نجاح عملية دقيقة "بمستشفى المانع بالخبر" تُنهي معاناة سيدة من كسر وعدوى مزمنة في عظمة الفخذ    أمير الشرقية يهنئ أبناء الوطن بتحقيق 23 جائزة في "آيسف 2025"    برنامج التحول الوطني يطلق تقرير إنجازاته حتى نهاية عام 2024    صحة جازان تنفذ معرضًا توعويًا شاملًا في صامطة دعمًا لمبادرة "حج بصحة" والأيام الصحية العالمية    كوكب أورانوس يصل إلى الاقتران الشمسي اليوم    تشكيل لجنة للابتكار والإبداع وإدارة المعرفة بديوان المظالم    أمير تبوك يرعى حفل جائزة سموه للتفوق العلمي والتميز في عامها ال 38 الأربعاء القادم    مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة"من كوت ديفوار    اعتدال: أكثر من 1.2 مليون رابطٍ للتحايل على آليات رصد المحتوى المتطرّف    جائزة الشارقة للاتصال الحكومي تحول القوة الناعمة إلى ميدان ابتكار وتنافس عالمي    منتدى حائل للاستثمار 2025.. انطلاقة تنموية يقودها حزمة مبادرات لتغيير المشهد الاقتصادي للمنطقة    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 125 شهيدًا    الأهلي يُعلن بقاء يايسله لنهاية عقده    الهيئة السعودية للمياه تُعفي بعض المخالفين من الغرامات المالية    الإحصاء تنشر إحصاءات النقل الجوي 2024    من أعلام جازان.. الشيخ علي بن ناشب بن يحيى شراحيلي    "الأرصاد" تحذر من تدنٍ في مدى الرؤية بمعظم مناطق المملكة    صحفيو مكة المكرمة يبحثون الدراسات الإعلامية بالحج    "سدايا":11 مطاراً ضمن مبادرة "طريق مكة    "قمة بغداد" ترفض تهجير سكان غزة.. الجبير: رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتعافي والتنمية    "الداخلية" تحذر من حملات الحج الوهمية    تستهدف طلاب المرحلتين الابتدائية والمتوسطة .. التعليم: اختبارات «نافس» في 8 مدارس سعودية بالخارج    ترحيل 11.7 ألف مخالف وإحالة 17 ألفًا لبعثاتهم الدبلوماسية    سمو ولي العهد يعزي رئيس جمهورية الأوروغواي الشرقية في وفاة رئيس الجمهورية الأسبق    ترمب.. الأمريكي المختلف!    ترمب يؤكد التواصل مع الرئيسين لوقف الحرب.. الكرملين يربط لقاء بوتين وزيلينسكي بالتوصل لاتفاقيات    حراك شعبي متصاعد واحتجاجات في عدة مدن.. سحب الثقة من حكومة الوحدة يضع ليبيا في مفترق طرق    "قمة بغداد" ترفض تهجير سكان غزة.. الجبير: رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتعافي والتنمية    "تقنيات الجيوماتكس" تعزز السياحة في السعودية    25 موهوبًا سعوديًا يتدربون في فنون المسرح بلندن    انطلاق "عرض سلافا الثلجي" في الرياض    في ختام الجولة 32 من دوري روشن.. الأهلي يقسو على الخلود.. والأخدود على شفا الهبوط    تدشين خدمة الزائرين وضيوف الرحمن بالذكاء الاصطناعي    إطلاق النسخة التجريبية الأكبر لمشروع الذكاء الاصطناعي بالمسجد النبوي    الألماني يايسله يعلن رحيله عن الأهلي    حصر الحراسات الأمنية في 8 أنشطة على وقت العمل    وصول التوأم الملتصق الفلبيني إلى الرياض    لأول مرة.. تشخيص الزهايمر بفحص عينة من