الهلال «المنقوص» يقصى الاتحاد ويحجز مقعداً في نهائي «أغلى الكؤوس»    سمو محافظ الخرج يكرم الجهات المشاركة في حفل الأهالي لزيارة سمو أمير المنطقة    سمو أمير منطقة الباحة يستقبل مدير شرطة المنطقة ويتسلم التقرير السنوي لعام 2023    الأمان في دار سلمان    المملكة ترشد 8 ملايين م3 من المياه    مشروع سياحي استثنائي ب"جبل خيرة"    أمير منطقة الباحة يشهد اتفاقية تعاون بين تجمع الباحة الصحي والجمعية السعودية الخيرية لمرضى ( كبدك )    الهلال يتفوق على الاتحاد ويتأهل لنهائي كأس الملك    الدراسة عن بُعد بالرياض والقصيم بسبب الأمطار    الوسط الثقافي والعلمي يُفجع برحيل د. عبدالله المعطاني    من أحلام «السنافر».. مانجا تعزز دورها في صناعة الألعاب    خبير قانون دولي ل«عكاظ»: أدلة قوية لإدانة نتنياهو أمام «الجنايات الدولية»    مدرب بلجيكا يؤكد غياب تيبو كورتوا عن يورو 2024    أمريكا تطلب وقف إمداد الأطراف المتحاربة في السودان بالأسلحة    نمر يثير الذعر بمطار هندي    تطوير العمل الإسعافي ب4 مناطق    فيصل بن فرحان ووزيرة خارجية المكسيك يناقشان آخر التطورات في قطاع غزة ومحيطها    موسم الرياض يطرح تذاكر نزال الملاكمة العالمي five-versus-five    مهتمون يشيدون ببرنامج الأمير سلطان لدعم اللغة العربية في اليونيسكو    41 مليون عملية إلكترونية لخدمة مستفيدي الجوازات    محافظ الريث يستقبل مفوض الإفتاء الشيخ محمد شامي شيبة    عسيري: مناهضو اللقاحات لن يتوقفوا.. و«أسترازينيكا» غير مخيف    «جامعة نايف العربية» تفتتح ورشة العمل الإقليمية لبناء القدرات حول مكافحة تمويل الإرهاب.. في الرياض    أغلى 6 لاعبين في الكلاسيكو    دوريات «المجاهدين» بجدة تقبض على شخص لترويجه مادة الحشيش المخدر    بطولة عايض تبرهن «الخوف غير موجود في قاموس السعودي»    ميتروفيتش ومالكوم يقودان تشكيلة الهلال ضد الاتحاد بنصف نهائي كأس الملك    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل الرئيس التنفيذي لجودة الحياه    مساعد وزير الدفاع يلتقي وزير الدولة للشؤون الخارجية والعالمية في إسبانيا    نائب أمير مكة يطلع على الاستعدادات المبكرة لحج 1445    وزير الصناعة والثروة المعدنية يرعى أسبوع الرياض الدولي للصناعة 2024    اجتماع الرياض: إنهاء حرب غزة.. والتأكيد على حل الدولتين    مفوض الإفتاء بالمدينة: التعصب القبلي من أسباب اختلال الأمن    مجلس الوزراء يجدد حرص المملكة على نشر الأمن والسلم في الشرق الأوسط والعالم    3000 ساعة تطوعية بجمعية الصم وضعاف السمع    الحقيل يجتمع برئيس رابطة المقاولين الدولية الصينية    شؤون الأسرة ونبراس يوقعان مذكرة تفاهم    مدير هيئة الأمر بالمعروف بمنطقة نجران يزور فرع الشؤون الإسلامية بالمنطقة    فهد بن سلطان يطلع على الاستراتيجية الوطنية للشباب    وزير الطاقة: لا للتضحية بأمن الطاقة لصالح المناخ    الصحة: تعافي معظم مصابي التسمم الغذائي    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 34.535 شهيدًا    فيصل السابق يتخرج من جامعة الفيصل بدرجة البكالوريوس بمرتبة