باريس المدينة التي فتنت إمام البعثة المصرية في القرن (19) الميلادي الأزهري الشيخ رفاعة الطهطاوي فكتب «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»، والمدينة التي قال عنها المبدع الروائي السعودي عبدالرحمن المنيف: «كل المدن تتمكيج إلا باريس»، هذه المدينة ما زالت إلى يومنا هذا رغم كبر عمرها في قمة أناقتها وفتنتها وسالبة للب بنضارتها وحيويتها. تحتفي باريس هذا العام بمرور (160) عامًا علي إعادة تخطيطها على يد المهندس هوسمان بطلب من لويس نابليون الثالث وهي كما كانت، باقية مدينة الأناقة والعطور والثقافة والفكر. عمقها الثقافي في كل مكان في الحي اللاتيني والأوبرا والكونكورد والفاندوم واللوفر وفي ميادينها وقصورها وحدائقها وبرجها الشهير ومقاهيها. دعاني الصديق الدكتور عبدالله الخطيب الملحق الثقافي السعودي إلى مطعم في الحي اللاتيني العقل الحي لباريس قائلًا: «أعرف عشقك للتاريخ لذا سآخذك إلي عمقه» وفي مطعم بُني في عام (1668)م أي قبل أربعة قرون، على مدخله قبعة أصلية لنابليون بونابرت، وفي دور علوي طاولة شاعر فرنسا العظيم فولتير، وفي زاوية أخرى طاولة مفكر الثورة الفرنسية جان جاك روسو التي كتب عليها «العقد الاجتماعي»، والمطعم لا يزال فاخرًا في جلساته وطعامه وخدمته وكأنه بني بالأمس. باريس مدينة جعلت رمزيتها في المزج بين التقليد والمعاصرة ففي الوقت الذي تنتج مصانعها طائرات الميراج وسيارات البيجو والرينو تبدع عقولها في إثراء الفكر الإنساني بأزهى إبداعاته وذلك ما دفع الطهطاوي ليكتب في إعجاب: «أُنس الفرنساوية وسائر العامة، يقرأون ويكتبون وكل إنسان عنده خزنة كتب». باريس ليست الشانزليزيه فقط، الذي تحفي فيه أقدام سائحينا، بل العمق الثقافي والمتراكم عبر العصور والمُشاهد في كل مكان فيها بما فيه عقول مفكريها وذهنيات سياسييها. فديجول أحد أعظم سياسيي فرنسا والغرب، يقول للسيدة أم كلثوم بعد طلتها الإبداعية في أوبرا باريس: «بصوتكِ لامستِ قلبي وقلب كل الفرنسيين»، وفولتير يقول في أحد إبداعاته ملامسًا الشعور الإنساني الرفيع: «لا يعرف الفرح من لم يذق عمق الألم». باريس مدينة تجبرك على عشقها برضاك.