مما لا شك فيه أن تجربة الانتخابات في مجالس البلديات لها إيجابيات كثيرة يأتي في مقدمتها ما أثارته من اهتمام وحرص الكثيرين على المشاركة، سواء بالترشيح وإبداع البرامج التي وضعت على محك التنافس، أو بالتصويت من قِبل الأفراد. والتعليم من القضايا التي تشغل الأذهان وتسكن في بؤرة الشعور لجل أفراد المجتمع، لأنهم ذوو علاقة بها من زاوية ما: طالباً أو ولي أمر، أو معلماً، أو موظفاً، أو وكيلاً، أو مديراً، أو مشرفاً تربوياً، ونهاية بنتاج التعليم ومخرجاته وعلاقاته المتشعبة بالبطالة والتوظيف، فالقدرات والمهارات والاتجاهات نحو المهن، وسوق العمل. ولطالما نادى التربويون بضرورة المشاركة الفعَّالة (وليست الصورية) من قِبل أفراد المجتمع لدعم المدرسة وبناء جسور الثقة بينهم وبين مؤسسات التعليم، ولعل أكبر شاهد على ذلك وخير دليل يعكس أهمية هذه القضية ذلك الحس المجتمعي العام الذي تبلور في ندوة بعنوان: (ماذا يريد التربويون من المجتمع؟ وماذا يريد المجتمع من التربويين؟) وهي نظرة ثاقبة لا تعبِّر فقط عن حاجة الواقع الماسَّة لهذا التواصل، بل تعكس أيضاً رؤية تربوية بعيدة النظر تستشرف آفاق التطور التي تركِّز على المشاركة في نهضة التعليم وتحمُّل مسؤولياته ومواجهة مشكلاته. والمتخصصون في التربية والمتابعون للتطورات العالمية المعاصرة في إدارته يعلمون جيداً أن الدول المتقدمة في هذا الميدان تكوَّنت لديها ضمن مؤسسات المجتمع المدني هيئات أهلية محلية تضم عناصر الخبرة والحس الوطني المتميز والثقافة وأرباب العمل، تهتم بشؤون التعليم في بيئاتها المحلية وتنشر ثقافة معايير الجودة في المؤسسات التعليمية، وتصدر شهادات الاعتراف الأكاديمي ومدى صلاحية الشهادات التي تمنحها مؤسسات التعليم في مجتمعاتها. ومع الانفتاح الخاص المصاحب للدخول في اتفاقية الجات وما تشمله من تحديات وتحتاجه من مقومات، ومع تنامي الوعي لدى شرائح المجتمع السعودي وتوافر الخبرات وإرادة المشاركة في مساندة جهود الحكومة في مجال التعليم تأتي فكرة مشاركة بعض أفراد المجتمع في مجالس التعليم بالمناطق المختلفة بالانتخاب من بين جميع الأطراف وتدعم هذه الفكرة المبررات التالية: 1- نشر ثقافة المشاركة في الإدارة المحلية للتعليم وتكريس الوعي الجماهيري بفعالياته. 2- تجاوز التمثيل الرسمي لمجالس التعليم التي تضم غالباً عناصر من الميدان مسؤولين عن الواقع ومهتمين بتبريره. 3- تحمُّل أطراف عديدة من المجتمع المحلي مسؤولية تفعيل السياسة التعليمية والإفادة من رؤيتهم للواقع الميداني. 4- مراقبة جودة التعليم بعقلية المشارك المستفيد لا بعقلية الناقد الجلاّد. 5- تنمية الإحساس والإدراك المبذولة في ميدان التعليم. 6- التعبير عن مطالب البيئة التعليمية في علاقاتها بأبعاد التنمية الشاملة. 7- امتداد التجارب الأهلية الوطنية الرائدة إلى هذه الميدان وتحقيق نجاحات مماثلة لما حقق في القطاعات الأخرى. 8- إبراز مدى التفاوتات البيئية في مستوى الخدمة والنهوض بها. 9- تدريب النشء وهم رجال المستقبل على أسس الاختيار والانتخاب وتكريس الثقافة الانتخابية. 10- إشاعة روح المنافسة بين المعلمين والمشرفين في استشراف آفاق التطوير. إن الفكرة المطروحة بانتخاب مجالس التعليم بمناطق المملكة المخلتفة تُعد من وجهة نظري على الأقل خطوة من شأنها القضاء على الكثير من المشكلات التي تواجهها إدارات التعليم وبناء نمط جديد من التعامل بين الأطراف المعنية وذات العلاقة، تستبدل فلسفة آليات إلقاء التهم بآليات إبداع الحلول والالتزام بالمشاركة في تطبيقها.. إنها تنمية للحس الجماهيري بثقافة إدارية جديدة في مجال التربية والتعليم، فهل تلقى قبولاً لدى الأطراف المعنية، وهل تجد صدى من الحريصين على مستقبل التعليم في وطننا الحبيب، وهل من الممكن أن تثير جدلاً يسهم في بلورتها إلى صورة تحقق غاياتنا الوطنية.. هذا ما نأمله.