المعرض السعودي للإضاءة والصوت SLS Expo 2024 يقود التحول في مستقبل الضوء الاحترافي والصوت    الشرطة تفرق اعتصاما مؤيدا للفلسطينيين في معهد الدراسات السياسية بباريس    أرتيتا يلمح لإمكانية مشاركة تيمبر مع أرسنال أمام بورنموث    الأمن العام يعلن بدء تنفيذ التعليمات المنظمة للحج بحصول المقيمين الراغبين في دخول العاصمة المقدسة على تصريح    التايكوندو السعودي يحقق أفضل اتحاد عربي    «البيئة»: 30 يومًا على انتهاء مهلة ترقيم الإبل.. العقوبات والغرامات تنتظر غير الملتزمين    تعديلات على اللائحة التنفيذية لضريبة التصرفات العقارية    رسالة من فيرمينو قبل لقاء الهلال    يايلسه غاضب بسبب موعد كلاسيكو الأهلي والهلال    موعد مباراة الاتحاد وأبها اليوم في الدوري السعودي    مسؤولون دوليون يحذرون: اجتياح رفح «مذبحة»    الفوزان: : الحوار الزوجي يعزز التواصل الإيجابي والتقارب الأسري    رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء    جامعة الإمام عبدالرحمن تستضيف المؤتمر الوطني لكليات الحاسب بالجامعات السعودية.. الأربعاء    اختبار جاهزية الاستجابة لأسلحة التدمير الشامل.. في التمرين السعودي - الأمريكي المشترك    الصحة العالمية: الربو يتسبب في وفاة 455 ألف إنسان    سحب لقب "معالي" من "الخونة" و"الفاسدين"    إشعار المراسم الملكية بحالات سحب الأوسمة    تحويل حليب الإبل إلى لبن وإنتاج زبد يستوقف زوار مهرجان الألبان والأغذية بالخرج    الذهب يتجه للانخفاض للأسبوع الثاني    أمطار متوسطة إلى غزيرة على معظم مناطق المملكة    "ريمونتادا" مثيرة تمنح الرياض التعادل مع الفتح    المملكة: صعدنا هموم الدول الإسلامية للأمم المتحدة    "جوجل" تدعم منتجاتها بمفاتيح المرور    " عرب نيوز" تحصد 3 جوائز للتميز    "تقويم التعليم"تعتمد 45 مؤسسة وبرنامجًا أكاديمياً    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    شراكة بين "البحر الأحمر" ونيوم لتسهيل حركة السياح    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية    فصول ما فيها أحد!    أحدهما انضم للقاعدة والآخر ارتكب أفعالاً مجرمة.. القتل لإرهابيين خانا الوطن    سعودية من «التلعثم» إلى الأفضل في مسابقة آبل العالمية    وزير الطاقة: 14 مليار دولار حجم الاستثمارات بين السعودية وأوزبكستان    «الاحتفال الاستفزازي»    وفيات وجلطات وتلف أدمغة.. لعنة لقاح «أسترازينيكا» تهزّ العالم !    ب 3 خطوات تقضي على النمل في المنزل    انطلاق ميدياثون الحج والعمرة بمكتبة الملك فهد الوطنية    الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    الخريجي يشارك في الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية للدورة 15 لمؤتمر القمة الإسلامي    لجنة شورية تجتمع مع عضو و رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الألماني    136 محطة تسجل هطول الأمطار في 11 منطقة بالمملكة    شَرَف المتسترين في خطر !    مقتل 48 شخصاً إثر انهيار طريق سريع في جنوب الصين    تشيلسي يهزم توتنهام ليقلص آماله بالتأهل لدوري الأبطال    كيفية «حلب» الحبيب !    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية ويشهد تخريج الدفعة (103)    قصة القضاء والقدر    تعددت الأوساط والرقص واحد    كيف تصبح مفكراً في سبع دقائق؟    