الشرف الثانية    أمير الرياض يستقبل ممثل الجامعات السعودية في منظمة سيجما الدولية    إطلاق هاتف Infinix GT 20 Pro الرائد    الفرص مهيأة للأمطار    الذهب يتراجع 4.6 % من قمته التاريخية    حرب غزة تهيمن على حوارات منتدى الرياض    وهَم التفرُّد    برؤية 2030 .. الإنجازات متسارعة    للمرة الثانية على التوالي.. سيدات النصر يتوجن بلقب الدوري السعودي    لوحة فنية بصرية    مسابقة لمربى البرتقال في بريطانيا    بقايا بشرية ملفوفة بأوراق تغليف    وسائل التواصل تؤثر على التخلص من الاكتئاب    أعراض التسمم السجقي    زرقاء اليمامة.. مارد المسرح السعودي    «عقبال» المساجد !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المنتديات والصالونات الأدبية
نشر في المدينة يوم 24 - 03 - 2010

ما كانت الورقة لتتحدث عن المنتديات الأدبية في المملكة العربية السعودية؛ لأنها سُبِقت إليها بالرصد والتعريف في مقالات متفرقة، وكتبٍ، اطلعت على أربعة منها، هي: الصالونات الأدبية في المملكة العربية السعودية، رصد وتوثيق، لسهم ضاوي الدعجاني، والصالونات الأدبية في المملكة العربية السعودية، لأحمد الخاني، ولقاء الصالونات الثقافية ودورها في نشر ثقافة الحوار، عن مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، ثم كتاب المنتديات والأندية الأدبية في المملكة العربية السعودية، نشر عبد المقصود خوجة. وهذه المنتديات مع اختلاف تأثيرها على المجتمع الثقافي، إلا أن بعضها لم يظهر إلى النور، حوارًا ومناقشة وتوثيقًا، وظل ضائعًا بين وجوده بالفعل ككيان واسم وبين سلبيته في المشاركة وتفعيل الحراك الثقافي والفكري والاجتماعي، على الأقل في منطقته، ومن ثمَّ لم يبق له من هذه المشاركة سوى اسمه منسوبًا إلى هذه الكيانات؛ لأن من عادة الرصد ألا يفرق بين الفروق الكبيرة والواضحة، وبين غيرها من الفروق الصغيرة والهامشية في الإحصاء، بل يضع المنتديات جميعًا في نسق واحد وسلة واحدة، أخذ بعضها قوته من المجاورة لمنتديات شهيرة ومؤثرة. وهذه الورقة يحسن بها أن تهرب من الرصد، إلى التنبيش والتحريك، والدغدغة، وهي مشتغلة بتسجيل ما يشي بوجود ظاهرة تستحق الدراسة، وليست مهمومة بتتبع الأسماء، سواء كان ذلك في العصور المقسمة رأسيًّا: ما قبل البعثة/ إسلامي / أموي/ عباسي/ مملوكي/ عثماني، أو حين توزعت أفقيًّا، فالمرأة، مثلاً، على مر العصور الإسلامية الممتدة أكثر من أربعة عشر قرنًا سعت إلى إحياء الصالونات الأدبية، وهي حاضرة أشد الحضور، في: مصر/ لبنان/ سوريا/ الحجاز، وإذا جاءت الورقة على المملكة العربية السعودية؛ فإن الراصدين للمعلن عن هذه المنتديات سجلوا ما وصلت أيديهم إليه؛ فأحمد الخاني ذكر لونين أدبيين واجتماعيين، وكتاب المنتديات والأندية الأدبية أورد خمسة صالونات نسائية، ومن اللافت أن سهم الدعجاني لم يورد صالونًا نسائيًّا، والورقة تدرك قلة ذلك، بيد أن البحث العلمي لا يجدر به إغفاله. كانت الورقة تطمع أن تلقى منتديات تحوّلت إلى مؤسسات مدنية، وإن شمت عناوين جميلة لهذا التوجه، مثل: رواق بكة النسائي (1424ه/2003م)، وعضواته: تسع سيدات، ونشاطه