لعل أعظم ميزة للشاعر تكمن في قدرته على مزاولة الحلم - التخيل والإنسان العادي لا يملك ذلك. أن تحلم معناه أنت تفجر في داخلك عدداً من الأسئلة الحادة وتحاول الإجابة عليها في نفس اللحظة.. أنت بذلك تخلق عالماً جديداً.. عالماً خاصاً بك تضعه في مقابل العالم الذي حولك.. قد تحلم بعصفور ينقر شبابيك منزلك وقد تحلم بغيمة مليئة بالمطر وأحلام ورؤى أخرى.. هكذا سلسلة من الأحلام تتأجج في داخلك وتجري كلها في لحظةٍ عابرة قد لا تتجاوز الدقائق ولكنها تشكل عالماً قائماً بذاته.. إن أعظم ميزة للشاعر هي أنه يستطيع أن يحلم بإسراف أن يتخيل دون حساب.. والحلم هو الشيء الوحيد الذي تستطيع ممارسته دون أن يحاسبك أحد عليه.. ومع هذا فالإنسان العادي لا يفعل ذلك؟ حينما يفتقد الشاعر هذه الموهبة الإلهية الرائعة.. موهبة الحلم فيجب عليه أن يتوقف.. لابد أن يتوقف تلقائياً.. وإذا قال شيئاً.. كلاماً فثق أنه ليس بشاعر.. إنه كلام أو هو ثرثرة. إنه يستعين بمحفوظاته القديمة ولغته القديمة ما بين هاكم وتلكم!! أو بمسموعاته أو مرئياته وقصصه وأحاجيه.. ثم يصنفها.. ويرتبها.. يختار لها الكلمات المناسبة والعبارات الأنيقة الفخمة ليقدمها على أنها شعر.. ومادام كلامه بهذه الفخامة التي توحي لك بجلال التاريخ فعليك أن تعتبرها شعراً. إن هذ الإنسان التراثي.. هذا الكائن «الموزون المقفى» قد تعطلت لديه أداة من أدوات الشعر.. فقد حاسته الشعرية.. حاسة الحلم والمتخيل.. وبدلاً من ذلك راح يستعين بأحلام الآخرين.. وراح يستفيد من تخيلاتهم رغم أنهم لم يروا السيارة ولم يصعدوا سلّم الطائرة ولا استمعوا إلى أجهزة الراديو والتلفزيون ولم يتصفحوا ويتابعوا مواقع الإنترنت وبحوره رغم أنهم كذلك لم يختلفوا حول دوران الأرض.. ولا خطر ببالهم الوصول إلى القمر ولم يروا غيمة تخرج من بطن الأرض وتهاجر في عكس الريح لتمطر في بلاد الطوفان.. إنهم بعكس ذلك تماماً فحياتهم بسيطة وواضحة.. ليس المهم أن تحلم بل المهم أن يكون لك حلمك الخاص مادمت تملك هذه القدرة الخفية.. هذه القدرة الديناميكية على تدمير الواقع البائس ومقابلته بواقعٍ مغاير.. إذاً أنت شاعر.. لأن القدرة على الحلم معناها القدرة على طرح الأسئلة وأنت إنسان متحضر مقدار ما في داخلك من تساؤلات.. كما أنك باستطاعتك أن تقيس نسبة الحلم في الأمة بالوقوف على عدد من فيها من الشعراء.