الدم    «تنمية شقراء» تُكرّم داعمي البرامج والمشروعات    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الفوز على الخلود    قوة المملكة وعودة سورية    المملكة تجدد رفض تهجير الفلسطينيين والاعتداءات الإسرائيلية على سورية    انفجار قنبلة بالقرب من مركز للصحة الإنجابية في كاليفورنيا ومقتل شخص    أباتشي الهلال تحتفل باللقب أمام الاتحاد    أخضر الصالات يتجاوز الكويت ودياً    بالاس يقهر السيتي ويتوج بلقبه الأول    تأكيد ضرورة توحيد الجهود للتغلب على التحديات في المنطقة العربية وإرساء السلام    تضارب في النصر بشأن مصير رونالدو    "شؤون المسجد النبوي" تدشّن "المساعد الذكي الإثرائي"    فرع الشؤون الإسلامية بالشرقية يعلن جاهزيته لتنفيذ خطة الحج    مستشفى الملك فهد الجامعي يطلق أربع خدمات صيدلية    440 مليار ريال استثمارات مدن    فهد بن سعد ومسيرة عطاء    قلب الاستثمار.. حين تحدث محمد بن سلمان وأنصتت أميركا    قمة بغداد: تنديد بالحرب والحصار في غزة وعباس يدعو لنزع سلاح حماس    إغلاق وضم مدارس بالمجاردة    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج الدفعة ال 19 من طلاب وطالبات جامعة تبوك    نائب أمير منطقة تبوك يشهد حفل تخريج متدربي ومتدربات التقني بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فهد الخليوي: جيلنا تكالبت على إقصائه فئة مستبدة من ذوي الفكر الأحادي المتشدد!
نشر في المدينة يوم 15 - 02 - 2012

تمامًا كما هطول المطر.. وكما نهوض الكلمات.. غداة الجدب.. وكما تساوي النهايات وجرح المدن المسافرة في دمه.. تشم رائحة أصدقائه واحدًا واحدًا في ملامح وجه الذي اتخذ كل واحد منهم مكانًا في حجرات قلبه. وينسل بهم إلى عقل محدثه دون ضجيج.. يرسم الطريق أغنيات، ويفتح النوافذ للعصافير سفر فوق سفر.. هكذا هو القاص الإنسان فهد الخليوي حينما يتحدث عن الحياة والحب والفرح والحزن.. لحرفه ضوء، ولكلماته أجنحة تحلق في الفضاء الأبعد، تأخذنا إلى زمن بهي مليء بالأشجار الباسقات المناع، الثبيتي، سباعي عثمان، سعد الثوعي وغيرهم من الأسماء الجميلة.. في ثنايا هذا الحوار ثمة حنين لماضٍ.. ورؤية لمستقبل، ومواقف تخرج ذاكرة القاص فهد الخليوي..
بيئة منغلقة
* أحياء الشرفية والمظلوم والقريات وبداية الطفولة وصباحات البحر الحالمة وملامح الوجوه الطيبة.. كانت تمثل لوحة جدة القديمة الآسرة والبدايات البكر في وجدان فهد الخليوي.. فماذا بقى في الذاكرة من هذه التفاصيل؟
تظل الذاكرة محتفظة بتوثيق تفاصيل المكان ودهشته وما يتصل في ذلك المكان من أحلام وانكسارات وطموحات إنسانية. حارة "الشرفية" كانت المحطة الأولى التي شهدت بداية الشباب المبكر بعد هجرتي طفلًا من شتاء "القصيم" البارد إلى صيف مدينة دافئة، صهرت بسحرها وبحرها مجتمعات متنافرة غير متجانسة بيئيًا وفكريًا إلى مجتمع متحضر يتطلع للحرية والانفتاح عبر شواطئ العالم.. كان بحر جدة بأمواجه الصاخبة هو الكتاب الأول الذي قرأته بإمعان وحب وحرضني على التمرد ضد بيئة اجتماعية