أدبي ثقافي اجتماعي، ومنتدى الأحساء النسائي (1425ه/2004م)، وعضواته ست سيدات، وهو أدبي ثقافي واجتماعي، ومنتدى التواصل الثقافي النسائي بالقطيف، وعضواته ثمان، ونشاطه أدبي ثقافي، ولم يفلت من منتديات الأفراد الرجالية إلا منتدى الروضة الثقافي والاجتماعي (المركاز)، بجدة، فأعضاؤه ثمانية (1)، واثنينية تنومة الثقافية (1422ه/2001م)، ويحمد للأولى أنها تفكر بعقل مؤسساتي، وللثانية أنها بالرغم من كونها ذات نشاط محدود، ومقيد في فترة الصيف فقط، إلا أن الفكر المؤسساتي طغى عليها، وهو توجه انطلق من لجنة التنشيط السياحي في مدينة (تنومة بني شهر). ولا يفهم من الورقة أن منتديات الأفراد أقل تأثيرًا؛ بل هي الواضحة والماثلة أمام الأدباء والمثقفين؛ فمنتديات الأفراد النشطة والمستمرة في التواصل والعطاء ظلت تمد المجتمع الثقافي بما ينتجه روادها، ويقوم عليها وبها مؤسسها، والخوف كل الخوف أن تتوقف عن الاستمرار إذا أصاب مؤسسها أي عارض، وإلا فإن بعض المنتديات بإنجازها ومطبوعاتها، وتتبعها نتاج الأدباء، مع ما يحف ذلك من مشقة، وتسويف حينًا، من الورثة، وذلك ماثل في إصدار فعالياتها، أو تتبع نتاج الآخرين من الرواد والمبدعين. ولعل اثنينية عبدالمقصود خوجة في قمّة المنتديات عطاء وتواصلا، ومدًّا للباحثين بمعلومات ما كان لهم أن يجدوها إلا في مطبوعات الاثنينية، فكانت الورقة دومًا تطمح أن تتحوّل هذه المنتديات إلى مؤسسات لتأخذ حياة ممتدة، وهذا لن يحدث إلا بسبكها في سلسلة النظام؛ حتى تلتزم أمام من أعطاها نظامًا يحوّلها إلى مؤسسة مدنية، ويحميها من الاندثار، أو التراجع. والمنتديات التي امتلأت بها صفحات الكتب الأربعة آنفة الذكر، منها ما قضى نحبه، وقليل منها ينتظر، وحبّذا لو أن المؤلفين تحدثوا عن قيمة هذه المنتديات وفاعليتها، بدلاً من وضعها في صف واحد، وقد بلغت في كتاب: المنتديات والأندية الأدبية خمسة وأربعين منتدى، ولعل الكتب السابقة له أسقطت بعضًا منها عمدا، أو لعدم توافر المعلومات لدى كتّابها عنها، وهي بلا شك؛ إما منتدى توقف عن التفاعل، أو منتدى أخذ بعدًا أسريًّا أكثر منه أدبيًّا أو ثقافيًّا، وهذا يتضح جليًا لمن يتصفح هذه الكتب، ويطلع على أهداف إنشاء المنتدى نفسه. بعض المنتديات قامت على المشاهدة والمشافهة، وسماع الصوت، وتناول الرأي، واتساع مساحة الحوار، ولذا أخذت عمقًا ومكانًا متجذّرًا، ويوجد الآن ما يشبه هذه المنتديات، وبوسائل أكثر سرعة، وأسرع تلقائية، وأن المتصفح للمدونات الإلكترونية والمواقع الشخصية، والمنتديات العامة والخاصة، سيجد كمًّا كبيرًا من المعلومات التي يستطيع من خلالها أن يحاور أو يعلّق أو يُداخل، ولن تنتهي بانتهاء مدة عقد المنتدى، بل ستظل منتدى مفتوحًا، يكبر ويزداد، ويرى الباحث فيها تضاربًا في الآراء حينًا، وتعاطفًا مع بعضها حينًا آخر، وخروجًا عن العلمية إلى الشخصنة، بيد أن دارسها سيكوّن منظومة عن الفكر الثقافي لهذه المجموعة المشتركة: تداخلاً، حوارًا، تعليقًا، على هذه المنتديات، وسيخرج بنتائج قد تمثّل ظاهرة أو شططًا، أو تسطيحًا للثقافة، وليِّ عنقها عند بعض المداخلين، وإذا شخص سؤال عن هذه المنتديات العنكبوتية، فسيظل هناك سؤال مواز له، هل قامت هذه المنتديات بدور فاعل مثل المنتديات الأدبية؟