مسؤلي سياحة أجنبية : نطمح لزيادة حركة التبادل السياحي مع المملكة    الداخلية المصرية تصدر بيانا بعد اختفاء مواطن سعودي    محرز يرد على بيتكوفيتش: كنت أود العودة للمنتخب لكن لم أتلق أي اتصال    والدة الزميل طارق علي من الرضاع في ذمة الله    مدرب النصر: فريقي جاهز لنهائي كأس خادم الحرمين.. وأتمنى أن يكون الحكم موفقًا    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس الصومال    الأمن العام: أكثر من 20 ألف وافد خالفوا تعليمات الحج    النيابة: الحكم بالسجن 5 سنوات لوافدين لتحرشهما بوافد آسيوي    شراء مبكر لصكوك وإصدار جديدة ب64 مليار ريال    خيسوس يحرج كاسترو في نهائي أغلى البطولات    النفط يتراجع وسط انخفاض الطلب.. وانتظار بيانات المخزونات الأميركية    "ساما" تضع حداً أقصى لرسوم الخدمات البنكية    تعديل آلية الفرز في بوابة قبول الطالبات    المملكة ضيف شرف معرض بكين الدولي للكتاب 2024    استئصال ورم ضخم من مبيض مريضة بالبكيرية    استشهاد سبعة فلسطينيين في قصف للاحتلال الإسرائيلي على مركز إيواء شمال قطاع غزة    أمير القصيم يكرم 7 فائزين بجائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز    حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة تبوك    قطاع القحمة الصحي يُقيم فعالية "اليوم العالمي للتدخين"    جوازات مطار الملك عبدالعزيز بجدة تستقبل رحلات ضيوف الرحمن القادمين من سوريا    انتظام لاعبي الأخضر في معسكر الرياض    الخريف يبحث في هولندا توطين الصناعات الطبية    هلال الباحة يشارك في اليوم العالمي للتمريض    سفارة السعودية في المجر تنبه المواطنين بضرورة الابتعاد عن مناطق المظاهرات في بودابست    الانضباط ترفض شكوى الاتحاد ضد مالكوم وسعود    فرع الإفتاء بمكة المكرمة ينفذ سلسلة دروس علمية    سفير المملكة لدى المغرب: مبادرة طريق مكة أسهمت في تقديم خدمات متطورة ذات جودة عالية    "فلكية جدة": القمر في التربيع الأخير.. اليوم    تدشين فرع الصندوق الجديد بالهوية المعمارية المحدثة في جدة    محافظ الدوادمي يترأس الاجتماع الثاني للمجلس المحلي    وزير الخارجية يشارك في الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي الصيني    وزير الخارجية يصل الصين للمشاركة في منتدى التعاون الصيني العربي    رياح مثيرة للأتربة على منطقتي مكة والمدينة وارتفاع ملموس في درجات الحرارة العظمى بالشرقية    مطالبة شورية بزيادة الرحلات الداخلية وإنشاء مطارات    سمو أمير منطقة الباحة يناقش في جلسته الأسبوعية المشروعات التنموية    إمارة منطقة مكة تشارك بمعرض ( لاحج بلا تصريح ) بمحافظة الطائف    حسام بن سعود يكرّم 29 فائزاً وفائزة بجائزة الباحة    صوت صفير البلبل.. التفكير خارج الصندوق    عبيد التفاهة.. وقاحة حمقى.. قباحة خرقى    أمير حائل يرعى التخرّج الموحد للتدريب التقني    جانب الظل    بين الإيمان والثقة    حجاج بنغلاديش: «ضيوف خادم الحرمين» امتداد لعطاءات المملكة بخدمة الإسلام والمسلمين    حل طبي يمكّن المكفوف من «رؤية» الأجسام    وزير الداخلية يدشن عدداً من المشروعات في منطقة جازان    العلاج بالخلايا الجذعية إنجاز علمي للشفاء من السُّكري تماماً    هذا السبب يجعلك تنام وفمك مفتوح !    