من المريض إلى المراجع    أمير جازان يطلق إشارة صيد سمك الحريد بجزيرة فرسان    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    مركز «911» يتلقى (2.635.361) اتصالاً خلال شهر أبريل من عام 2024    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ    مباحثات سعودية فرنسية لتوطين التقنيات الدفاعية    للتعريف بالمعيار الوطني للتطوع المدرسي بتعليم عسير    ما أصبر هؤلاء    هكذا تكون التربية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفيصل: الجميع مسؤول عن تأصيل الاعتدال فكرًا.. والتصدي لمحاولات اختطاف المجتمع يمينًا أو يسارًا

أكد صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة أن الجميع مسؤول عن تأصيل الاعتدال فكرًا، وعلمًا، وعملًا، ومنهجًا والتصدي لمحاولات اختطاف المجتمع يمينًا أو يسارًا عن هذا الوسط العدل الذي جاء به ديننا الإسلامي الحنيف وقامت عليه الدولة السعودية منذ تأسيسها. جاء ذلك خلال المحاضرة التي ألقاها سموه في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة يوم أمس بحضور صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن ماجد أمير منطقة المدينة المنورة وعدد من المثقفين والأدباء والطلاب وهذا نص الكلمة التي ألقاها سموه:
الحمد لله.. والصلاة والسلام على رسول الله
أصحاب السمو والفضيلة.. والمعالي والسعادة..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
يسعدني أن أستهل حديثي إلى جمعكم الكريم، بالشكر والتقدير لهذه المنارة العلمية السامقة، ولكل القائمين عليها، وعلى رأسهم معالي الشيخ الدكتور محمد بن علي العقلا مدير الجامعة، على تهيئة هذا اللقاء المبارك، ولا غرو فقد أصبحت جامعتكم ملء السمع والبصر، منبرًا مستنيرًا يتصدى بالحق للجهل والجهالة. والشكر موصول إلى جمهور الحاضرين الكرام، على تفضلهم بتلبية الدعوة وإثراء اللقاء. الحضور الكريم..
منذ أكثر من عامين، التقيت بهيئة التدريس والطلبة في جامعة الملك عبد العزيز، على موضوع»منهج الاعتدال السعودي»الذي يعني المواءمة والموازنة بين التمسك بأهداب الدين والقيم الإسلامية من جهة، والاستفادة - على الجانب الآخر -من المكتسبات الحضارية العالمية، بضوابط تلك القيم.
ثم تشرفت باستحداث كرسي بحثي في الجامعة، لتأصيل هذا المنهج: سياسيًا واقتصاديًا، وتاريخيًا، واجتماعيًا، وثقافيًا، وتنفيذ برنامج توعوي لنشر ثقافة الاعتدال في المجتمع عامة، وبين فئات الشباب خاصة.
واليوم يسعدني أن أكون مع هذا الجمع المبارك، لنواصل ونتواصل على ضوء ما أسفر عنه اللقاء السابق، وما تبعه من وقائع لتفعيل الهدف، والمستجدات المحلية والإقليمية والعالمية، التي لا تزال تؤكد سلامة هذا المنهج، ودوره في حماية بلادنا العزيزة، وتحقيق أمنها ورخائها ومنعتها.
وبطبيعة الحال، فإن وقوفي بينكم معاشر العلماء والباحثين، ليس ادعاء مني بالعلم، وإنما ينطلق من شعور المواطن الغيور على وطنه، وإحساس المسؤول عن ثغر من ثغوره.
وما أحوج الإنسان المسلم إلى كل رأي سديد وفكر رشيد، يضيف إلى ما وقر في علمه أو يصوبه، لأن أحدا لا يمكن أن يحتكر الحقيقة وحده، و«الحكمة ضالة المؤمن» كما جاء في الحديث الشريف.
ولو أسعفني الوقت، ما وفرت فرصة في طول البلاد وعرضها، إلا واصلت مسعاي في هذه المهمة الجليلة، استشعارا بأننا جميعًا مسؤولون عن تأصيل «الاعتدال»: فكرًا، وعلمًا، وعملًا، ومنهجًا، والتصدي لمحاولات اختطاف المجتمع يمينًا أو يسارًا عن هذا الوسط العدل، الذي جاء به ديننا الإسلامي الحنيف، وقامت عليه الدولة السعودية منذ تأسيسها الأول.
الأخوة الأفاضل...