، وستكون الإجابة من وجهة نظر الورقة أن جميع هذه المنتديات: قوة، ضعفًا، تأثيرًا، ستسهم في رفع مستوى الثقافة المجتمعي، وستحرك أشياء راكدة، وهذا التحريك سيضع نفسه أمام الجميع، بدلاً من أن يظل في مكان قصي، لا يراه أحد، أو تراه قلة، بيد أنه يحسن بالدارسين ألا تكون دراساتهم رصدًا أو وصفًا، بل تشخيصًا وموازنة، وتقديرًا، وهذا يحتاج إلى جهد أكبر من الرصد، وعلمية أعمق من الوصف، وجاء دور الباحثين ليقوموا بذلك، والورقة أيضا اطلعت على مقالات تتجه هذا التوجه. وهذه المنتديات منها ما اتشح باسم منتدى، أو ندوة، وأكثر من نصفها انتسب لأحد أيام الأسبوع، فمثلا الأحدية، أخذت حظًّا وافرًا من التسمية، تليها الاثنينية، ويوم الثلاثاء بدا علينا بتسميتين: الثلوثية/ ثلاثية، أما السبت، فجاء منفردا «سبتية موسى القرني» بالمدينة، وكذلك الأربعاء «أربعائية الفريح» بحائل. وقد بدأت بتؤدة في العشرين سنة الأخيرة من القرن الماضي، إذ نشأت سبعة منها، وفي العقد الأول من هذا القرن الهجري ازدادت ثمانٍ أخرى، يليها العقد الثاني بثمانٍ أيضًا، فيقفز العدد إلى الضعف ستة عشر منتدى في سبع سنوات من العقد الثالث، وهذا العدد أفرزته الكتب المطبوعة، وإلا فإن الورقة على يقين أن هناك منتديات لم تكن حاضرة عند الرصد في هذه الكتب. وسبقت هذه المنتديات جميعًا إرهاصات متفرقة في الوطن (2)، لعل أبرزها ما كان في مكة من التعدد والكثرة، إذ كانت بين “المقاهي”، وكان يعرف في كل واحدة مركاز لأديب، أو مثقف، أو أمام منزل الأديب نفسه، أو داخل بيته، وتسمى أيضًا: البشكة/ المجلس/ الدكة، وقد أخرجت الحوارات التي كانت تدار فيها كتاب «وحي الصحراء»، عام 1355ه، وتقويم أم القرى، وجريدة البلاد السعودية، عام 1365ه (3) ، وهذا ما حدث في المدينة المنورة، إذ كانت مجالس ثقافية، تُقام في المنازل، أو المزارع، أنتجت أعمالاً مازالت مستمرة، مثل مجلة المنهل، لمؤسسها الأستاذ عبدالقدوس الأنصاري سنة 1355ه، وجريدة المدينة لمؤسسيها الأخوين عثمان وعلي عبدالقادر حافظ سنة 1356ه، ومن العمل المؤسساتي أن مجموعة من الأدباء أسسوا أسرة الوادي المبارك نواة لمولود جديد، هو نادي المدينة المنورة الأدبي، إذ تأسس عام 1395ه. وتفاءلت الورقة كثيرًا حين قرأت مقالا عن استمرار الصالونات الأدبية بعد رحيل أصحابها (4)، وتساءلت هل فعلاً تحوّلت هذه الصالونات إلى مؤسسات مدنية، وإذا بكاتب المقال «بدر الخريف» لم يمر على ذلك إلا إشارة إلى خميسية عبدالعزيز الرفاعي، مع أن خميسية الرفاعي لم تستمر، كما ذكر المؤلف، بشكلها المعروف آنذاك، بل تحول اسمها من خميسية عبدالعزيز الرفاعي إلى خميسية الوفاء، وحملت اسم أحمد محمد باجنيد، ومن ثمَّ لم يكتب لها استمرار بعد موت صاحبها، ولكن الكاتب طفق ينقل مقاطع مما أورده أحمد الخاني في كتابه الصالونات الأدبية. وهذه المنتديات بين مد وجزر، قليل منها حافظ على حضوره، ولم يتوقف، وأكثرها لم يلتزم بالموعد المضروب له، بل يلغى أوقاتًا، ويغط نومًا، ويدل