صحراوية جافة في غاية التشدد والانغلاق! دعني أعود بك إلى تلك الغرفة التي تغطي جدرانها أرفف خشبية مليئة بالكتب المختلفة، وبشتى المعارف والإبداعات معظمها ابتعته من مكتبة "مدبولي"عندما كنت أسافر كثيرًا للقاهرة. تلك الغرفة لازالت هي مكتبتي التي ترافقني من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان، كان للغرفة نافذة تطل على الشارع. عزلت الغرفة عن بقية المنزل، وألغيت النافذة ووضعت مكانها بابًا على الشارع، واستقطعت مساحة صغيرة من صالة المنزل كدورة مياه، وبوفيه لصنع الشاي. أخذت أدعو أصدقاء الحرف لزيارة غرفتي، أو بالأصح لمكتبتي؛ حيث كنا نقيم حفلات للقراءة تتخللها نقاشات أدبية وفكرية صاخبة مع احتفائنا حفاوة بالغة بكل كتاب جديد يصدر هنا أو هناك. أذكر من أولئك الأصدقاء الذين لازال صخبهم الرائع يرن في ذاكرتي، الراحل الصحفي ذو النزعة "الصوفية"، عبدالله سعيد الغامدي، الذي أهداني عدة كتب ثرية منها مجلد "الوجود والعدم" لجان بول سارتر، وكتاب عن حياة "الحلاج". وكذلك الراحل ذو الميول "القومية"، القاص المبدع سباعي عثمان، الذي دارت بيني وبينه نقاشات حادة حول إشكالية الغموض في الأدب، بعد اتهامه لبعض نصوصي القصصية بالضبابية وصعوبة الفهم، وكان ينشر تعقيباتي الحادة بصدر رحب في ملحق جريدة المدينة الأدبي الذي كان يشرف عليه. كما أذكر المبدع الصحفي "الفوضوي" محمد عبدالواحد، والراحل الصحفي والشاعر الشعبي "البوهيمي" سعد الثوعي، وكذلك الراحل القاص عبدالله بامحرز، الذي كان يصنف"البير كامو" على أنه المخلص الحقيقي والمنظر المثقف للفلسفة "الوجودية" وقد أهداني رواية كامو، القصيرة جدًا "الغريب" التي قرأتها عشرات المرات ولا زالت تتألق في مكتبتي كأعظم رواية كتبت في القرن العشرين.. كثيرون من أصدقائي الأحياء منهم والأموات التقوا في تلك الغرفة المنزوعة من مساحة ضيقة لبيت شعبي بسيط.. أحياء الشرفية، والمظلوم، والقريات، أمكنة أليفة تصطخب بشريط ذاكرتي وتنبض بأحاسيسي وعمق وجداني.. ضجيجها.. رائحتها.. دكاكينها.. أغانيها.. عوالمها الطيبة.. كلها مزجت في هواء روحي عطر الحياة والجمال والإبداع. في هذه الأحياء الإنسانية تعرفت وتعايشت مع أسماء مضيئة أثرت بعطائها المشرق سماء الثقافة والأدب.
تكالب على الإقصاء
* كيف كان جيلكم يصل إلى الكتاب رغم ضيق الهامش المعرفي في ذلك الوقت؟
جيلي لم يكن لديه كما هو -الآن- وسائل تكنولوجية متقدمة يستطيع من خلالها الحصول بسهولة على المعلومة والمادة المعرفية. لم يكن لدينا في ذلك الزمن "إنترنت" ولا "فيس بوك" ولا بريد الكتروني، لو كانت لدينا هذه التكنولوجيا العظيمة في ذلك الزمن المحاصر لكان واقعنا تغير نحو الأفضل والأجمل. كان وصول الكتاب إلينا في غاية الصعوبة، وكنا نتداول قراءة الكتاب الجديد فيما بيننا حتى تتهرأ أوراقه. جيلي بكل أطيافه الفكرية والثقافية والإبداعية حمل مع ما سبقه من رموز ريادية تاريخية قناديل المعرفة ومشاعل التنوير، وتكالبت على إقصائه فئة مستبدة من ذوي الفكر الأحادي المتشدد!