لقد طرحتُ مصطلح «منهج الاعتدال السعودي» وأنا أعنيه تمامًا، فهو منهج لأنه ثابت، وهو اعتدال بمعنى التزام العدل الأقوم، والحق الوسط بين الغلو والتنطع، وبين التفريط والتقصير، وهو التفسير العملي لقوله -جل وعلا - «وكذلك جعلناكم أمة وسطًا، لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدًا...»، حيث فسر الرسول صلى الله عليه وسلم الوسط هنا بالعدل.
ووصفتُ الاعتدال بالسعودي، لأن المملكة العربية السعودية قد (انفردت) على الساحة الإسلامية، ببناء دولتها على شرع الله وحده في الكتاب والسنة.
فالإسلام - كما هو معلوم - خاتم الرسالات السماوية، قد جاء وسطًا عدلًا بين كل طرفين خارجين عليه: فهو وسط بين الانجراف في المادية، وبين الاستغراق في الروحانية، وهو وسط بين من ألّه الأنبياء، وبين من كذبهم وقتلهم، وبين من يسيد العقل مطلقًا وحده، ومن يعطلونه تعلقا بالوهم والخرافة.
والإسلام ينكر الرهبنة، ويستنكر المغالاة حتى في العبادة، كما جاء في رد الرسول صلى الله عليه وسلم على من يصلي فلا ينام، ومن يصوم ولا يفطر، ومن لا يتزوج النساء، حيث قال: «... أما أنا فأصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني«.
وإذا كان هناك من يدعو المجتمع المسلم إلى الجمود والقعود والانسحاب من العصر، فإن هناك فريقًا آخر لا يقل خطرًا على هذا المجتمع، يحمل لافتات: كسر القيود، والخروج على المألوف، والحرية المطلقة، ويركب موجة الانسلاخ عن قيم الإسلام، ويعتمد نقل النموذج الغربي، دون سبر جوهره وفلسفته، وهذا التيار هو أداة غزوة منظمة من المتربصين بالإسلام والوطن، تشجع هذا الخروج وتروج له، وتبالغ في تكريم أصحابه والدعاية لهم، وبهذه المغريات تستقطَب الفراشات الساعية إلى حتفها نحو شعاع حارق !.
وهذا الفريق يحذو حذو الدعوة القديمة في الغرب، لفصل الدين عن الدولة، التي صاحبت الثورة الصناعية، وكانت - بزعمهم - سببا في النجاح الذي حققه، ومن ثم (ينصحوننا) أن نأخذ بتجربته حزمة متكاملة، دون النظر إلى خصوصيتنا.
ولا شك أن كل هذه الادعاءات - كما تعرفون - باطلة:
أولًا: لأن الإسلام دين ودنيا، لم يقتصر على تنظيم العلاقة بين الإنسان وبين خالقه فحسب، بل نظم أيضًا كل التفاصيل في حياته، وأسس لعلاقة الفرد بالفرد، وعلاقته بالجماعة، على نحو لا يشوبه خلل أو قصور، فلماذا نستورد أفكار الغير، ولدينا معين لا ينضب من الفكر الشامل الراسخ والمعصوم؟!
ثانيًا: لأن إنكار خصوصية هذه البلاد، باطل وعار عن الحقيقة تمامًا، فهي بلد الحرمين الشريفين، ومهبط الوحي بآخر الرسالات، وبلسانها العربي نزل آخر الكتب السماوية، ومنها بُعث خاتم الأنبياء والرسل عربيًا، وقد شرفنا المولى -جل وعلا - بجوار بيته العتيق، ومسجد رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وبخدمة ضيوفه من الحجاج والمعتمرين والزوار، لذلك فإن هذه البلاد وإنسانها، على رأس المكلفين بتبليغ الرسالة ونشر الدعوة، وتقديم المثل والقدوة للإسلام: مواطنًا ودولة، فالخصوصية هنا تشريف وتكليف معًا.
وبرأيي أنه في خضم الأحداث الراهنة في الوطن العربي، والنتائج الأولية التي تشير إلى التوجه الإسلامي في الكثير من بلدانه، ما يؤكد أن الثورات العربية الحالية، تختلف عن الثورات الأوروبية في العصور الوسطى، حيث قامت الثورات هناك ضد الكنيسة، بينما تقوم هنا الآن لصالح المسجد.