على ذلك سنة الإنشاء، وفعل المنتدى الثقافي، إذ لا تتناسب بين عمر المنتدى، وما قدمه من أعمال أدبية أو فكرية. وهناك منتديات كأنها خُلقت لمؤسسها، تدور حوله، وتتلمس خطاه، فما كان منها متعثرًا تأخذ بناصيته، وما كان مقبولاً تزفه يتيمًا لا مثيل له، وعند تصفح الورقة لمنتدى واحد، عمره ثلاثة وثلاثون عامًا، ونتاجه ثلاثة وثلاثون كتابًا، منها أربعة وعشرون تخص القائم على المنتدى ابنه فماذا بقي للمعرفة الإنسانية؟، منتدى بهذا العمر لم يستطع أن يتخلص من دورانه حول اسم واحد، يسخر الكتّاب لتمجيده، ويصدر دواوينه، ولو قرأت الأهداف في هذا المنتدى لوجدت أن أغلبها مات قبل أن يولد، فقد كان خديجًا (5). وبعضها الآخر يناقض نفسه بنفسه، فعند طريقة التوثيق، يكتب «يتم التوثيق بالتسجيل على أشرطة فيديو»، وتحتها بسطر الأعمال والأنشطة «لعدم التوثيق لم تنشر نشاطات الأحدية» (6)، أحدية عمرها ثلاثة وثلاثون عامًا يفترض أنها أقامت ما يقارب الألف أحدية، ولا نتاج. *** وقد خصص مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني لقاء عن الصالونات الثقافية، تفاعل فيه ومعه لفيف من المثقفين والأدباء، وبعض المشتغلين على هذه الصالونات الأدبية. وما ميز لقاء الصالونات الثقافية أنه دُعي له حشد من أصحاب المنتديات، ولفيف من المهتمين بالفكر والفعل المجتمعي في هذا الوطن؛ فكان لقاءً حمل في ثناياه الرأي المتأني، والفكرة الخاطفة، والقول الصائب، والجملة الشطَّاء ، وأجمل ما تكرر في هذا اللقاء دعم هذه المنتديات، وارتباطها مجتمعيًّا؛ لتكون مؤسسات مدنية؛ تتسم بالانطلاقة، وتلبس عباءة الأهداف المنوطة بالمحافظة على المواطنة، ومنجز هذه البلاد، ومن المداخلات تتضح الرغبة في أن تستند المنتديات على العمل المدني، وليس الرسمي؛ لأن قليلا من المداخلين طالب بأن تكون هذه المنتديات حاملة للائحة نظام. وهذا اللقاء بجلساته شهد أكثر من مائة وستين مداخلة، وهذه المداخلات مع اختلافها واتفاقها أبانت سقف الحرية في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وأعطت المستمع، أو المتلقي، حين طُبعت في كتاب، الشعور بشخصنة الحديث عند بعض المداخلين في اللقاء، وقد تعرضت الورقة لبعض هذه المنتديات، إذ تدعي أشياء ولا تفعل إلا شيئًا واحدًا، أو لا تفعله، بيد أن الباحث الحصيف يتبين له مفارقات الطرح حينًا، والتئامه في أحايين كثيرة. ومما يحمد لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني نقله كل الأوراق والحوارات والمناقشات في كتاب تحت مسمى «لقاء الصالونات الثقافية»، وإن استغرقت طباعته نحو السنتين، بيد أن خروجه للقراء زاد من انتشار الانتفاع به، وصاحب الورقة ممن لم يحضر هذا اللقاء غير أنه مثل الحاضر سواء بسواء في الاستفادة، بل إنه سيكون أكثر حيادية، لأنه بعد عن الصخب، ومن ثمَّ كان ذهنه صافيا لهذه القراءة. ولا ضير أن تقتطف الورقة شيئًا من بعض ما طُرح عن المسميات، فبدأته «مها فتيحي»، وتعرض له غيرها، اتفاقًا معها، أو اختلافًا، والمتفقون أكثر (7)، وتثبت أمجاد محمود رضا أن هناك مناطق تزخر بهذه المنتديات لا نعرف عنها، وبنت حكمها على بحث أو توثيق عن هذه المنتديات في كتاب سيصدر قريبا إن شاء الله (8)، ومع ذلك معظم هذه المنتديات لم تستطع حتى الآن أن تخرج كتابًا يتحدث عمّا قدمته من محاضرات (9). وبعض المداخلين، يعتقد يقينًا، أن هذه الصالونات هي الحل الوحيد في ظل غياب المؤسسات الثقافية، وتقاعسها عن الدور المنوط بها (10)، وكنت أتمنى عليه أن قام بدراسة للأندية الأدبية كما فعل في دراسته عن الصالونات الأدبية، ولو فعل لرأى
