يقول أهل اللغة إن كلمة ( الإسراف ) تطلق على مجاوزة الحد في الأفعال والأقوال . وهو صفة سلوكية مقيتة تعني : الزيادة فيما لا داعي له ولا ضرورة حتى لو كان ذلك في أمر مباح . ولأن الإسراف مرتبطٌ بمختلف جوانب الحياة المادية والمعنوية ؛ فإن له صوراً عديدة وأشكالاً مُختلفة ، الأمر الذي يترتب عليه الكثير من المفاسد الدينية والدنيوية التي تُدّمر المجتمعات ، وتقضي على الأخلاق ، وتعبث بالاقتصاد ، وتؤدي إلى الكثير من المضار والآثار السيئة التي يأتي من أعظمها أن الله تعالى لا يُحب المسرفين ، وأن الإسراف سلوكٌ خاطئ ، وتصرف غير سوي . أما صور الإسراف فكثيرةٌ جداً إذ إن منها ما يكون على مستوى الفرد ، ومنها ما يكون على مستوى المجتمع ، فهناك من يسرف في استخدام الماء واستعماله ، لاسيما الماء الصالح للشرب فيهدره في ريّ المزروعات وغسل السيارات وتنظيف الأفنية ، أو يبالغ في استخدامه منزليا سواء كان ذلك في المطابخ أو دورات المياه ونحو ذلك ناسيا أو متناسيا أن الإسراف سلوكٌ خاطئ وتصرفٌ ذميم . وهناك من يسرف في تناول أصناف الأطعمة الشهية ، وألوان المشروبات المختلفة ، دون مراعاة لما ينتج عن ذلك من مخالفة لتعاليم الدين وتوجيهاته التي قال فيها عز وجل : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (سورة الأعراف : من الآية 31) . إضافةً إلى ما في ذلك من إضاعةٍ للمال في غير وجه حق ، وإضرارٍ بالصحة التي تختل وتضطرب جراء ذلك الإسراف . كما أن هناك من يسرفُ في شراء الملابس واقتنائها بطريقة أو بأخرى ، غير مبال بما ينفقه في ذلك من أموال تضيع فيما لا فائدة فيه ولا نفع منه ولذلك فقد ورد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا ، ما لم يُخالطه إسرافٌ أو مخيلةٌ) (رواه ابن ماجة ، الحديث رقم 3605 ، ص 601) . ومن صور الإسراف أن البعض من الناس قد يسرف في السهر الطويل أو النوم الكثير مخالفا بذلك سنن الله تعالى في الكون ، ومُتغافلاً عن مضار ذلك التصرف الخاطئ الذي يوهن الجسم ، ويُرهق التفكير ، ويُربك بعض وظائف الجسم العضوية ، ويؤثر على حالته النفسية في الغالب . وهناك من يسرف في القيل والقال ، فلا يتوانى عن نقل الكلام وإشاعته بين الناس سواءً كان ذلك صحيحاً أو غير صحيح ، مباحاً أو غير مُباح . والأدهى من ذلك أن ينقله دون التحقق من صحته ، أو الزيادة عليه ونحو ذلك مما نهت عنه تعاليم ديننا الحنيف وحذّر منه نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم الذي بيّن خطورة إطلاق الألسن في الكلام بقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه عندما سأله قائلاً : يا نبي الله ، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : (ثكلتك أمك يا مُعاذ ، وهل يكُبُّ الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلاَّ حصائدُ ألسنتهم) (رواه الترمذي ، الحديث رقم 2616 ، ص 590) . وقد يكون الإسراف في تناول المستحضرات الطبية وأنواع الأدوية والعلاجات المختلفة ، وربما بغير نصح الطبيب ولا إرشاده ؛ فتكون النتيجة تدهور الصحة ، والإصابة بالأمراض التي ربما يكون بعضها خطيراً - لا قدر الله - . وهناك من يُسرف في الاهتمام بالكماليات في وقتٍ يُهمل معه القيام بالضروريات ، ويُقصر في أداء الحقوق والواجبات التي هي - بلا شك - أولى بالاهتمام وأجدر بالأداء . وهكذا .. تتعدد صور الإسراف وأشكاله وأنماطه التي علينا جميعاً الحذر منها ، والحرص على اجتنابها ، وعدم الوقوع فيها ؛ لما يترتب عليها من نتائج مؤسفةٍ ومضار عظيمة تؤدي في مجموعها إلى تحقيق مقولة (الإسراف سبب كل جفاف) التي تُعد واحدةً من العبارات واسعة الانتشار في مجتمعنا ، والتي يُرددها الكثير لما فيها من جمال المبنى وعمق المعنى ، ولاسيما أن الجفاف نتيجةٌ حتميةٌ لسوء استعمال الشيء حتى ينفد وينتهي ، فلا يبقى منه شيء . فيا إخوة الإيمان : لماذا الإسراف ؟ ولماذا يكون سلوكاً شائعاً في حياتنا ؟ ولماذا لا نحرص على تجنبه والبعد عنه والتخلص منه ؟ ولماذا لا نتناصح في السر والعلن بخطورة هذه الظاهرة علينا ؟ ولماذا لا يكون لنا عظةٌ وعبرة في كثيرٍ من المجتمعات التي تشتكي الفقر والحاجة ؟ أستاذ التربية الإسلامية المساعد بكلية المعلمين في جامعة الملك خالد بأبها