وهذا يحتم تقديم «منهج الاعتدال السعودي» نموذجا ناجحًا للدولة الإسلامية، المتمسكة بالقيم الإسلامية، والمنفتحة على المكتسبات العلمية والحضارية للعصر، فيما لا يتعارض مع جوهر الإسلام وقيمه.
وتبرز مسؤولية المملكة - قيادة وشعبًا - في مواصلة نجاح النموذج وتطويره، عبر مشروع الإصلاح والتطوير الذي يقوده خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في كل المجالات: السياسية، والاقتصادية، والعدلية، والإدارية، والعلمية، والثقافية، وغيرها، ليظل الأنموذج الأمثل، الذي يمكن البناء عليه من قبل الباحثين عن نظام إسلامي معاصر، ولعل هذه هي أهم خصوصيات المملكة العربية السعودية.
ثالثًا: ليس في الإسلام ما يدعو إلى التخلف، فهو الدين القائم على جناحي استخلاف الإنسان على الأرض: عبادة الله وحده - جل وعلا -، والعمل على تطوير الحياة وترقيتها، ونستطيع أن نقدم التجربة السعودية، تطبيقا حيًا لهذه النظرية الإسلامية، لندلل على أن التخلف لا دخل للدين فيه، وأنه محض صناعة بشرية، فالإسلام ليس دين تخلف وقعود، وإنما هو دافع قوي للتقدم والتطور، وإذا كان من تقصير فليتحمل المقصرون وحدهم وزره، وليجتهدوا لإصلاحه، ولا يجيرون مشكلتهم الذاتية طعنًا في الدين.
رابعًا: أن العصر الإسلامي المزدهر، قد قدم أول نظام عولمي إيجابي، وحد البشر في دولة عظمى، ينعم فيها الجميع بالخير والعدل، بينما عولمة اليوم قد تحمل بعض النفع، لكنها لا تخلو من أثر سلبي في بعض تطبيقاتها.
خامسًا: أن الأفكار لا تنقل كالأحجار، ولا تُفرض فرضًا خارج مواطنها، دون احترام للقيم والخصوصيات المتباينة، لأن المنتج الفكري لا يخضع للمقاييس نفسها التي تطبق على المنتج المادي.
سادسًا: أن قيم الغرب التي يتغنى بها هؤلاء من عدل ومساواة وحرية وما إلى ذلك، قد جاء بها الإسلام قبل أربعة عشر قرنًا فهي ليست اختراعا غربيًا أو شرقيًا.
لذا فلا بد من تعليق الجرس، لكلا الفريقين الخارجين عن القيم الوسطية في الإسلام: الغالين في الدين، والداعين للانسلاخ عن قيمه، للعودة إلى الطريق القويم، قادة لحركة المجتمع، وسفراء له في العالم، ينافحون عنه ضد الناقمين علينا نعمتي الأمن والرخاء.
الأخوة الأكارم...
وقارئ التاريخ يدرك أن الدولة السعودية، منذ «الحركة الإصلاحية التجديدية» التي قامت مراحلها الأولى بقيادة الإمام محمد بن سعود، والشيخ محمد بن عبد الوهاب، قد اعتمدت منهج الاعتدال السعودي الذي يدل عليه توصيف الحركة في المصطلح التاريخي، ولم تحد عنه طوال مسيرتها.
وعلى هذا الأساس، انطلق الملك عبد العزيز - بعد التوحيد - إلى تنمية البلاد، وتطوير المجتمع البسيط آنذاك، إلى مجتمع عصري متحضر، فبنى الهجر، وحفر الآبار ليساعدهم على الزراعة والتوطن والاستقرار، وأرسل المعلمين والقضاة والدعاة، يعلمونهم القراءة والكتابة وأمور الدين، وبعدها افتتح المدارس لتعليم منتظم، ثم أقام هيكل الإدارة، وأدخل الآلة: السيارة والطائرة والقطار والبرقيات والراديو.
وحين عارض أصحاب الفكر المتطرف هذا التحديث بدعوى التحريم! ما كان من الملك المؤسس إلا أن نظم حلقات نقاش في طول البلاد لدراسة الاعتراض، أسفرت عن الانتصار لما فعل، لكن الرافضين شرعوا في وجهه السلاح، فواجههم بالمثل وانتصر عليهم، وفرض التحديث فرضا، على أساس منهج الاعتدال السعودي.