شيئًا عجيبًا، واستعاذ مما قاله عن المؤسسات الثقافية، وقد انجرف وراء هذا القول نفر غير قليل ممن لم تطأ أقدامهم هذه النوادي البتة، وينظِّرون، ويقدحون، ويقترحون، ونفر آخر لحاجة في نفس يعقوب، وقليل من أصحاب المنتديات انساقوا وراء هذا القول، ثقة فيما يعملون، وازدراء بما تعمله الأندية الأدبية (11)، أما زكي الميلاد، فقد وضع مبضعه على نقاط مهمة في هذه المنتديات: تتصف بالحوارات المغلقة، وتكرار المنتديات لنفسها، وتمنى تطويرها للمستوى الثقافي، حتى تحدث نقلة نوعية، وتتجاوز المناطقية (12)، والمشوح، نبه إلى ان المجالس العلمية: منضبطة بنقاش اجتماعي (13)، وانبرى لكثير ممن زرع ثقافة الشك، إذ إن المجالس الصحفية تشكّك هذا المجلس (هكذا) من أجل وجاهة اجتماعية، وأن المتلقي كان من أجل مقاصد شخصية، فدائمًا نضع هذه الثقافة الشكية تدور على أي نشاط، أو عمل، يمكن أن يقوم به أي شخص، حتى لو كان مبادرة شخصية.. هذا خطأ. المشوح خطَّأ الشك، ولم يخطئ نفسه، حين حكم على الأندية الأدبية بغياب الدور الذي يمكن أن تقوم به (14)، ولعل عبدالعزيز قاسم أهدأ طرحًا حين وضع هيمنة التيار الأدبي على مناشط ومحاضرات تلكم النوادي، فصارت نخبوية (15). وفهد الجهني، أثبت أن معظم المنتديات لها زبائنها، أو ضيوفها الدائمون والثابتون، الذين لا يتغيرون، بمعنى أن هناك قائمة أسماء لا تتغير، وفي المقابل نغفل أسماء كثيرة جدا من الدعوة والمشاركة (16). أما فائز الحربي، ففي كلامه تعميم حين قال: “فاتصلت على الأندية الأدبية، فلم أجد من يوافق باستثناء نادي أبها الأدبي” (17)، بكم ناد اتصل الحربي؟.. لا أدري!، ولم يفصح عن ذلك، وقد ركزت ورقة إبراهيم القعيد، على القضايا، أكثر من تركيزها على الصالونات، وجعلها جزءا من كل، وليست هي البديل، أو المنقذ، كما صفق لها بعض أصحاب الأوراق، ووضع الحرية مكانًا للجذب، أينما يكون النشاط المنبري، بل إنه أكد انحسار تأثير الصالونات الثقافية النخبوية (18)، ومع ذلك ستظل الحاجة إليها قائمة. وبعض المداخلين ركز على نخبوية الصالونات الأدبية، وأشار د.إبراهيم القعيد في ورقته أيضا إلى ذلك (19)، ثم تأتي مداخلة أخرى لتحمل المؤسسات الثقافية المسؤولية عن تراجع الأدب؛ لأن النخبوية بعدت عن هموم العامة، أما الأدب فهو الذي يربي وجدان الأمة.. هو الثوب الذي ينسج من هموم الناس وواقعهم، ويصور مأساتهم بدقة (20). وثلة من المداخلين ناقش ورقة د.