محاولات فك الشراكة السعودية - الأمريكية !    أهمية الطيران في الاقتصاد السعودي    بداية من الموسم الرياضي الجديد 2024-2025 .."حراس المرمى" في دوري "يلو" سعوديون    ضمن رؤية المملكة 2030 .. الهلال الأحمر يستعد لخدمة ضيوف الرحمن    تكثيف الحشد الدولي للاعتراف بدولة فلسطين    تعزيز التعاون القانوني مع كوريا    أمير الشرقية يتفقد خدمات المستفيدين بالإمارة    إطلاق جائزة الفريق التطوعي بالقصيم    مايو زعيم التوعية الصحية عالميا    وزير الداخلية يلتقي القيادات الأمنية في منطقة جازان    6 أنشطة ابتكارية عالمية لسعوديين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفئة الضالة مختلة شرعيا وفكريا وسياسيا وحضاريا ودعويا
إمام وخطيب جامع ابن باز بجدة ل« الجزيرة »:
نشر في الجزيرة يوم 16 - 05 - 2004

الشيخ علي بن حمزة العُمري إمام وخطيب جامع ابن باز بجدة ومدير معهد ابن باز لتدريس القرآن والسنة بجدة جاء معنا في هذا الحوار ليضع النقاط على الحروف حول ما يحدث هذه الأيام من فتن أشعلها فتية ضالة حادت عن الطريق القويم وعاثت في الأرض فساداً وقتلاً وترويعاً دونما وازع من دين أو تأنيب من ضمير.
الدكتور علي الذي يقف على هرم وعظي دعوي إرشادي توعوي؛ كونه خطيباً في واحد من أهم وأكبر المساجد بجدة جامع ابن باز، ولأنه واحد من أولئك الذين ناقشوا قضية الإرهاب الدخيلة بموضوعية علمية ونفسية من خلال المنبر ومن خلال محاضراته القيمة، أجاب على تساؤلات الجزيرة المطروحة في هذا الجانب بتحليل مفصل يشير إلى مواضع الداء وسبل الدواء.
وأشار فضيلته إلى أن القضية في الإرهاب جاءت من وقوع البعض في أحادية النصوص وتقييدها بما يرونه، وأن مشكلة هذه الفئة في عقلها لا في ضميرها، وأن العودة إلى الحق ليست عيباً، سيما أن المجتمع الإسلامي أصيب ويصاب بعشرات الخسائر جراء هذه الأعمال الإرهابية.
* فضيلة الدكتور علي، والأمة الإسلامية تمر بأحلك الظروف بصفة عامة.. وبلادنا تتعرض لهجمة شرسة لخلق البلبلة بصفة خاصة.. كيف تنظرون لهذا الظرف الحالك (الواقع) الذي بات يؤرق هذا البلد الآمن بأيدي أبنائه الذين وُلدوا على أرضه واستظلوا بسمائه؟
- إن غياب (فقه الواقع) بمعناه الشمولي الصحيح هو الذي سبب هذه الخلخلة الفكرية لدى هذه الطائفة من أبناء هذا البلد المبارك. إذا كانت الأمة تعاني المر والويل من الأعداء في الخارج فهل من الحكمة أن نجر المسلمين في الداخل إلى معارك دموية؟!
هل من فقه الواقع أن ننظر إلى آلام وجرام إخواننا المسلمين في الخارج ونرقص على أشلائنا في الداخل؟!
إن موازين كثيرة عند هذه الفئة مختلة، سواء أكان على الميزان الشرعي أو الفكري أو السياسي أو العمراني الحضاري أو الفقه الدعوي أو المصلحي، كل ذلك أراهم في غياب عنه. ثم إن من فقه الواقع فقه واقع النفس أولاً قبل الواقع المحيط بالمرء. ما هي النتيجة والفائدة التي جنتها النفس من إثارة زوبعة، وتعريض النفس للقلق المستمر طيلة الحياة؟! ولا أرى أن مثل هذا المنهج الخاطئ سيصلح أصحابه إلا إذا أُعيدت هيكلة عقولهم من جديد على المنهج الإسلامي الشمولي الواعي الرشيد.
