سأكون واضحًا من البداية وأتوجه بالسؤال الصريح إلى القائمين على الأمانة بمحافظة جدة متسائلًا: هل راهنتم أحدًا على معرفة مدى عُمق صبرنا نحن سكان المدينة وعاشقوها؟ هل تُنفذون برنامجًا علميًا لقياس حالات الإحباط لدى سكان المدينة الحزينة؟ فترصدون بأجهزة ظاهرة وباطنة أحاسيسنا ومشاعرنا، وتتفرسون ملامح وجوهنا وطبائع أخلاقنا، وتقيسون طول بالنا، عند كل مشروع مُتعثر، وأمام وخلف كل شارع من شوارع المدينة المُهترئة، المليئة بجميع ما يتخيله بشر من حُفر، وانكسارات في الطريق خطيرة. إن ما يستدعيني إلى أن أجأر بأعلى صوتي، وأعرف أن الكثرة بل الجميع بلا استثناء يصيحون بصمت معي، راجع إلى حالة الصدمة النفسية التي واجهتها مساء الأمس القريب، حين وَلجتُ من طريق الحرمين إلى شارع الأمير محمد بن عبدالعزيز (التحلية)، وحال هبوطي من الجسر رويدا رويدا، لمحتُ بَصيصَ ضوء أحمر، تتلصص أشعته على استحياء، لتُفيد بموعد الافتتاح الجديد لمشروع النفق الخرافي، الذي يتم تجهيزه منذ سنوات خلت، كانت دقائق متفائلة وأنا أنتظر وصولي إلى مسافة تمكنني من استجلاء ما في اللوح المنصوب، تخيلت خلالها حال الطريق وقد شارف على الانتهاء، قلت في نفسي: وأخيرا جاء الفرج، وصَفَتْ لنا الدنيا في أحد الطرق الرئيسية، وسننتهي أخيرا من لوعة الانتظار، والإرهاق النفسي والعصبي، ونحن نحتشر زرافات لنسلك الفَسَحَة الصغيرة على كتف المشروع، وسعيد حظه ذلك الذي يتدلى له الطريق دون أن ترعبه شاحنة من هنا وهناك؛ كنت في غاية اليقين أن مدة المشروع المتبقية لن تزيد على الشهر، لكون موعد استحقاق افتتاحه بحسب ما تم إعلانه في قديم الزمان يتوافق مع عصرنا هذا، تذكرتُ أصدقاءً وأحبابا دَرجُوا إلى بارئهم قبل أن يتحقق حلمهم بالسير في هذا الطريق وقد اكتملت حُلَّته، وازدان بوروده وأزهاره وظلاله الوارفة، على أن ذلك كله قد تبدد فجأة، حين بَصُرتُ الرقم الجديد المعلن للمدة المتبقية للمشروع وهو 336 يوما، ما أصعبها من لحظات، وما أسوأه من شعور، لا يُخفِّفُ عنك وَطْأه سوى أن تنضم إلى قائمة الرافعين ببصرهم إلى السماء، لتجلو نفسك، وتستعيد طاقتك المهدورة، وتستكين لترنو بخيالك المستقبل. إنه واقع مؤلم تعيشه العروس في بعض مشروعاتها، والسؤال: لماذا كل ذلك؟ وقد رُصدت لتلك المشروعات المَبالغَ المُستحقة؟ حتما هناك خللٌ كبير في التنظيم، وخللٌ أكبر في إجراءات التنفيذ ومتابعة المشروعات بكل دقة واقتدار. هذا ما تعاظم إيماني به بعد قراءتي للأفكار المنهجية التي تقدم بها الدكتور حامد هرساني من اللجنة الوطنية للمقاولين، في ورقته المختصرة حول «أسباب الفساد الإداري والمالي في المقاولات ومشروعات الصيانة والتشغيل»، التي أشار فيها بجلاء إلى: «أن ضعف الخبرة، والاكتفاء بالمؤهلات المتواضعة، واستغلال ثغرات النظام، وتأخر الصرف، وضعف المتابعة، وارتجالية الإعداد للمناقصات ابتداء من تحديد المطلوب، وتجهيز المُخططات، وتقنين البنود والكميات، من أهم أسباب الفساد الإداري والمالي لأي مشروع وطني، مشيرا أيضا إلى أن تفادي ذلك يستدعي أهمية توقيع العقود مع شركات متخصصة، وتسهيل مهمتها من حيث تسليم الموقع خال من العوائق، ومنح التأشيرات اللازمة للعمالة الفنية المطلوبة، وتوفير القدر الكافي من المهندسين المشرفين ذوي الكفاءة والخبرة، حيث -والكلام له- إن مشروعا بتكلفة 200 مليون لا يشرف عليه سوى مهندس واحد أو اثنين فقط، وفيما يتعلق بمشروعات الصيانة والتشغيل والنظافة أشار الدكتور هرساني إلى أن اهتمامنا بالْكَم وليس الكيف قد أدى إلى تهالك الممتلكات العامة، ونقص عمرها الافتراضي». أخيرا يا أمانة جدة، تبقى الإشارة إلى أني ومعي الكثرة من سكان العروس، سنبقى متفائلين حتى يأتي الفرج، إذ ليس لنا غير ذلك، والله المستعان.