القعيد، وحرّض على أن المنتديات نخبوية، وهي ليست كذلك، ورأي القعيد كان أوسع مما قيل قبلها بحصر ضيوف المنتدى على ضيوف دائمين؛ فالنخبوية أكثر اتساعًا وأرحب. وتحدث أصحاب الورقات التي أُلقيت في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وداخل كثير من المدعوين، ومع اختلاف هذه الأوراق إلا أن سمة الانحسار، أو الاندثار، أو عدم التأثير والتأثر لبعض هذه الصالونات الأدبية، بات واضحًا في طروحاتهم، بعضهم يعترف بذلك، وهم كثرة، بل إن سهم الدعجاني، قال: سمعنا بموت النقد الأدبي، فلماذا لا نقبل هذا المساء بموت الصالونات الأدبية؟ (21). وهذه المنتديات مع كثرتها عند رصدها، إلا أن بعضًا من المتحدثين يلوم من قام بهذا العمل الرصدي؛ إذ تجاهل بعض الصالونات التي جيء على ذكرها حين لقاء الصالونات الأدبية، وهناك منتديات لم يكن له ذكر عند من ألف عن الصالونات الأدبية، إما لفقر المعلومة، أو لأن الصالون مات رضيعًا. ويقول أحد المتحاورين: بين الشيخ محمد سعيد وبيني تقريبًا ربع قرن في تجارب مع الصالونات؛ بدأنا بافتتاح أول صالون ثقافي، تجربة متواضعة، لعلها تستمر برعاية المركز (22)، وهو يمارس ما يشبه الخديعة اللفظية، وهذا الصالون مات قبل الفطام أيضًا. وبعض آخر يحيث ما يطرح، يستشهد بصالونات مؤثرة، ومستمرة، ونتاجها مقروء، أو مسموع، أو مطبوع في إصدارات، وهذه الصالونات المؤثرة مع قلتها ظلت علامة فارقة، وشكلت ظاهرة بين أخواتها من الصالونات. وبعض المداخلين يقول: إن الأندية الأدبية استغرقت في النص الأدبي، وإن الصالونات الثقافية استغرقت في نص الأحداث اليومية، والقضايا ذات الشأن الجماهيري (23). وفي البيان الختامي للقاء الصالونات الثقافية تحت مظلة مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني خرج بإحدى عشرة توصية ونتيجة، ولعل كلمة “النتائج” تخرج هذه التوصيات من صرامة الالتزام، إذ اعتاد المؤتمرون دومًا أن تذهب التوصيات مترنحة، أو تأخذ طريقًا بيروقراطيًّا طويلاً، أو تموت في مهدها، وهذه التوصيات أجهضت أولاها من حيث ولدت، وهي عقد لقاء سنوي للمنتديات الثقافية يتولى رعايته مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني (24)، إذ مضى على هذه التوصية وما تلاها نحو السنتين، وكثير من هذه التوصيات ظل صامتًا إلى يوم الناس هذا. *** على أية حال ستظل العلاقة دائمًا بين المثقفين بين مد وجزر، وبالتالي سينعكس ذلك بالضرورة على كل ما يطرحونه، سواء بالرفض أو القبول، والصالونات الأدبية واحدة من طروحات المثقفين ونتاجاتهم، وإن كانت الورقة تتمنى منهجة طرح الصالونات الأدبية إن صح التعبير لتتحقق فائدة فعلية من وراء إقامة هذه الصالونات، لأنها في الأعم الأغلب مجرد مكان يلتقي فيه مجموعة بعينها، سواء كانوا أصدقاء، أو أقارب، للتجمع والدردشة، وتناول شيء مما يُضَيِّفُ به صاحب المكان فحسب، وقلة من هذه الصالونات هي التي وضعت لنفسها منهجًا، وهدفا تسعى إلى تحقيقه، وتمضي كل حسب مقدرته وتوجهه في سبيل ذلك، بتوثيق ما يحدث من فعالياتها أولا، ثم نشره ثانيًا، ولعل في ذلك تكون الفائدة أعم، لأن الباحثين في أي مكان يستطيعون الاطلاع على ما يحدث، كل في تخصصه، وكذلك مَنْ ليست لديهم القدرة على الوصول إلى مكان الصالون، يمكنهم أيضًا متابعته فيما بعد، منشورًا، أو مدوّنًا على موقعه الإلكتروني، كما تفعل بعض الصالونات.. إلا