تحريك "الشفاة" في ظاهرة المترادفات!

نَشرتُ في العَدَد السَّابق مِن مُلحق "الأربعَاء الأسبوعي" مَقالاً بعنوَان: (تَحريك الشّفاة لمُناقشة اللُّغَات)، وذَكرتُ أنَّ العَرَب يَمتلكون قَدرًا كَبيرًا مِن الحمَاقة اللُّغويّة؛ التي تَجعلهم يُطلقون عَلى المُسمّى الوَاحد مِئات الأسمَاء، فمثلاً أطلقوا عَلى السّيف أكثَر مِن ثلاثمائة اسم، وأعطوا للأسد حوالي خمسمائة اسمٍ، كما منحوا الحصان أيضًا حوالي مائتي اسم..!
ومِن نِعم الله التي لا تُعدّ ولا تُحصَى عليّ، أنَّني أمتلك قَارئات وقُرّاء مُنتجين، بحَيثُ يَقرأون مَا أكتُب، ويَتّفقون مَعي تَارة، ويَختلفون مَعي تَارَات، وسأكتُب مَقالاً حَول هَذا التَّفاعل في القَريب العَاجِل إن شَاء الله..!
أمَّا مَا أنَا بصَدده اليَوم، فهو طَرح مِثالٍ عَلى التَّفاعُل الحَي، الذي يَصدر مِن القَارئ المُنتج، الذي يَختلف مَعي ويُعطي الدَّليل.. فقد تَشرّفت باتّصال مِن وَالدي الشّيخ "أجواد الفاسي" -شيخ مَشايخ الطّريقة الفَاسية الشَّاذلية في العَالَم- يُعاتبني فِيه عَلى ظَاهرة التَّرادُف في اللغة، وأمَّنني أن أنشر الكَلام عَلى رؤوس الأشهَاد، لإبرَاء ذمّته الفكريّة..!
يَقول الشّيخ "أجواد": يا "أحمد" يا بُني، لَيس هُناك مُترادفات في اللغة، فمَثلاً يَعتقد البَعض أنَّ كَلِمَة "اجلس" هي نَفس كَلِمَة "اقعد"، ولَكن التَّدقيق اللغوي يَقول: إنَّ كَلِمَة "اجلس" تُقال لمَن هو وَاقف، وكَلِمَة "اقعد" تُقال لمَن هو نَائم أو مُتّكئ..!
كَما أنَّ المُترادفات لَيست عَلى الإطلاق، فمَثلاً إذَا قُلنا: إنَّ مِن أسمَاء السّيف "الهندي"، فهَذا يَعني أنَّه مَصنوعٌ في الهند، وإذا قُلنا للسّيف "الحُسام"، فهَذا يَعني أنَّه يَحسم الأمر مِن أوّل ضَربة، وإذَا قُلنا للسّيف "الفيصل"، فهَذا يَعني أنَّه يَفصل الرَّأس عَن الجَسَد بضَربةٍ وَاحدة، وإذَا قُلنا للسّيف "البتّار"، فهَذا يَعني أنَّه يَبتر الشّيء ويَقتلعه مِن جذوره..!
ومَا يَنطبق عَلى السّيف -والكَلام للشّيخ "أجواد"- يَنطبق عَلى الأسَد وأخيهِ الحُصَان، فكُلِّ المُترادفات لَيست أسمَاء للسّيف، وإنَّما هي صِفَاتٌ لَه، يَكتسبها مِن بِيئته..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: هَذه المُداخَلة مِن الشّيخ "أجواد" هي التي أطمَح لَها، وهي التي تُفيد اللغة وتُثري الحوَار، وتُشبع النِّقاش، فالله الله يَا قَوم.. اقتدوا بشَيخنا "أجواد"، وحَاولوا أن تَتعاركوا مَعي وتَتعاكظوا؛ تَحت مَظلّة طَلَب المَعرفة، والبَحث عَن المَعلومة، واجعَلوا الله مِن ورَاء القَصد..!!!