ثم إنه حين رأى في الحرم المكي منابر متعددة، وكلا يصلي وراء إمامه حسب مذهبه، وحدها في منبر واحد، وعين شيخًا مصريًا شافعيًا إمامًا للحرم المكي!
وقبل قيام جامعة الدول العربية بسنوات، كان الملك عبد العزيز قد أسس مجلسًا استشاريا ضم نخبة من المفكرين العرب إلى جانب السعوديين، ليتواصل بذلك منهج الاعتدال السعودي، فلا تعصب ولا تشدد، ولا بأس أن نستفيد من كل فكر لا يخالف شريعتنا.
لكن الفكر الرافض لم يهادن، ولا هادنته الدولة أبدًا، ففي عهد الملك سعود - يرحمه الله- بدأ فتح المدارس للبنات، رغم اعتراض البعض، الذين هم اليوم أول من يطالب بإلحاح لتعليم بناتهم، ولم يوقف الاعتراض المسيرة.
فقد تصدى الملك فيصل -يرحمه الله- وبقوة لاعتراض الرافضين، وواصل فتح مدارس البنات، وحماية الطالبات من اعتراض طريقهن وتهديدهن، كما أدخل التلفزيون رغم اعتراض البعض أيضًا.
وكان المد الشيوعي في أوجه، قد غطى معظم الساحة العربية، وجرت محاولات نقله إلينا، لكن المملكة هي الوحيدة التي صمدت أمام الهجمة، وتمسكت بدينها الحنيف، بكل إصرار وعزم وثبات، رغم الحملات الإعلامية الشرسة، التي تصاعدت إلى الحرب المسلحة، وانتصر فيصل على تطرف الداخل والخارج، ومضى إلى حركة تطوير شامل، باستكمال إنشاء المؤسسات الحكومية والاجتماعية وتنظيم البنوك، وتحرير الرق، فيما عرف حينذاك بالنقاط العشر التي طرحها الملك فيصل لتنظيم الحكم.
ولم يستكن التطرف، بل عاد لمحاولاته في عصر الملك خالد -يرحمه الله- بحركة جهيمان، التي هددت الطفرة الاقتصادية والتنموية، التي عاشتها المملكة آنذاك، ومرة أخرى ينتصر منهج الاعتدال السعودي، فيقضى على المجموعة التي احتلت الحرم، ومنعت الصلاة فيه لعدة أسابيع.
وعاودت جذور الفكر الكامنة انطلاقها مجددًا في عهد الملك فهد -يرحمه الله- ولكن بتناغم عجيب بين تيارين: المتطرفين التكفيريين في الداخل، وصدام حسين بفكره المتطرف الإلحادي، الذي غزا الكويت وهدد دول الخليج على أساسه، وهذا التحالف يؤكد أن التطرف الذي يتزين بعباءة الدين الإسلامي ليس منه في شيء، وإنما هي أطماع سياسية تسعى للاستيلاء على السلطة، تبنتها كل الحركات المبثوثة في الوطن العربي والشرق الأوسط، وأساءت لنا أيما إساءة لدى العالم أجمع.
ومرة أخرى ينتصر منهج الاعتدال السعودي، بإصرار الملك فهد على الوقوف بحزم في وجه الغزو الخارجي، والتيارات المتطرفة الداخلية، حتى تحررت الكويت من عدوان الفكر الإلحادي، واضطر الكثير من قيادات التطرف في الداخل، أن يعلنوا عودتهم إلى الاعتدال وتخليهم عن قناعاتهم السابقة.
ثم جاء عهد الملك عبد الله الزاخر بالخير والتغيير من أجل التطوير، على منهج الاعتدال السعودي، وهو يؤكد هذا المنهج بقوله:
«إننا نرحب بعولمة التجارة وبعولمة الاستثمار، ولكننا نرفض عولمة الفكر الفاسد، ونرفض عولمة الانحراف الذي يختفي تحت أسماء براقة، وهذا لا يعني الجمود في الحركة فصدورنا وبيوتنا مفتوحة لكل جديد مفيد، ولكنها موصدة في وجه الرياح التي تحاول زعزعة معتقداتنا، وخلخلة مجتمعاتنا فمنهجنا يستمد قوته من وسطية الإسلام، التي نتخذ بها موقفًا معتدلًا من القديم والجديد».