أن بعض الصالونات أُقيمت لشيء من الوجاهة الاجتماعية، أو لمجرد ربط الصالون باسم صاحبه، سواء كان يومًا أو مكانًا، أو ما شابه ذلك، المهم أن يُقَال: سنذهب إلى مكان فلان، شيء من الدعاية والترويج يسعى إليها البعض، ومثل هذه الصالونات إن صح أن يُطلَق عليها بذلك لا قيمة لها، وهي في النهاية بلا شك ستكشف عن نفسها ومقاصد مقيميها أمام الجميع، لأن مَنْ يجامل صاحبها مرة، سوف لا يفعل ذلك لفترات طويلة، ومن ثمَّ تتكشف الأكذوبة.. الصالونات الأدبية عمل اجتماعي ثقافي، ينبغي أن يحرص صاحبه على أن يقوم بدوره، طالما أنه اختار الانخراط في مضمار هذا التوجه، وعلى الجانب الآخر يجب أن تكون لكل صالون أدبي ورقة تنظمه أو أجندة عمل توضح توجهه: أدبي/تاريخي/سياسي/اجتماعي ...إلخ، وكذلك توضح ضوابطه، على أن يكون ذلك معلنًا، ومعه برنامج نشاطه لكل موسم، متى وأين وكيف يبدأ، حتى يستطيع العدد الأكبر الاطلاع عليه، ومن ثمَّ مشاركته، وبالتالي سيكون في ذلك إلزام لهذه الصالونات لأن تلتزم الصرامة والجدية في عرضها وطرحها.. وذلك ليس معناه أن تحد الصالونات من عفويتها، كما يدعي البعض، ولكنه سيعمل على الحد من تهاون بعض الصالونات وفوضويتها؛ لأنها ستكون تحت الضوء والتابعة، وبذلك ستكون ملزمة بتفعيل طرحها، وإلا عليها أن تنسحب وتتنحى، إن لم تستطع الوفاء بذلك، وتتحول من مسمى صالون أو منتدى أو ملتقى، إلى مكان استراحة لتجمع الأصدقاء للدردشة، وتناول المرطبات والمشروبات الساخنة، حسب الطقس، وطبيعة المكان والمناخ.. أي مكان للضيافة والاستضافة، بعيدًا عن ارتباطه بأي مسمى يتعلق بالثقافة، لأن المعلن من الصالونات والمنتديات حتى الآن يفوق السبعين اسمًا، ولا تجد الورقة صدى لهذا العدد الكبير منها على المشهد الثقافي والاجتماعي، ولذلك يجدر بالجميع أن ينحى منحى واحدًا. --------- (1) المنتديات: 45 (2) ظلت المنتديات الأدبية والفكرية في عصور الإسلام المختلفة منجزة لأعمال أدبية وفكرية، ما زلنا نستفيد منها، ولعل أبرزها “المقابسات”، لأبي حيان التوحيدي، ومجالس العلماء للزجاجي. (3) مقالة عبدالمقصود خوجة، في لقاء الحوار الوطني، لقاء الصالونات، ص19 (4) جريدة الشرق الأوسط 29/12/1427. (5) انظر المنتديات: ص 33-37. (6) انظر المنتديات: ص 38-40. (7) لقاء الصالونات الثقافية ودورها في نشر ثقافة الحوار – مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني – الرياض – الطبعة الأولى، 1429ه - ص31. (8) لقاء الصالونات: ص33. (9) نفسه. (10) سهم الدعجاني: لقاء الصالونات الأدبية: ص47 (11) محمد المشوح، لقاء الصالونات: ص56. (12) لقاء الصالونات: ص54. (13) السابق 56. (14) لقاء الصالونات: ص56.. (15) السابق: ص74. (16) السابق: ص59. (17) السابق: ص58. (18) السابق: ص69. (19) السابق: ص72. (20) نبيلة محجوب، لقاء الصالونات: ص82. (21) لقاء الصالونات: ص85. (22) السابق: ص31، ومثله منتدى محمد بودي. (23) أمجاد محمود رضا، لقاء الصالونات: ص 116. (24) لقاء الصالونات: ص183. * رئيس النادي الأدبي الثقافي بجدة

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.