أيّاً كان التَّجَمُّعُ، وفي أيِّ مجتمعٍ كان، فَهُوَ مُقْلِق، سواءٌ أكانَ غايةً أم وسيلةً، وكثيراً ما يقودُ إلى متاهات، مليئةٍ بالتقاطُعَاتِ، والتداخُلات، وهُوَ قبْل هذا وبعدَه "يؤججُ المشاعر، ويجتذبُ عقولَ الناشئة، ويُحَرِّكُ كل شيءٍ إلاّ العقل" وما تجمُّعُ طالباتِ جامعة تبوك، جرّاء ما أشيعَ عن حريقٍ، أو التماسٍ كهربائي، كما نشرتْ هذه الصحيفة (8 محرم 1434ه، الصفحة الأولى) إلا ظاهرةً كريهةً، ذاتِ شكلٍ اشمئزازي، وصورةً سلبيةً، تطرحُ أسئلةً: أينَ البرامجُ الفكريةُ النّيِّرةُ للطلبةِ والطالباتِ؟ وما البرامجُ التربويةُ، ذاتُ التأثيرِ الإيجابيِّ في سلوكياتِهِم، ومناهجِهِم، ورؤيتِهم للحياةِ، والمجتمع، والناس؟ أتساءلُ لا لأدينَ أحداً، ولكنْ لأنّ معظمَ التجمعاتِ مرتبطةٌ بالشر. ففي معظم الجامعات في العالم، تصرفُ أموالٌ طائلةٌ على برامجَ، تُهَذِّبُ النفوسَ والأخلاقَ، وترتقي بالمشاعرِ والأذواقِ، وضِمْنها ألا تكونَ التجمعاتُ "وسيلةً للمُتَاجَرَة، بكلِّ ما هُوَ رخيصٌ، بل لتوعيةِ النشءِ وتثقيفِه، ومخاطَبةِ العُقولِ، والنفسيات، وتهيئتِها لمواجهةِ الحياة، بِطُرُقٍ علميةٍ مدروسةٍ، ومنضبطةٍ، يقومُ عليها مُخْتَصُّون أكْفَاء"، فهل يوجدُ لدى الجامعاتِ السعودية شيء من هذا؟ أتساءلُ لأنّ معظم التجمعات "مربوطةٌ ربطاً قَسْرِيا، بِحِفْنَةٍ مِنْ الجَهَلة، وعدم المُبالِين، ومُرَوِّجِي السُّخف" وأبَرِّئ طلبةَ وطالباتِ جامعة تبوك مِنْ هذهِ التّهم، فَهُمْ قادرون على تقديمِ صُورٍ متناسقةٍ عنهُم، وهُمْ أولاً وأخيراً مواطنون ومواطنات، لهُمْ حقوقٌ وعليهم واجباتٌ، وثقافتُهم، ولغتهم "يشكلانِ العقليّةَ الجَمْعيّة، للنشءِ القادم". لقد وضحتْ الصورةُ منذُ الدقائقِ الأولى للتّجَمُّع، فِطِبقاً للمتحدثِ الرسميِّ لجامعة تبوك (د. نايف الجهني) تبيّنَ أنّ التجمُّع إِثْرِ "معلومة ٍخاطئةٍ، وشائعةٍ، دفعتْ الطالباتُ إلى التّجَمّع" ليس هذا فحسب، بل تحوّلَ التّجمُّعُ إلى "مطالبَ ليستْ ذاتَ صِلةٍ بالموضوع" إذاً القضيةُ ليستْ قضيةَ خَوْفٍ مِنْ دُخَان، أو حَرِيق، ولا مِنْ مَباِنٍ غيرِ مُكْتمِلَة، وغيرِ آمنةٍ، ولا سقوطِ أجزاءَ من أسقفِ مباني الجامعة وإنما تطور الأمر إلى: "وجود فئران في معامل الحاسب الآلي"!! مِنْ حقِّ الطلبةِ والطالباتِ المطالبةُ بحقوقِهم المشروعة، ولكنّ الأسلوبَ هو المُهِم، والطريقةُ هي المُهِمّة، فمعظم التجمُّعات في أيِّ مجتمعٍ بشريٍ كان، تتحوَّل في غمرةِ التّجمهر إلى نوع من الأذى، والخيالات السقيمة، وقديما قيل: "إنّ الطبائعَ السّيئة، تنجذبُ إلى السوءِ، والبغضاءِ، لا إلى المَحَبَّة، والخَيْر، والإحسان". أرجو ألا يشوّهَ الطلبةُ والطالبات، ثقافتَهَم المستقاةَ مِن محيطِهِم الاجتماعي، ومِنْ ثوابتهِم اليقينيّة، وأرجُو أن تعملَ الجامعاتُ على ترسيخ ثقافةِ الأخذِ والعطاء، وعدم التشبُّث بفرضِ الآراء، وأنْ تعمل على مَحَاوِر عِدّة منها: القنواتُ التي تعززُ علاقةَ الطلبةِ والطالبات بالجامعات، تزامناً مع اللحظةِ التي يوضعُ فيها حَجَرُ الأساس للجامعات، وإذ ذاك يمكنُ التخلِّي عن ثقافةِ التّجَمُّعات. [email protected]