ومع ذلك عاد التطرف الداخلي أشد عنفًا: تكفيريًا تفجيريًا، يجند شبابنا ويلوث عقولهم، ليفجروا أنفسهم بين إخوانهم المسلمين والمقيمين في ذمتنا، ويهددون المجتمع ويحطمون مكتسباتهم الحضارية.
ومرة أخرى ينتصر منهج الاعتدال السعودي، وتتفوق المواجهات الأمنية الاستباقية على هؤلاء، ويفتح باب المناصحة والكفالة للعائدين منهم عن غيهم لأنهم في النهاية أبناء الوطن المغرر بهم.
ولم يكن مستغربا مع ثورة الاتصالات والمواصلات وانفتاح العالم على بعضه البعض، أن يظهر لدينا -على الجانب الآخر- ذلك التيار المتطرف المستورد، المتأثر بثقافة الغرب، كردة فعل للتيار الأول التكفيري، وكلا التيارين لا يفتأ يحاول خطف منهج الاعتدال السعودي.
لكن المملكة رغم هذه التحديات قد استطاعت، بعون الله تعالى، ثم بحنكة وعزيمة قادتها، وإرادة شعبها، الانتصار على التطرف في جانبيه، والتغلب على كل التحديات بمنهجها المعتدل، الذي حول تلك التحديات إلى فرص إيجابية، وحضور سياسي قوي، واقتصاد مميز على الساحة الدولية.
لقد تقدم نظامنا في المملكة بما يفوق كثيرًا ما حققته الأنظمة التي ابتعدت عن الدين، وتلك التي جمدت على حالها وتقوقعت في بيات طويل، وأثبتت المملكة أن النظام الإسلامي هو الأكثر صمودًا أمام زلزال الاقتصاد العالمي,
وغدت المملكة العربية السعودية من أفضل دول العالم تطورا، لا بسبب البترول كما قد يعتقد البعض، لأن غيرنا لديه البترول والمياه والزراعة وتاريخ سابق في الحضارة، ولكنه لم يرق إلى درجة بلادنا، وحقيقة الأمر أن ما وصلت إليه المملكة، كان نتاج فكر ومنهج وقيم وحنكة القيادة وتجاوب المواطن وجهده.
وقد فصل خادم الحرمين الشريفين في هذه المسألة بقوله « نحن لدينا أهم من البترول: ديننا الإسلام، والكعبة المشرفة، فالعرب لم تقم لهم قائمة إلا بالإسلام، وهو ثروتنا الحقيقية».
وفي الوقت الذي تتهدد العالم توابع الزلزال الاقتصادي وتهتز حكومات الغرب بسببه، وتضج جنبات وطننا العربي بزلازل الثورات التي تراق فيها الدماء، وتدمر المكتسبات، فإننا - ولله الحمد والمنة - ننعم بالأمن والرخاء، وبالتحالف الفريد بين المواطن وقيادته التي تبادر دائمًا بتلبية حاجاته وتوفير العيش الحر الكريم له.
ولننظر إلى ما تحقق لنا من تطور حضاري في كل مجالات الحياة حتى انتقلنا بأمان من حال القبائل المتفرقة، إلى بلد متحضر يتربع على قدم المساواة مع أكثر الدول تقدمًا في قمة العشرين.
جاهد الآباء والأجداد واجتهدوا من أجل ذلك ونحن اليوم مطالبون بمواصلة مسيرة الخير على ذات النهج وهي أمانة في عنقنا للجيل الحاضر وأجيال المستقبل.
الأخوة الأفاضل...
في ختام حديثي معكم عن «منهج الاعتدال السعودي»، اسمحوا لي أن أوجز أهم تطبيقاته، ورؤيتي لحمايته.
أولًا: في السياسة الخارجية:
اتسمت سياسة المملكة منذ أنشأ الملك عبد العزيز وزارة الخارجية، وحتى يومنا هذا، بالثبات على منهج واحد عنوانه»الاعتدال»، ومن أهم الدلالات على ذلك:
1- أن المملكة لا تسمحُ لأحد بالتدخل في شؤونها الداخلية، وفي المقابل تلتزم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير.