في مركاز صابر
* المركاز كان أهم ملامح الحارة الحجازية.. فما هو أهم مركاز جمع أهل الثقافة والأدب والفن.. وهل تتذكر لنا بعض الأسماء الثقافية والفنية التي كنت تشاهدهم في عالمك الصغير؟
كنت أنا والصديق القاص عبدالله باخشوين، الذي عرفته مبكرًا نسير على أقدامنا من حي "القريات" متجاوزين شارع الميناء الرئيسي باتجاه الأطراف الغربية لحارة "الهنداوية" كي نصل ل"مركاز" الصديق المثقف محمد عمر صابر، كان خلف "المركاز" غرفة جانبية فسيحة تزدحم بداخلها كتب فكرية وثقافية وأدبية هامة، استعرنا من ناشر الثقافة، محمد عمر صابر، -كما كنا نسميه- الكثير من تلك الكتب التي ساهمت في تأسيس ثقافتنا وتشكيل رؤيتنا للحياة والأدب والفن. كان ذلك "المركاز" بمثابة الصالون الثقافي في الهواء الطلق المفعم برائحة البحر ورطوبته الندية، وقد جمع العديد من المثقفين والفنانين أذكر منهم: عبدالقادر شريم، ومحمد الحوباني، وعبدالله السقاف، وفوزي محسون، وعمر كدرس، وغيرهم ممن كنت أشاهدهم على فترات متقطعة. كانت تدور على الكراسي الخشبية المتهالكة في ذلك "المركاز" العظيم حوارات ونقاشات وخصومات صاخبة، يشعلها أكثر أستاذنا "محمد صابر" عندما يتحدث عن الفرق في الرؤيا الكونية بين "العقاد" و"ماركس"، ولا نهدأ أو نلوذ بالصمت والإنصات إلا بحضور رائد الأغنية الحجازية "فوزي محسون" الذي رحل ولم يكتب حرفًا واحدا عن تجربة حياته الفنية المدهشة.. كنا ننصت لصوته "الشجي" وهو يدندن عبر عوده الحلبي:
صحيح ليلي ظهر
لك يا شبيه القمر
نصوص متواضعة
رحلة أدبية
* لننتقل إلى رحلتك الأدبية.. متى بدأت تكتب النص الأدبي الشعري والقصصي.؟
كتبت نصوصًا شعرية متواضعة على فترات متباعدة زمنيًا، ولكن حبي لكتابة القصة بحجمها القصير والقصير جدًّا جرني لمتعة السرد وفضائه الواسع.
* ماذا عن أول كتاب وقع بين يدك، ومن مؤلفه، وما هو الأثر الذي تركه في حياتك الأدبية المبكرة؟
الكتب التي وقعت بين يدي كثيرة؛ وكل كتاب قرأته من تلك الكتب يدفعني لقراءة ما يليه من كتاب جديد، أما حجم التأثر بالنسبة لي فيختلف من كتاب لآخر.
بداية النشر
* متى نشرت أول نص أدبي وأين وما اسمه؟
كنت في البداية أنشر محاولات قصصية لا أحسبها ترقى لمسمى نصوص، أعتبر أن النص الأدبي الأول الذي كتبته هو قصة قصيرة بعنوان "عن قرية هجرتها شاحنات القمح" نشرت في مجلة "الديار" اللبنانية التي تصدر في بيروت عام 1976م، نشرها لي رائد الصحافة الثقافية العربية الأستاذ فاروق البقيلي رحمه الله في الصفحة الأخيرة من المجلة.
