لم تشهد العقود والسنين الأخيرة عملاً رائداً وحضوراً محترماً عند الباحثين مثلما شهده (كنز الأنساب ومجمع الآداب) للشيخ حمد الحقيل - رحمه الله - هذا العلم الذي شرق وغرب في دنيا العربية ولعلني قد وضعت له دراسة كافية لكن ما ذكرني به مؤخراً ومن ثم حرك ما في الذهن هو الباحث العراقي أحمد عبدالرضا كريم صاحب كتاب: (الأنساب المنقطعة) حيث اعتمد كلياً على كتاب الحقيل ووضعه في المكانة المشرفة والحقيقة ان هذا الإنسان يستحق التنويه بريادته وذكر معاناته وما بذله طيلة حياته وفاء للعربية ولأبناء جنسه ولهذا أقول للأستاذ أحمد كريم لقد أعدت إلى العديد وأنا في طليعتهم ذكر ذلك الشيخ ولعلني قد قلت أثناء رحيله لقد ودعت منطقة نجد سنة تسع وعشرين وأربعمائة وألف للهجرة علماً من أعلام الموسوعيين الذين رفدوا المعرفة بالتآليف الجامعة سواء في الأنساب أو في التاريخ أو في الفصاحة والبلاغة أو فيما شئت من علوم العربية .. انه الأستاذ الشيخ الراوية حمد بن إبراهيم الحقيل ..ولا أدري في يوم رحيله المكفهر ما الذي عم هضبة وسط الجزيرة العربية أو هكذا تخيلت لأن ذلك الرجل إنسان قد لا يتكرر في السعة والإحاطة .. عرفته أول ما عرفته - رحمه الله - عن طريق أحد الأصفياء في مطلع عام 1395ه حيث كنت أتردد مع منهم في سني انذاك بين الصحافة وبين من يفيدنا في التوجيه والمساندة وكان يسكن في بيت متواضع يقع في حارة شمال (المربع) الذي ظل وفيا لها في الرياض العاصمة حتى آخر لحظة من حياته ، ومع ان الرجل من الرعيل الذي لم يدرس ولم يتفقه كأجيال المعاهد والجامعات ولم يأخذ حصيلته مما يقننه ويؤشر إليه الأكاديميون إلا انه كان علامة فارقة في اطلاعه وحفظه للمتون العمد ومن ثم لا تبعيض لديه في أفانين العربية ، ومع هذا كان ذا ملكة تدهشك بتراكمية الحفظ والتمثيل أو دعنا نقول نصاعه الأدلة .. كان رجلا ربعة الرجال يميل إلى القصر قليلا ولكنه حسن الهيئة نابه الصورة متوقد الذكاء إذا تكلم تقاصر الطيال وتواثب من دونهم إلى ما يرجحه ويؤمي إليه ، كما انه قريب من الكل واعيا لعصرية من يناقشه ، سافر كثيرا وعرف كثيراً ولكن سفيره ودالته التي علقت بالأذهان هي مؤلفاته ولعل من أشهرها وأبعدها مسيرا هو ما سأل عنه الباحث العراقي كما ذكرنا أحمد عبدالرضا كريم: (كنز الأنساب ومجمع الآداب) حيث كان مرجعاً وسنداً للعديد من المهتمين ليس في الجزيرة العربية فحسب ولكن في العديد من البلدان ومن النافلة أن أقول من المتوقع ان تطبق شهرته دنيا الكلمة بعد الثورة المعلوماتية المدهشة ، كما لا أنسى كتابه الآخر (عبدالعزيز في التاريخ) حيث رصد ما استطاع عن سيرة وخلق المؤسس رصد المحايد الخبير والذي لازلت أظن انه من نوادر ما ألف في هذا الجانب وقد عملت له أيضاًَ عرضاً موسعاً في الصحافة المحلية منذ زمن ، قد يكون لي بعض الملاحظات على تآليف روادنا المبكرة من ناحية مرجعية الأحداث أو مصدرية المعلومة ولكنها قد تجلو المادة وتزيدها لمعاناً عند أولي الاختصاص .. والشيخ حمد الحقيل علاوة على جهوده التأليفية كما المعنا يعده البعض من الطليعيين التنويريين الذين جانبوا البهارج وظل حتى رحل بعيداً عن المتهافتين في حين ان البعض يحيا بالوظيفة أو بالجاه المادي ويذهب بها أو يذهب مع ذهابها. كانت جلسته منذ عرفته أو دعنا نقول ندوته ضحى كل يوم خميس وتمتد هذه الضحوة إلى قبيل أذان الظهر ، هذه الندوة ليست محددة ولا مبرمجة كما يفعل أصحاب الرياش وانما جلسة مفتوحة تجد فيها الشاعر والأديب والمحب والراوي الشعبي وإذا طرحت بعض القضايا فإنما بلباقة ومن ثم حرية مطلقة ، أما إذا تحدث الشيخ فإنه يعرف كيف يترك الجميع منصتاً ومستفسراً سواء في الحكم أو الأمثال أو الأحداث والمعارك إذ يتنقل بالمستمع تدريجياً إلى حيث الحدث بشخوصه وارهاصاته ومنعطفاته فمن أخبار الأوائل أبي هلال وابن الأثير إلى ابن الكلبي وترجيحاته وتشجيرات العرب وتداخلاتها إلى أبي علي الهجري فالهمداني وما شئت من هؤلاء الفطاحلة رواية وتزكية أما إذا تحدث عن الأمور الفقهية وسماحة الدين ومعالجة القضايا فهذه هي وراقه الأولى لا يتكبر ولا يتشخصن ولا يتحجر في رأي أو عصر أو فئوية تختطف الناس وتظن أنها ولا غيرها. رحم الله الفقيد فقيد الفقه والشعر والرواية والأنساب حمد بن إبراهيم الحقيل القامة التي ستظل ما بقي للكلمة النزيهة مكانتها في هذه الدنيا ، إنا لله وإنا إليه راجعون .. قال الشاعر: ولو كانت الدنيا تدوم لأهلها لكان رسول الله حياً باقياً