديدة للاقتراب المنهجي من موضوع الأحلام والخرافة.. ونود في هذا السياق أن نتحدث عن مداخل ثلاثة بوصفها عناوين لتفسير ظاهرة الخرافة والأحلام وهي كالتالي: 1-المدخل السسيولوجي: ووفق هذا المدخل، فإننا نرى أن المجتمعات المقهورة والمصابة بوهن في راهنها، توسع من دائرة ما تعتبره من مقدساتها كوسيلة للدفاع والتبرير.. وفي زمن توسع المقدسات أو ما تعتبره بعض المجتمعات من المقدسات، تنتشر طفيليات فكرية وسلوكية من ضمنها الانشغال بالأحلام.. ولو تأملنا في أغلب المجتمعات المقهورة والمحبطة وغير القادرة على معالجة مشكلات حاضرها وراهنها، فإنها تلجأ إلى الخرافة والأحلام، بوصفها تعويضاً عن مآزق الراهن وأزمات الحاضر، سواء أكانت نفسية أم سلوكية أم، سياسية.. فالقلق العميق الذي تعيشه بعض المجتمعات، هو الذي يدفع بعض الأفراد، إلى تبني رؤية تتجلبب في كثير من الأحيان بجلباب ديني للهروب من صعوبات الواقع نحو الخرافات والأوهام والأحلام، التي تبرر أو تسوِّغ للإنسان حالة الهروب من الواقع، واللجوء إلى كهف الأحلام والخرافات. وبالتالي فإن الاهتمام بالأحلام، ليس اهتماماً علمياً أو تجريبياً، وإنما الاهتمام الذي يعكس حالة القلق الذي يصل في بعض الأحيان إلى حد الضياع.. فيتحول الانشغال بالخرافات والأوهام كتعويض لعدم قدرة هذا الإنسان من الانعتاق من صعوبة الواقع بكل مراحله وأطواره.. 2- مدخل الهوية والخصوصية: على حد تعبير ماك لوهان، نحن نعيش اليوم في قرية كونية واحدة، تلاصقت فيها الأفكار والآراء وأضحى الجميع متداخلاً مع الجميع.. ولكن طبيعة السؤال المركزي في المجتمع، هو الذي يحدد طبيعة الخيارات الثقافية والاجتماعية.. فإذا كان السؤال المركزي هو سؤال الهوية، فإن فائض المعنى، سيساهم في إعطاء مساحة للأحلام ومتعلقاتها واهتماماتها.. أما إذا كان السؤال هو سؤال التقدم، فإن المجتمع سيكنس من واقعه كل الكوابح والموانع التي تحول دون التقدم.. ولا ريب أن الانشغال بالخرافات والأوهام والأحلام، هو انشغال بالتوافه، على حساب الانشغال بالأمور المهمة المتعلقة بسبل وشروط التقدم الذي ينشده المجتمع.. 3- المدخل الفكري: ومفاد هذا المدخل أنه في زمن الانحطاط والتخلف تضمر الأفكار السننية لصالح أفكار الخرافة والأحلام.. ودائماً في أي مجتمع تتراجع نزعات وحقائق الأفكار السننية، وإن هذا التراجع سيملأ بأفكار الخرافة والأساطير، التي تشغل الناس بها، وتعطل من إمكانية الانشغال بالقضايا الجوهرية التي تفيد الإنسان في الدنيا والآخرة، كما تعطل من إمكانية الانشغال بالقضايا الجوهرية.. وحين التأمل في النص القرآني، ثمة موقف سلبي من الأحلام (أضغاث أحلام) وموقف إيجابي من الرؤيا.. والتأويل هو وسيلة التفسير للرؤيا. فمفردة الأحلام جاءت في القرآن (3) مرات وكلها جاءت في سياق سلبي. والرؤيا جاءت في القرآن الكريم (7) مرات وكلها جاءت في سياق إيجابي. وخمس من السبع آيات جاءت للأنبياء.. وعليه، فإن الانشغال بالأحلام، يعد من الانشغال بالأمور الخاطئة التي تزيد من هروب الإنسان المسلم من واقعه.. وفي هذا السياق لا بد من بيان أن الأديان التوحيدية ليست ناطقة بكل حقائق الوجود، وفي ذات الوقت ليست صامتة عنها بالكامل.. فهي ناطقة عن بعضها بما ينسجم وغايتها الأساسية وهي هداية البشر.. وهذه القناعة أو التصور يخفف من غلواء البعض باتجاه إيجاد مماثلة دائمة ومطلقة بين حقائق العلم وتشريعات الأديان.. وحتى نمنع الاهتمام بالخرافات والأوهام والأحلام، ثمة ضرورة معرفية لتحرير القيم والعقائد الإسلامية من الأوهام والخرافات وأشكال البدع، وبناء تفسير نهضوي وتنويري لمفاهيم الإسلام وقيمه.. حتى نتمكن جميعاً من الانعتاق من أحابيل الخرافة وأباطيل الأحلام.