في كل عام، بل وفي العام عدة مرات، يتم تداول تعميم يسميه الرياضيون ب(لائحة الممنوعات والمحظورات) يُوجه إلى جميع الرياضيين ويبدأ بمنع (القزع) وينتهي بمنع (السلاسل والخواتم) وما لف لفها. ولعل مسألة القزع قد تصدرت قائمة الاهتمام ونالت التركيز الأكثر من قبل الحكم والإعلام، حتى أن مباريات عديدة في مواسم سابقة قد تم تأخيرها تطبيقاً لتعميم المحظورات، وتحدياً في منع اللاعبين من اللعب طالما هم (متقزعون)، أي أنهم مرتكبون لمخالفة (القزع) الممنوعة. والقزع - كما يعرف الجميع - قد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذا من واجب المسلم الامتثال للنهي النبوي وعدم قص شعر الرأس بطريقة (القزع)، وما من مسلم إلا وسيكون الحريص على الابتعاد عما ينهى رسول الدين القويم عنه. ولأن التعميم الذي يحظر (القزع) قد افتقد للتوضيح والتبيين والإرشاد، فقد فتح الباب للاجتهاد والتنطع في تحديد ما هية ال(قزع). وكان حرياً، بالتعميم أن يبين ويوضح (صفة) القزع و(شكله) أي (ما هو)؟ حتى تكون الصورة واضحة جلية للجميع. ولأن المعمم قد اكتفى بإيراد الاسم لا غير، ولم يبذل جهد واجتهاد التبيين والتوضيح والمقصود ب(القزع)، تخالفت اجتهادات الجميع في تحديد هذا ال(القزع) فأصبحت كل حلاقة للرأس تخفف مقدار شعر الرأس من جوانبه أو من الحلق هي (القزع)، وأحياناً، أي تخفيف للرأس بطريقة تدرج كثافته هي (القزع)، وأخرى تجتهد وتقرر أن تلك الحلاقة هي (القزع)، وآخرون يقررونها على حلاقة رابعة، وعاشرة، وحتى تخالط البقر كما يقول الأجداد.. على الجميع. بل إن أشد المتنطعين يرى حلاقة (التواليت) الكلاسيكية ما هي إلا (القزع). وذهب آخرون إلى أن قصة (الكابوريا) و(المارينز) هي.. هي هذا المدعو ب(القزع). إن تحديد صفة (القزع) وتحديد شكله حالة يسيرة، بسيطة، في متناول اليد، لو أن صاحب التعميم اجتهد قليلاً، وبذل جهد العلمية في ممارسته وأدواته الإدارية، كبديل لأداء دور الناسخ و(ساعي البريد) الذي ما عليه إلا أن يتحول إلى مكتبجي (صادر ووارد كسول) لا يبذل جهد التوضيح والتبيين! لو أن (التعميم الكسول) قد فطن إلى قيمة الإدارة العلمية الحديثة، لاهتدى إلى مرجع علمي يوفر له المعلومة الصحيحة، بكل يسر وسهولة وثقة، إذ سيؤشر له بأصبع المعرفة والبذل والعمل المخلص إلى مرجع فقهي متفق عليه لأهم كتاب عند المسلمين وبعد كتاب الله - صحيح البخاري، والشارح لهذا السفر الهام وهو كتاب (فتح الباري بشرح صحيح البخاري) لشيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني. فهذا الكتاب المرجعي قد وفر تحديد ووصف (القزع)، الذي سنكتشف عنده نص الحديث النبوي الذي نهى عن القزع ومن ثم شروحات هذا الفقيه الثقة لصفة وشكل القزع سنكتشف أن (القزع) المنهي عنه (حاجة) و(القزع) الذي اجتهد فيه المجتهدون (حاجة) ثانية! لا أقول ذلك، هكذا تخرصاً، أو ادعاء معرفة فقهية - حاشا لله - ولكن ما أنا إلا ناقل نصوص علينا جميعاً تدبرها، ثم اكتشاف واستنتاج كينونة ومراد ما تحدده ب(القزع). وعلى فكرة، ستكتشف أيها القارئ الرياضي أن (عبيدالله بن حفص) وهو من رواة الحديث لم يكن يعرف المراد ب(القزع) ولذلك سأل (عمر بن نافع) وهو من أخذ عنه الحديث (ما القزع)! وفيه دليل على تخالط وغموض تحديد شكل (القزع) بالنسبة له، وربما لعدم وجود مثل هذا النوع من حلاقة الشعر في زمانه ومكانه وهي الحلاقة التي كانت للغلام والمراهق والجارية حسب شروح