تعاونية جامعة الملك سعود تعقد إجتماع عموميتها الأثنين القادم    طلب إفلاس كل 6 ساعات عبر ناجز    استقرار معدلات التضخم عند 2% بدول الخليج    3 أيام لمعالجة عوائق التصدير    زيارة ترمب للمملكة.. تعميق للشراكة الاستراتيجية وتعزيز للتعاون الاقتصادي    النصر يمزّق شباك الأخدود بتسعة أهداف في دوري روشن للمحترفين    مجلس الوزراء يتطلع أن تسهم زيارة الرئيس الأميركي في تعزيز التعاون والشراكة بين البلدين    "الشريك الأدبي" في جازان: حوار مفتوح بين الكلمة والمكان    النفط يرتفع لأعلى مستوى في أسبوعين    سمو ولي العهد يستقبل لاعب المنتخب السعودي لألعاب القوى البارالمبية عبدالرحمن القرشي بمناسبة تحقيقه ذهبية دورة الألعاب البارالمبية في باريس    الشؤون الدينية تطلق خطتها التشغيلية لموسم الحج    الهلال يستمر في مطاردة الاتحاد بالفوز على العروبة    حماية مسارات الهجرة بمحمية الملك    الرصاص يتحول إلى ذهب    العلاقة بين أدوية إنقاص الوزن والصحة النفسية    وزير الاتصالات يجتمع مع كبير مستشاري البيت الأبيض للذكاء الاصطناعي    أنشيلوتي يرحل عن ريال مدريد ويتولى تدريب منتخب البرازيل    3 نجوم على رادار الهلال في كأس العالم للأندية    التحالف الإسلامي يدشن مبادرة لتعزيز قدرات فلسطين في محاربة تمويل الإرهاب وغسل الأموال    محافظ الطائف يستقبل الفائزين من جامعة الطائف بمعرض جنيف العلمي الدولي    مجلس الوزراء: نتطلع أن تعزز زيارة الرئيس ترمب التعاون والشراكة    تفعيل اليوم العالمي للتمريض بمركز القلب بالقصيم    "لازوردي" تحقق 12% نموا في الإيرادات التشغيلية خلال ربع 2025 الأول    ٦٠ مراقبا ومراقبه في ورشة عمل مشتركة بين الأمانة وهيئة الغذاء    المطلقة غير صالحة للزواج    حفل ختام وحدة الثقافة والفنون بكلية الآداب في جامعة الإمام عبدالرحمن    أمير تبوك يستقبل مدير إدارة الكهرباء بالمنطقة    محافظ الطائف يكرّم الجهات المشاركة في برامج وفعاليات أسبوع المرور    "مبادرة طريق مكة".. تأصيل للمفهوم الحقيقي لخدمة ضيوف الرحمن    الصندوق الكشفي العالمي يثمّن تمديد دعم المملكة لمبادرة "رسل السلام"    أمانة الشرقية تكثف الاجتماعات مع البلديات لتحقيق الاستدامة المالية وتحسين جودة الحياة    ورشة "قرح الفراش" ترفع الوعي وتعزّز جودة الرعاية في منازل مستفيدي القصيم الصحي    جدة تشهد بطولتي العالم للبلياردو والماسترز للسنوكر يوليو وأغسطس 2025    وداعًا يا أمير التنمية والإزدهار    "الأرصاد": أمطار غزيرة ورياح شديدة على منطقة الباحة    إنقاذ مريضة تسعينية من بتر الطرف السفلي    الجيش الهندي يعلن عن "أول ليلة هادئة" في كشمير    استشهاد 16 فلسطينيًا    حاجة ماليزية تعبر عن سعادتها بالقدوم لأداء فريضة الحج    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة ينهي تحضيراته ل "آيسف 2025"    انطلق بمشاركة 100 كادر عربي وأوربي.. أمين الرياض: «منتدى المدن» يعزز جودة الحياة ويقدم حلولاً مشتركة للتحديات    عبدالعزيز بن سعود يرعى حفل تخريج 1935 طالبًا من كلية الملك فهد الأمنية    عودة «عصابة حمادة وتوتو» بعد 43 عامًا    أمريكية وابنها يحصلان على الماجستير في اليوم نفسه    الهروب إلى الخيال..    "اعتدال" و"تليجرام" يزيلان 16 مليون مادة متطرفة في 3 أشهر    بعد 50 عامًا في المدار… سقوط مركبة سوفيتية فاشلة    أسرة الجهني تحتفي بزواج عمّار    91 % نسبة رضا المستفيدين عن أداء الموظفين بديوان المظالم    بتنظيم من وزارة الشؤون الإسلامية.. اختتام تصفيات أكبر مسابقة قرآنية دولية في البلقان    40 مليون عملية إلكترونية لمنصة "أبشر" في أبريل 2025    غزة بين نار الميدان وجمود التفاوض.. إسرائيل تحشد وتلوّح بحرب طويلة الأمد    في الجولة 33 بدوري يلو.. 9 مواجهات في توقيت واحد.. النجمة للصعود رسمياً ل"روشن".. والعين لتجنب الهبوط    ضبط مخالف أشعل النار في أراضي الغطاء النباتي    المملكة تواصل ريادتها الطبية والإنسانية    نادي القادسية يتوّج بكأس وزارة الرياضة لكرة الماء    أمير منطقة تبوك يرعى بعد غد حفل تخريج متدربي ومتدربات المنشات التدريبية    تخريج الدفعة ال 19 من طلاب جامعة تبوك الأربعاء المقبل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دمشق.. إذ تحمل الراية
يبقى مُرجحاً أن أي منطقٍ نطرحهُ هنا سيحتاج إلى شهادة تاريخٍ قادمٍ في نهاية المطاف
نشر في المدينة يوم 24 - 06 - 2012

"لولا دمشقُ لما كانت طُليطلةٌ ولا زَهت ببني العباس بَغدانُ".
لو قال هذا شاعرٌ من دمشق لكانت شهادتهُ مجروحةً بالتأكيد. لكن مصداقيةً عالية تكمن في معاني الكلمات ودلالاتها حين نتذكر أن من قالها هو أمير الشعراء أحمد شوقي، من مصر المحروسة حفظها الله من كل سوء.
لايعرف أحدٌ مثل ثوار دمشق فضل أقرانهم من أبطال حوران وحمص والساحل وحماة وإدلب ودير الزور والقامشلي وحلب والحسكة والسويداء. لايجادلون في مقامات العطاء والتضحية والفداء والصبر والعزيمة والإصرار الذي أظهره أولئك الأبطال على مدى خمسة عشر شهراً من عمر الثورة. .
لكن هذا لايتضارب مع حقيقةٍ أخرى تتمثل في أن شرارةً أساسيةً من شرارات الثورة انطلقت من قلب دمشق التجاري في منطقة (الحريقة) مبكراً بتاريخ 17 شباط/فبراير عام 2011. حصل هذا الحدث الاستراتيجي الذي كان بدايةً أولى لكسر حاجز الخوف حين خرج قرابة 1500 شخص من المواطنين والتجار بعد أن اعتدى رجال الشرطة في المنطقة على أحد المواطنين، وكان ذروة التعبير وقتّها عن الاحتجاج على سرقات رجال الأمن .
لهذا، بدأت المظاهرة أولاً بهتاف "حراميّة.. حراميّة". ثم جاءت لحظةٌ نادرة من لحظات التحول التاريخية التي يحسبها الكثيرون صغيرةً، لكنّ تأثيرها حساسٌ جداً في رسم مصائر الشعوب، وذلك حين تجرأ مواطنٌ لأول مرة في تاريخ دمشق المعاصر وهتف قائلاً "الشعب السوري مابينذلّ"، ليلتقط الآخرون الرسالة ويُصبح الهتاف المذكور جماعياً، ثم ينقلبَ بعد ذلك ليصير أيقونةً رمزية ورصاصةً معنويةً أساسية في قلب النظام يُكررها الثوار حتى الآن.
ثمة سجلٌ مكتوبٌ وموثّقٌ للمظاهرات التي خرجت مبكراً مع بدايات الثورة . وثمة سجلٌ آخر مكتوبٌ وموثّق لفعاليات الحراك السلمي الأخرى المتنوعة والمُبدعة، والتي بدأت أيضاً في مرحلةٍ مبكرة. لكن طرح هذه القضايا بالتفصيل سيأتي في وقته.
رغم هذا، يمكن القول أن كل تلك النشاطات كانت بمثابة عمليات تحضير وتدريب وتجربة وتحفيز وتنظيم، كان من المحتّم أن تأخذ وقتها الطبيعي في خضمّ وضعٍ أمني خانقٍ فَرَضهُ النظام على العاصمة منذ اللحظة الأولى لاندلاع الثورة ولايزال. ومن المهمّ جداً التأكيدُ هنا، وبصراحة، على أن القائمين على تلك النشاطات كانوا أقليةً في المجتمع الدمشقي لأسباب اجتماعية واقتصادية معروفة، إضافةً للظروف الأمنية البالغة الصعوبة.