مناخ مزدهر
* كيف تصف المناخ العام للصحافة الثقافية في الحجاز.. وما هي الصفحات والملاحق الأدبية التي كانت تعنى بنشر الأدب في تلك الفترة.. ومن تتذكر من الأسماء التي كانت تشرف على هذه الملاحق والصفحات الثقافية في ذلك الزمن؟
كانت الصحافة الثقافية في مرحلة السبعينيات تصطخب بكل جديد ومختلف عمّا كان سائدًا من جمود وركود في الساحة المحلية. لم يكن المناخ الثقافي المزدهر في تلك المرحلة محصورًا في منطقة عن أخرى. كانت الملاحق الثقافية التي تصدر عن الصحف المحلية في عموم الوطن تجمعها هموم ثقافية وأدبية مشتركة، كملحق "دنيا الأدب" الذي كان يصدر عن جريدة "المدينة" وكان يشرف عليه سباعي عثمان رحمه الله. وملحق جريدة "البلاد" وهو عبارة عن مجلة أدبية أسبوعية منفصلة عن الجريدة وكان يشرف على تحريرها المرحوم عبدالله الجفري، وملحق الثقافة في مجلة "اليمامة" الذي كان يشرف عليه علوي طه الصافي، وملحق "الأدب" في جريدة الرياض الذي كان يشرف عليه عبدالله الماجد، وملحق جريدة اليوم "المربد" الذي كان يصدر بإشراف الشاعر على الدميني، وملحق جريدة "الجزيرة"، وملحق الثقافة في مجلة "اقرأ" الذي كان يشرف عليه عبدالله باخشوين، وعندما ترك المجلة تعاقبت على تحريره عدة أسماء إلى أن كلفني الدكتور عبدالله مناع بالإشراف على الملحق، وأصدر لي بطاقة صحفية مسمى الوظيفة "محرر الشؤون الثقافية" يعود تاريخ إصدارها لعام 1397ه، ولا زلت أحتفظ بهذه البطاقة إلى حد الآن.
مع كوكبة اقرأ
* كيف انضممت إلى مجلة "اقرأ".. ومن هم الذين رافقوك في عصر المجلة الذهبي؟
انضممت لمجلة "اقرأ" منذ أسسها الدكتور الأديب عبدالله مناع، كنت أكتب مقالات ثقافية ثم محررًا للصفحات الثقافية، وأذكر من الأسماء الذين كانوا يشكلون فريق "اقرأ" في عصرها الذهبي، عمر يحيى، وعبدالله سعيد الغامدي، وأحمد اليوسف، وجارالله الحميد، وعبد الواحد الحميد، ومحمد عبدالستار، ومحمد الفايدي، وسالم مريشيد، وعابد الحربي، وسمير ندا، ومخرج المجلة محمد مهداوي. كانت المجلة تصدر من حي "المظلوم" في عمارة باخشب وتتكون من غرفتين، غرفة لرئيس التحرير، وغرفة للإدارة وللمحررين.
أسماء لامعة
* إبان عملك في "اقرأ" كان لك دور في بروز أسماء أصبح لها شأن في الثقافة والأدب.. فمن تذكر منهم؟
مرت أسماء ثقافية وأدبية لامعة كثيرة مثل: محمد الثبيتي، وعبدالله باهيثم، وعبدالمحسن يوسف وغيرهم.
ثمن الجرأة
* ماذا كنت تطرح في "منحنى الوداع" بمجلة "اقرأ"؟
"منحنى الوداع" كما تعلم كان عنوان الصفحة الأخيرة في المجلة، وكان يتناوب على كتابته نخبة من كتاب الصحافة والأدب، وقد دفعت ثمن جرأتي من خلال مقال كتبته في "المنحنى"، استدعى سفري من جدة، إلى الرياض بطلب من وزارة الإعلام بغرض التحقيق، ومكثت هناك أكثر من أسبوع كان ذلك في عام 1978م.
