وبدأ الحلم يتحقق، حلم شعب بأكمله، بل حلم أجيال عاشت وماتت في انتظار اللحظة التي يدرك فيها هذا الحلم معنى الحقيقة. نعم لقد كان حلماً ليس كالأحلام، ففيه تلامس الجنة بجسدك الملقى على هذه الأرض وتتنفس أريجها دون أن تراها، فيه ترى السعادة تعانق الحياة، وموجات اللذة تجتاح شواطئ النفس، لا تدرك له كنهاً، فهو أمل وهو غاية وهو قصد هذه الحياة. إنني في حالة ذهول بل حالة انتعاش، أحقاً سيتحقق؟ أحقا سيتحقق؟ لا، لا، أظنكم تضحكون علينا، أحقاً بعد هذا العمر الطويل المليء بحكايا الوالد الحزين عن الوطن وعن قريتنا وعن كروم العنب وعن جدي الذي ترى في تقاسيم وجهه أسطورة الحزن الأزلي التي يعيشها شعبي المظلوم. أحقاً سنرجع، أحقاً سيكون لنا وطن، أحقاً عندما أقول إني فلسطيني فذلك يعني أن هناك شيئاً ما على الخريطة يدعى (فلسطين) ذا حدود ودولة وجيش وشعب ككل بلاد الدنيا؟أتراني أحلم أن حلمي يتحقق، أأكون قد لمست طرف الجنون في هذا العمر، أتكون تلك الحكايات قد خلقت لي دنيا أخرى أعيش فيها لتعيش معي بعيداً عن بشاعات هذا الواقع؟إن كان حلماً لا أريد أن أفيق، لا لا، لا اريد أن أفيق، أتركوني أعيش في هذا الحلم أو يعيش في الحلم، ولكن ها هو التلفاز يبث بكل قنواته مشاهد انسحاب قوى الاحتلال من أراضينا المقدسة وها هو يحمل رذائله بعيداً عن أرضنا.إذن أنا لست بحالم وإنما أنا في الواقع، ياه، كم أنا سعيد، بل كلمة سعيد لا تنفع ولا أعرف لغة في العالم تصف مشاعري أو حتى تلامسها، فأنا في نشوة لا أستطيع لها وصفاً فكل ما في هذه الدنيا جميل، فإني الآن ألتمس الجمال في كل شيء حتى في البشاعة ذاتها.نعم هو حقيقة لابد أن نعيشها ونستمتع بكل لحظة فيها وندع خيالات التشاؤم ترحل من مخيلتنا وتتركنا في لحظة الفرح ببدء تحقيق الحلم، نعم تحقيق الحلم.