ابن حجر الذي يفيد بأن القزع قد نُهي عنه لأنه يشوه الخِلقة ولأنه زي اليهود. حديث النهي عن القزع أورد البخاري في صحيحه حديثين اثنين فقط عن النهي عن القزع، يوردهما صاحب (فتح الباري بشرح صحيح البخاري) في باب القزع في صفحتي 134 - 135 - 136 من الجزء الواحد والعشرين من كتابه الهام. الحديث الأول: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا عبدالله بن المثنى عن عبدالله بن أنس بن مالك حدثنا عبدالله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن (القزع). الحديث الثاني: حدثنا محمد، قال: أخبرني مجلد، قال أخبرني ابن جريج قال: أخبرني عبيدالله بن حفص، أن عمر بن نافع أخبره عن نافع مولى عبدالله أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن القزع. قال عبيدالله، قلتُ: وما القزع، وأشار لنا عبيدالله قال: إذا حلق الصبي وترك ها هنا شعره وها هنا وها هنا، فأشار لنا عبيدالله إلى ناصيته وجانبي رأسه، قِيل لعبدالله: فالجارية والغلام! قال: لا أدري، هكذا قال الصبي. قال عبيدالله: وعاداته فقال، أما القصة والقفا للغلام فلا بأس بهما، ولكن القزع أن يترك بناصيته شعراً وليس في رأسه غيره، وكذلك شقي رأسه هذا وهذا. (انتهى) شرح ابن حجر في الصفحة 134 من الجزء 21 من كتاب فتح الباري بشرح صحيح البخاري وفي الهامش يقول ابن حجر في شرحه ما نصه: (قوله (باب القزع) بفتح القاف والزاي المهملة جمع قزعة وهي القطعة من السحاب، ويسمى شعر الرأس إذا حلق بعضه وترك بعضه قزعاً تشبيهاً بالسحاب المتفرق). أضطرُ إلى الاختصار، فالحيز لا يسع إلى إيراد المزيد من النقل عن صاحب فتح الباري، ومَنْ يريد الاستزادة وبالذات مَنْ يتصدى لمثل هذه التعاميم أن يرجع إلى المصدر وقد بينت ما أرشدت إليه ويستطيع أن يجده كل مخلص مؤتمن مؤمن بالعلم والمعرفة وسيلة وأداة بكل يسر وسهولة أيسر وأسهل من العثور على تعريف (الرياضة) في لوائح وأنظمة الرياض لدينا! مثلاً!.. سأتعمد التنويه.. من أنني لست إلا ناقلاً ولست بمستنتج ولا بفقيه مجتهد.. وعلينا جميعاً أن نتدبر ونتأمل ثم نحدد.. هل القزع.. هو القزع! تعريف القزع عند ابن منظور سأنهي المقالة، بتعريف (القزع) حسب أهم مراجع اللغة العربية (لسان العرب المحيط) للعلامة ابن منظور، ففي كلمة (قزع) جاء ما يلي: والقزعة خصل من الشعر تترك على رأس الصبي كالذوائب متفرقة في نواحي الرأس.. و(القزع) أن تحلق رأس الصبي وتترك في مواضع منه الشعر متفرقاً وقد نُهي عنه. وقزع رأسه تقزيعاً: حلق شعره وبقيت منه بقايا في نواحي رأسه، وفي الحديث أنه نهى عن القزع، هو أن يحلق رأس الصبي ويترك منه مواضع متفرقة غير محلوقة تشبيهاً بقزع السحاب. والقزع بقايا الشعر المنتف، الواحدة قزعة، وكذلك كل شيء يكون قطعاً متفرقة، فهو قزع، ومنه قيل كقطع السحاب في السماء قزع، ورجل مقزع ومتقزع: رقيق شعر الرأس متفرقه لا يُرى على رأسه إلا شعرات متفرقة تتطاير مع الريح. ختاماً: أكرر السؤال: هل (القزع).. هو (القزع) سامح الله التعميم والمجتهدين والمتنطعين.. ولكن: على مَنْ تقع المسؤولية؟! أعرف أن هناك مَنْ لا يسرهم أن أقوم بجهد وواجب (النقل) وتوضيح ما هو ملتبس ومتوارث.. وسيعدون حجارتهم للرجم والتشنيع لهؤلاء أقول مهلاً.. فالذي إن رجمتم سيكون ابن حجر والبخاري ولست أنا..، إلا إذا كانت ممارسة الوصاية وفعل الرجم والترجيم والتجريم نتيجة حتمية ومهمة تُفعل مع سبق الإصرار.. والترصد!