الثبيتي.. نبوغ مبكر
* كيف تعرفت على محمد الثبيتي.. وماذا عن رحلة العشق للفن والإبداع بينكما؟
محمد الثبيتي، صديق حميم، بدأت صداقتي معه حين أرسل لي أول نص شعري ينشر له في الصحافة الأدبية عام 1978م، وكان عنوان النص "التحرر قليلًا من أغلال الخليل" نشرت له ذلك النص في ثقافة "اقرأ" إبان الجدل المحتدم في ذلك الوقت بين الشعر التناظري وقصيدة "التفعيلة" في الساحة الأدبية المحلية والعربية. لمست عند قراءتي لنص الثبيتي الأول، بأن ساحتنا الإبداعية المحلية موعودة بقدوم شاعر كبير ومهم، وشعرت أن محمد الثبيتي من خلال ذلك النص قد أعلن عن تحرره مبكرًا من أسر "القافية" كي ينطلق نحو آفاق شعرية أكثر رحابة وحداثة، وقد عبر عن رأيه حول الشعر الحر في ديوانه الأول "عاشقة الزمن الوردي" إذ قال: "الشعر الحر أصبح واقعًا عملاقًا وعلامة بارزة في شعرنا العربي؛ بل أصبح الينبوع الأعذب والتيار الأقوى على مواكبة واقعنا الحضاري وحياتنا المعاصر".. كانت بداية الثبيتي بداية قوية رسمت طريقه إلى تخوم الشعر الحقيقي، وعبّرت عن شاعر موهوب بالفطرة يمتلك روحًا متجددة ومتمردة على الأساليب التعبيرية التقليدية، ولا يجد المتابع لشعر الثبيتي بعد نضج تجربته، تلك الحمولات المؤدلجة بالشعارات المرحلية التي اصطخبت في تاريخنا العربي على مدى عقود من الزمن، فهو لم يطبل لأحد ولم يسترزق من أحد، بل ظل يكتب شعرًا مفعما بالإبداع والجمال والرؤية الإنسانية العظيمة حتى رحيله. توطدت صداقتي بأبي يوسف وازدادت عمقًا مع مرور الزمن، وكان يزورني كثيرًا في بيتي بجدة ونجتمع كثيرًا ومعنا بعض الأصدقاء من الصحفيين والأدباء والفنانين، ونطلب منه الاستماع لبعض قصائده التي يلقيها على مسامعنا عبر صوته العذب. كان آخر لقاء جمعني معه قبل مرضه عندما سافرنا معًا للمشاركة في الأيام الثقافية السعودية في اليمن وقد تألق وأبدع هناك.
البوهيمي العذب
* وماذا بقي في الذاكرة عن الفنان عبدالله باهيثم ؟
عبدالله باهيثم مبدع حقيقي، عشق الحياة ببراءة طفل وجنون فنان مرهف الحس، أرهقته الحياة بمسالكها الوعرة وأشكالها الدميمة، ولم يحتمل صدماتها العنيفة ورحل وهو في ريعان شبابه، كتب شعرًا فاتنًا عبّر عن "ذات" قلقة لإنسان يبحث عن الجمال والنور في غابة موحشة، كتب من خلال "خندقه" الذي كان ينشره في جريدة "الرياض" مقالات صحفية جريئة ملتصقة بهموم الناس وقضاياهم المزمنة. تعرفت عليه عن طريق صديقه الحميم محمد الثبيتي، الذي كان يصفه ب"البوهيمي العذب"! ضمتني مع باهيثم لقاءات كثيرة مع أصدقاء كثر، معظم تلك اللقاءات كانت في بيت الكريم الشاعر عبدالهادي الشهري صديق الفنانين والمبدعين الذي كان يحتضن آلة العود ويعزف بمهارة لما يطلبه الحاضرون من أغاني فيروز، وأم كلثوم، وعبدالحليم حافظ، وطلال مداح، وفوزي محسون. في ذلك الوقت تركت المجلة لظروف خاصة ونجحت بإقناع عبدالله باهيثم بالإشراف على الصفحات الثقافية وعرضت الموضوع على الدكتور عبدالله مناع وأبدى موافقته بحماس ودون تردد.