لكنّ الحسّاس في الموضوع أن مثل هذه التحولات التاريخية لاتبدأ، في ظرفٍ له خصوصية الثورة السورية، بمشاركة شرائح عدديةٍ كُبرى، كما كان الحال في مصر التي لم تسمح تركيبة نظامها السياسي والعسكري بممارسة القتل الجماعي الواسع منذ اللحظة الأولى. وإنما تنطلق بمبادرة شريحةٍ متميزةٍ جداً على المستوى النوعي.
تمثلت هذه الشريحة في دمشق بشباب الطبقة الوسطى العريقة اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً وحضارياً. ورغم الإرث الثقيل الذي خلّفتهُ عقود الظلام السابقة على جيل الشباب بشكلٍ عام، كانت هذه الشريحة تحديداً مُشبعةً بإرثٍ حضاري وثقافي عريقٍ وأقوى ظلّ بمثابة المكوّن الأساسي للشخصية، وأصبح الحاملَ الذي يُطلق كل هذا الكمون الذي رأيناه عندما حانت اللحظة التاريخية المناسبة. إضافةً إلى هذا، مكّنت الوفرة الاقتصادية الجيدة أصحاب هذه الشريحة من امتلاك قدرةٍ متقدمة على المعرفة بتقنيات العصر وأدواته ولغته الجديدة، خاصةً في مجالات الإدارة والتنظيم وتكنولوجيا المعلومات.
وهكذا، اجتمعت للشريحة التي نتحدثُ عنها جميع الظروف الموضوعية التي مكّنتها من أن تُصبح تدريجياً نقطة ارتكازٍ أساسية لانقلاب دمشق على النظام تدريجياً.
لابدّ، بطبيعة الحال، أن نضع هذا التحليل في سياق عملية توزيع الأدوار التي حصلت بين ثوار سورية على المستويين الجغرافي والزماني، لندرك كيف تطورت الأمور من خلال تلك العملية لنصل إلى هذه المرحلة، حيث تستلم دمشق، الآن وفي الوقت المناسب، راية الثورة السورية.
من السخافة بمكانٍ طبعاً الادعاءُ بأن هذه العملية تعني التقليل من أهمية الدور الذي ستقوم به المناطق الأخرى في سوريا. بل الأمر على العكس من ذلك تماماً. لأن من الطبيعي سياسياً أن تكون الضربة القاضية للنظام في العاصمة، لكن هذا لايمكن أن يحدث في معزلٍ عن إنهاك مرتكزاته وقدراته الأمنية والعسكرية والاقتصادية، فضلاً عن تحطيم معنوياته نفسياً، من خلال دفعه إلى تشتيتها إلى أقصى حدٍ ممكن جغرافياً.
ثمة تعليقات كثيرة ستُقال عن هذا المقال.
سيُشفق البعض مثلاً من إمكانية (المبالغة) في الكلام، وسيخشى آخرون من مظنةٍ (شوفينيةٍ) فيه. أما البعض الثالث فقد يخاف من إيحاءاتٍ (مناطقية) تحذَرُ الثورة من ترسيخها بأي درجةٍ من الدرجات. والحقيقة أن التحليل المطروح أعلاه يستند إلى كثيرٍ من الوقائع والمعلومات والمعطيات، سواء كان الأمر يتعلق بما جرى منها، أو بما سيجري في قادم الأيام.
رغم هذا، يبقى مُرجحاً أن أي منطقٍ نطرحهُ هنا سيحتاج إلى شهادة تاريخٍ قادمٍ في نهاية المطاف.
من هنا، نترك الأمر لذلك التاريخ، وقبل هذا، لفهمٍ شموليٍ مُتكامل نعتقد أن الثورة أوجدتهُ لدى شرائح واسعة من أبناء المجتمع السوري.
وقد ينفع في هذا الإطار أن نعود مرةً أخرى إلى إشاراتٍ استطاع أمير الشعراء أن يلتقطهاعن دمشق منذ قرنٍ من الزمان، بنظرته التاريخية الثاقبة، علّها تساعد البعض فيدركوا دلالاتها بعد كل هذا التاريخ:
"وللحرية الحمراء بابٌ بكل يدٍ مُضرّجةٍ يُدقُّ. جزاكُم ذو الجلالِ بني دمشقٍ وعزُّ الشرقِ أوّلهُ دمشقُ".
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.