كأنّ إقرار الكادر الصحي الجديد، الذي ساوى بشكل غير عادل بين التخصصات الطبية المختلفة، لم يكن كافياً، وكأنّ استمرار حرمان الأطباء السعوديين، من حقهم في العمل في القطاع الخاص، خارج أوقات دوامهم الرسمي، بما يضمن عدم الإخلال بمتطلبات عملهم الحكومي، كما نصّ الأمر الملكي (عام 1427 ه)، لم يكن كافياً أيضاً، بل زادت إحدى الإدارات الطبية الطِّين بِلّة- وَفْقَ ما يردده بعض الأطباء السعوديين- بقرار يلزم الاستشاريين منهم، بإثبات زياراتهم اليومية للمرضى المنوّمين، وتوقيع استمارة تُعرَضُ على مدير المستشفى، ليتأكد بنفسه من ذلك، بغض النظر عن أدائِهم المِهني، متوعِّدة بتوقيع «أقصى العقوبة»!! على مَنْ لا يفحص مرضاه في العيادات الخارجية بشكل سريع، أو الانتهاء بصورة عاجلة من إجراء العمليات الجراحية، قبل منتصف النهار، ويسارع بالتوقيع في «استمارة إثبات المرور على المرضى»، ليتجنب التوبيخ!! والتحقيق الداخلي!! والخصم من راتبه الشَّهري !!. إنْ صَحّ هذا القرار، فإداراتٌ من هذا النوْع، انتقدَتْهّا الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، وحذّرت من «انتشار التبلّد الإداري، وغياب الحسّ الحقوقي والإنساني، عند بعض القائمين على الأجهزة الحكومية، والمحسوبية، والوساطة، في تعيين بعض القيادات فيها، وتهميش بعض المديرين للمتميّزين من الموظفين، لأسباب غير موضوعية» (صحيفة الشرق، الثلاثاء 20 شعبان 1433 ه، الصفحة الأولى)، وآليّة إدارية كهذه، تُشَتِّت الانتباه عن مُشْكلات صحية مُسْتَعْصِية، وتطعن الأطباء في أماناتهم، وأخلاقيات مهنتهم، وتضيّق الخِنَاق على الكفاءات المتميزة منهم، ولن تضمن - في رأيي - إتقان العمل، ولا التزام الأطباء غير الملتزمين بمسؤولياتهم، بل ستزيد من حالتي : الإحباط والاحتقان الوظيفي، وتُكرِّس سوء التقدير، والتميزالوظيفي، وهي سياسة إدارية تستهدف الأطباء المِهنيين والمتميّزين، وتتجاوز الأطباء الإداريين. وهذا القرار المُسْتَفِز، لم يتضمن تخصصات غير سريرية، كالأشعّة، وعِلْم الأمراض، لكنّ التخبّط الإداري، يتميّز بضيق الأُفق، وارتجال قرارات لا تصبُّ في تنظيم العمل وتطوير الأداء، بل تتسبب في إحراج بعض الإداريين لأنفسهم، والإساءة إلى فئة الأطباء، الذين من المفترض أن يُعامَلُوا بمهنية واحترام، ولا يجوز معاقبتهم جميعا بقرارات مُهينة، حتى في ظُلْمِها، لا تعرف معنى العدل !!. هذا القرار يُعَدُّ من وجْهة نظري، بمثابة « ثالثة الأثافي» وهو- لِمَنْ لا يعرفُه- «مَثَلٌ عربي يُضْرَب للذي يُعِينُ عليك عدوّك. ومعنى قولهم: رماهُ الله بثالثةِ الأثافي: أيْ رماه بالشّرِّ كُلِّه». حمى الله الجميع من « ثالثة الأثافي». أختِمُ برأي للكاتب المعروف (صالح الشيحي): «فَشِلْنَا في إدارة المستشفيات الصحية، لأنّنا وضعْنَا طبيب العِظَام، وطبيب الأطفال، والجرّاح، على كرسي الإدارة، دون تأهيلهم، أو إخضاعهم للتدريب» (صحيفة الوطن، 23 شعبان 1433ه، الصفحة الأخيرة). [email protected]