مواهب متعددة
* كيف التقيت بعبدالعزيز مشري.. وما هي أبرز ملامح هذه القامة الإبداعية الكبيرة؟
عرفت عبدالعزيز مشري عن قرب صديقًا وفيًا، ومبدعًا كبيرًا في مجال السرد وفنونه. بدأت صداقتي معه منذ أكثر من ثلاثين عامًا، كان يراسلني من الدمام ويبعث لي بعض نصوصه القصصية لنشرها في صفحات مجلة (اقرأ) الثقافية، ولا زلت احتفظ برسالة له يعود تاريخها إلى عام 1397ه. وعندما استقر في مدينة جدة تعمقت صداقتنا، كنت أزوره كثيرًا في منزله في المنطقة الصناعية شمال جدة، ويستقبلني في مكتبته التي هي نفسها غرفة نومه، وهي غرفة نظيفة وأنيقة، تكتظ بمئات الكتب المرتبة فوق أرفف بيضاء، وفي ركن الغرفة طاولة عليها أوعية محابر وفرشاة رسم، وبجوارها آلة عود وزهور موضوعة في أواني صغيرة، وقد أهداني لوحة من أعماله التشكيلية، وذات مرة استعرت من مكتبته رواية محمد شكري "الخبز الحافي" وهي نسخة خاصة مهداة بتوقيع محمد شكري إليه، وكنت حريصًا على قراءتها بأسرع وقت ممكن وإعادتها؛ لكن عبدالعزيز مشري، رحل عن دنيانا إلى جوار ربه قبل أن أعيد إليه الرواية.
رواية في الطريق
* آثرت العزلة بعد خروجك من "اقرأ" لفترة ليست بالقصيرة ثم ظهرت عبر مجموعتيك القصصيتين "رياح وأجراس"، و"مساء مختلف".. ألم يحن الوقت لظهور رواية لك؟
لدي مخطوطة لرواية لم تكتمل فصولها سأصدرها متى ما توفرت قناعتي بذلك.
روايات جيدة
* كيف تنظر لهذا الكم الهائل من الروايات.. أهو استسهال من البعض بفن الرواية؟
باعتقادي أن الكم الروائي الذي أغرق الساحة الأدبية المحلية في السنوات الأخيرة أدى لظهور روايات جيدة وإن كانت قليلة جدًّا.
الفنون لا تنتهي
* البعض يرى أن الشعر فقد بريقه وأننا نعيش الآن زمن الرواية.. فما قولك؟
أختلف تمامًا مع هذا الرأي، "زمن الرواية" لا يلغي أو يقصي أطياف الفنون الأدبية الأخرى. يظل الشعر نهرًا خالدًا لا يجف إلا إذا تبلدت وجفت مشاعر الإنسان، وتظل الرواية هرمًا إبداعيًّا متعدد الفضاءات، ووعاءً يتسع لطرح الكثير من القضايا الإنسانية المعاصر..
إقصاء وإهمال
* برأيك هل أخذ الأديب وهو حي بين ظهرانينا حقه من التكريم والاعتناء والاهتمام به؟
ما يدعو للاستغراب والشعور بالألم هو أن الأديب في بلادنا يعيش فصول حياته منسيًا يحاصره العوز والتهميش والنكران، وعندما يرحل إلى جوار ربه تذرف عليه الدموع، وتقام له حفلات التأبين، وتنهمر حزنًا على فقده المقالات وقصائد الرثاء!! عايشت أدباء رحلوا عن دنيانا، أضاءوا ساحتنا الأدبية أثناء حياتهم بعطائهم المميز وإبداعاتهم المدهشة ولم يحصدوا للأسف من مؤسساتنا الثقافية والاجتماعية عدا الإقصاء والإهمال!!
حجب مستحيل
* هل أنت راض عن مسار الثقافة اليوم؟
أصبح للثقافة في ظل ثورة الاتصالات الحديثة مسارين المسار؛ الأول يعبر عن وجهة النظر الرسمية ويخدم مصالحها العليا، أما المسار الثاني فهو ذلك الفضاء الحر الذي يلجأ إليه المثقف للتعبير عن رأيه بكل حرية، لم يعد بالإمكان انتقاء ما نريد ولا حجب ما لا نريد. الفضاء الإلكتروني أحال العالم إلي قرية وتجمعات عولمية متلاصقة ومترابطة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.