صدر في الآونة الأخيرة الجزء الرابع من كتاب «تراث الأجداد: دراسة لجوانب مختلفة من تاريخ مأثوراثنا الشعبية» للباحث الأستاذ محمد بن عبدالعزيز القويعي. ويقع الكتاب في حوالي أربعمائة صفحة من القطع المتوسط، إضافة إلى المقدمة، وقائمة للمراجع وأخرى لمحتويات الكتاب، كما أنه مزود بعدد غير قليل من الصور الفوتوغرافية الملونة. ولقد خصص الباحث الثلث الأول من الكتاب للعديد من مسميات قطع التراث الشعبي مصنفة حسب تسلسلها الألفبائي. وتغطي هذه المسميات جوانب متنوعة من حياة المجتمع في المملكة. فمنها ما يدخل ضمن مستلزمات لباسه، ومنها ما يدخل ضمن متطلبات حرفته، ومنها ما يدخل في نطاق غذائه، ونحو ذلك. وحين يتناول الباحث هذه المفردات، فإنه يتعرض لها بشكل تفصيلي من حيث أصل تسميتها ومادة وأسلوب صناعتها ووظيفتها أو كيفية استخدامها، مما يعطي تصوراً واضحاً عن جوانب عديدة تهم القارئ والباحث في هذا الفن. كما تعرض الكتاب لتاريخ العديد من الحرف والصناعات الشعبية المحلية، كالصناعة التقليدية للبارود، والعمارة التقليدية، والصناعات الفخارية، والندافة، والحياكة، وعصر السمسم، وصناعة المسابح، وصناعة الصحاف الخشبية. كما تعرض للعب الأطفال وحكاياتهم وأهازيجهم ونحو ذلك. ثم أورد العديد من الأمثال الشعبية التي تتناول جوانب شتى من حياة المجتمع في معظم مناطق المملكة. وأتبع ذلك بكم غزير من المفردات الشعبية القديمة، وقدم لها شروحاً وافية عن معانيها في الماضي وقرّب ذلك إلى استخداماتها الراهنة، مع الاستشهاد ببعض أبيات الشعر الفصيح والنبطي. وقد ختم الأستاذ القويعي كتابه بحديث جيد وشائق عن الجيش والهجيني وكلايف الجيش. تطرق فيه لمستلزمات الهجن المستخدمة في الحل والترحال، والمصنوعة من الجلد أو الوبر أو الصوف أو الخشب. وقد أورد معلومات وافية عن مسميات الإبل وأنواعها وأوصافها، وقرن ذلك بما رواه أو حفظه من القصائد ذات العلاقة.وبعد هذه الجولة السريعة عبر محتويات الكتاب وصفحاته، يجدر القول إنه يزخر بمعلومات جيدة عن مفردات التراث التقليدي الذي أخذت تندثر عناصره بشكل سريع فالباحث المتخصص سوف يجد بغيته خلال تصفح مادته، وإن كان سيلاقي بعض الصعوبة في الوصول إلى المعلومة المطلوبة. والسبب في ذلك يكمن في الأسلوب الذي انتهجه الباحث. حيث إن مادة الكتاب لم تصنف وفق المناهج التي اعتاد عليها الأكاديمي، أي حسب وحدة الموضوع أو نوعه أو شيء من ذلك. ولقد نبه الباحث في مقدمة كتابه إلى هذا الأمر، حيث قال: «.. لذا فإنني بعد انتهائي من طبع جميع هذه الأجزاء سأرتبها حسب وحدة الموضوع أو ما هو قريب منه ليسهل الرجوع إليه..». وهذا التوجه يتفق وما أشار إليه الشيخ حمد الجاسر (رحمه الله) حينما كتب عن الأجزاء الثلاثة الأولى من هذا العمل بطريقة تمكنه من السير على نهج قويم مدروس، وأن يقدم تلك المعلومات المشتتة في هذه الأجزاء بالصورة التي تقربها للباحث وتمكن من الاستفادة منها استفادة أعم وأوفى، بعد تمحيصها بالدراسة واستخلاصها وعدم التكرار فيها..». وختاماً يجدر التنويه إلى أن الأستاذ القويعي يعتمد في نشر محتويات موسوعته التراثية على مجموعته الخاصة التي تضم بين جنباتها معظم مشتملات التراث الشعبي السعودي. وقد قدر لي قبل بضع سنوات زيارة هذه المجموعة. ولاحظت أنه على الرغم من أهميتها لم يتمكن صاحبها من عرضها بالشكل الذي يمكنه من الحفاظ عليها لأطول فترة ممكنة. حيث خصص لها الدور العلوي من مسكنه، وذلك على حساب راحته وراحة أفراد أسرته. وأجزم أن وضع هذه المجموعة وأمثالها من المجموعات الخاصة التي تهتم بتراث وطننا المترامي الأطراف، لا ينسجم والتوجه الجاد الذي توليه الدولة للتراث الوطني. كما أجزم أن هذا الشأن من القضايا التي توليها الهيئة العليا للسياحة وعلى رأسها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز حقها من الدراسة الموضوعية والاهتمام المنشود. ٭ قسم الآثار والمتاحف - جامعة الملك سعود