2- استطاعت قيادة المملكة -منذ تأسيسها- تجنيب البلاد ويلات الحرب والمغامرات غير المحسوبة، التي أقدم عليها غيرها من دول المنطقة، على حساب مشروعها التنموي، بل وعلى حساب سيادتها الوطنية.
3- شاركت المملكة في تأسيس هيئة الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، وكان لها الدور الريادي في قيام مجلس التعاون الخليجي، وهي عضو في عديد الهيئات والمنظمات العربية والإقليمية والدولية، وقد توجت مؤخرًا عضوًا في «نادي دول قمة العشرين» العالمية.
4- تتبوأ المملكة موقعًا عالميًا مميزًا، وتؤدي دورًا هامًا في نصرة القضايا الإنسانية العادلة، كما أنها بذلت مساعيها للتوسط بين الفرقاء العرب والمسلمين، تكللت غالبيتها بالنجاح، وقد اكتسبت مصداقيتها في محيطها العربي والإسلامي ببقائها على مسافة واحدة من كل أقطاره.
5- باعتبارها حجر الزاوية في سوق النفط العالمية، انطلقت المملكة في سياستها من رفض الاحتكار، ووازنت دائمًا بين مصلحة المنتج وحاجة المستهلك.
6- كانت المملكة - ولا تزال - رائدة الدعوة إلى الحوار والتسامح والسلام، بدأته محليًا بمركز الحوار الوطني، الذي أسهم في نبذ التطرف ومقاومة الإرهاب، ثم تبعته بتنظيم حوار موسع بين علماء الطوائف في البلاد الإسلامية، ومؤخرًا تم تأسيس «مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات» في العاصمة النمساوية، ليؤدي المهمة على النطاق الإنساني كله.
7- استطاعت المملكة العربية السعودية - منفردة - بفضل منهج الاعتدال، أن تثبت أمام كل التيارات الإلحادية اللا دينية، التي اجتاحت المنطقة العربية، منذ مطلع النصف الثاني من القرن الماضي، ولا تزال تطل برأسها حتى يومنا الحاضر، وظلت المملكة - وحدها على الساحة - قابضة على الكتاب والسنة، بمنهج الاعتدال فيهما، رغم ما كلفها ذلك من اتهامات باطلة، ونعوت استفزازية، ومؤامرات دنيئة - من القاصي والداني - منذ نشأتها وإلى يومنا هذا.
ثانيًا: في السياسة الداخلية:
بتوحيد البلاد، استطاعت قيادة المملكة العربية السعودية، أن تحقق أنجح وحدة عربية في التاريخ الحديث، وأن تحافظ على ديمومتها واستقرارها، من خلال عدة أمور أهمها:
1- تحقيق العدل: بتطبيق الشريعة الإسلامية في جميع محاكمها، وإخضاع كل أنظمتها لمقتضى الشرع الحنيف، ويشهد القضاء في الوقت الراهن مشروعًا ضخمًا يتبناه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير أدائه.
2- نشر الأمن: بتأمين جميع وسائله وأسبابه للمواطن والمقيم، وللوافدين من ضيوف الرحمن الذين كانوا يعانون شتى أنواع المخاطر قبل قيام الدولة السعودية.
ثم إن المملكة واجهت التطرف والإرهاب - في الداخل والخارج - بكل الحزم، انطلاقًا من موقفها الثابت الذي أعلنه صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، في اجتماع لجنة متابعة تنفيذ الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب في تونس عام 2000م، حين قال: « إننا نأتي في طليعة الأمم والشعوب التي تنبذ العنف والإرهاب بكافة أشكاله وأنواعه، وندعو إلى التسامح والإخاء والمحبة، انطلاقًا من مبادئنا الإسلامية التي تحرم ترويع الآمنين وسفك دماء الأبرياء، والتعدي على الحقوق والممتلكات، وانتهاك الأعراض والحريات».
3- نشر المعرفة: بتوفير كافة وسائلها وآلياتها، من خلال افتتاح المدارس والجامعات، وابتعاث ما يزيد عن مائة ألف من أبنائها وبناتها إلى أرقى جامعات العالم لكل التخصصات، في أضخم مشروع تعليمي يشهده وطننا العربي في العصر الحديث. كما شهدت البلاد تطورًا هامًا في الكم والكيف بميدان الإعلام، والأندية والمؤسسات الثقافية، التي أصبحت منارات تشع العلم والمعرفة في كل أرجاء البلاد.
4- تمكين المرأة وتعظيم دورها كشريك فاعل في تنمية بلادها، والوصول بها إلى المجالس البلدية ومجلس الشورى، طبقًا للضوابط الشرعية.
5- التوسع في نظام الانتخاب للمجالس البلدية، والأندية الأدبية، والغرف التجارية، وغيرها.
6- التنمية الشاملة والمستدامة: من خلال خطط خمسية بدأت العام 1391ه، ومخططات إقليمية طويلة الأمد أعدت حديثًا لكل منطقة.
وتستهدف كل هذه الخطط تطوير شتى المرافق والخدمات الأخرى: الاقتصادية، والصحية، والاجتماعية وغيرها، في واحدة من التجارب التنموية الاستثنائية العالمية، من حيث حجم الثمرة، وزمن النضج والقطاف. وعليها يقوم مشروع طموح يقفز عبره خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - يحفظه الله- بالبلاد إلى مصاف العالم المتقدم، في حمى قيم الاعتدال الإسلامي الذي انتهجته البلاد منذ تأسيسها.
ثالثًا وأخيرًا: فيما يتعلقُ برؤيتي لحماية هذا المنهج:
فإنني أعتقد - ولعلكم توافقونني- بأن كل هذه النجاحات التي حققتها المملكة العربية السعودية «بمنهج الاعتدال السعودي» والمكانة السامقة التي تبوأتها عالميًا بكل التقدير والاحترام، أهلتها لتكون التجربة الأنموذج المعاصرة لنجاح النظام الإسلامي، كيف لا وهي الدولة الوحيدة في العالم التي ربطت دستورها بالكتاب والسنة، وتخضع كل أنظمتها لتعاليم الإسلام وقيمه؟!
رايتها عبارة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وفيها قبلة المسلمين: الكعبة المشرفة في البيت العتيق، ومسجد رسول الهدى صلى الله عليه وسلم في طيبة الطيبة، وهي من أكثر البلاد العربية والإسلامية أمنًا واستقرارًا.
ولديها مكانة اقتصادية جاوزت حدود الدول النامية، وأهلتها لتكون شريكًا مؤثرًا عالميًا، كما أن لديها برنامجًا تنمويًا لا أعتقد أن له الآن مثيلًا في المحيط العربي والإسلامي.
وهذا في نظري هو ما جعل الهجمة الشرسة تشتد وتستعر، في الوقت الحاضر على المملكة من أعدائها، الذين هم في الواقع أعداء الإسلام، ممثلًا في الدولة الوحيدة التي تطبقه على حقيقته.
ولهذا فإن كل من يغارون على الإسلام في كل العالم، ويريدون الخير له، ويحرصون على أن يواصل النظام الإسلامي مسيرة نجاحه، وأن يحصَّن في مواجهة هذا الهجوم - المتعدد الجهات- ضده، عليهم أن يوحدوا صفوفهم مع المملكة العربية السعودية، قيادة وحكومة وشعبًا لنصرة الدين ونظامه، لا بالدعوات والتمنيات فحسب بل بالقول والفعل والعمل.
كما أن هذه اللحظة الحاكمة توجب علينا في جبهتنا الداخلية، مواصلة مسيرتنا صفًا خلف قائد الإصلاح والتطوير في بلادنا، خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وأن نؤازره بكل ما نملك من فكر وجهد وإخلاص وأمانة، وأن نسد الثغرات التي ينفذ منها أعداؤنا لمواصلة حملتهم علينا، كذبًا كانت أم حقيقة.
إنها فرصتنا جميعًا لنقدم للعالم الوجه الحقيقي الناصع للإسلام.
إسلام الإصلاح.. والتطوير.. والبناء.. إسلام العدل.. والحرية.. والمساواة..
إسلام القيم الإنسانية الأصيلة..
إسلام كل العصور.. ونشهد الدنيا بأن القائد.. والمسؤول.. والمواطن السعودي.. أهل لهذه المهمة الجليلة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.