* فضيلة الدكتور علي، مما يتكئ عليه الإرهابيون في ادعاءاتهم أنهم يستندون على آيات وأحاديث تبيح لهم جرم المواجهة والقتل والترويع والخراب.. كيف يرد الإسلام المنزَّه عن ذلك على هؤلاء؟
- مشكلة كثير من المسلمين المثقفين، بل وللأسف حتى مَن ترقَّى في علمه حتى حاز بعض الأوسمة العلمية، أو ممَّن أنالها له الإعلاميون وأصحاب الحزبيات أو خبراء مواقع الإنترنت، أقول: هم كذلك وقعوا أسر أحادية النصوص أو تقييدها بما يرونه، وهذا الخلل سببه ضيق الأفق، وطبيعة البيئة التي تحيط بهم والتي ربما تصر على تمسكهم برأيهم ولو كان الرأي مرجوحاً، إضافة إلى قلة الورع والتقوى.
أعود لأقول: إن هذه الفئة مشكلتها في عقلها لا في ضميرها، فهم مسلمون وعندهم جوانب خير، ولكن هذا لا يكفي لتبرير أو تمرير الخطأ؛ لأن الإنسان مسؤول عن كل أعماله وتصرفاته المنبعثة منه {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}، و(الفؤاد) في الآية هنا المقصود به العقل وليس القلب.
فإعمال العقل واجب، وإلغاؤه جريمة يحاسب عنها الإنسان يوم القيامة. وإن ما أخشاه أن يتحول فهم النصوص إلى طريقة مَن ألغوا عقولهم فقالوا {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ}، فكل مَن حكَّم الحياة على رأي سادته وشيوخه وأرباب فكره على حساب الشرع الواضح فهو مسؤول عن تصرفه هذا وخيانته لأمانة العقل التي أُكرم بها.
ونص الشرع لا يتعارض مع فهم العقل؛ لأن النص القطعي يؤمن به صاحب العقل المؤمن، والنص الذي يقبل إعمال العقل للفهم والإدراك للمعنى هو مناط العقل. ولكن أن يختزل العقل ما يشاء من نصوص، ويعرض على نفسه والناس ما يشاء من نصوص، ويُرضي مَن يتقرب إليهم باختيار ما شاء من نصوص ليلغي أو يؤول نصوصاً أخرى، فهنا الخلل. ولنمثل الآن على شيء مما يفكر به هؤلاء المقاتلون لإخوانهم المسلمين.
استدلالهم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب). هذا نص صحيح صريح، ولكن السؤال: مَن هم الذين يجب إخراجهم؟ ومتى يتم إخراجهم؟ وكيف يتم إخراجهم؟ ومَن هم الذين سيخرجونهم؟
أربعة أسئلة مهمة تطرح نفسها حيال هذا النص النبوي الشريف.
قبل أن نبدأ بالإجابة كذلك على هذه الأسئلة يجب أن نستحضر النصوص ونقرأ السيرة؛ لنعرف من خلالها واقع المشركين في جزيرة العرب.
فإننا نجد مثلاً أن أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه- قُتل من قِبَل أبي لؤلؤة المجوسي، وعلي - رضي الله عنه- قُتل بطعنة من مجوسي، والمجوس مشركون ولا شك. إذاً هذا يعني أن المجوس كانوا موجودين مع المسلمين في المدينة وفي عهد الفاروق وعليٍّ. إذاً هل إخراج المشركين من جزيرة العرب يلزم منه إخراج الجميع، أم المقاتل منهم أو الداعي إلى شركه كما يقول جمع من الفقهاء؟ أم أن جزيرة العرب المقصود بها منطقة معينة جهة الحجاز ومكة؟
ثم يجب أن نقول بعد ذلك: كيف يتم إخراجهم؟ هل برفع السلاح عليهم؟ هذا لم يفعله أحد من الصحابة. هل بإجبارهم؟ هذا لا يمكن؛ لأن الصحابة لم يطردوا أهالي مَن قتل عمر وعلياً من المجوس.
ثم بعد ذلك متى يتم إخراجهم؟ هل كل مشرك وُلد في الجزيرة العربية وهو على دين والده المشرك يجب إخراجه؟ وهل إذا كبر وعمل لمصالح المسلمين وتعايش معهم بالمعروف ولم يظاهر عليهم أحداً، هل كذلك يحب إخراجهم؟
كل هذه الأسئلة السابقة أردت من خلالها أن أُبيِّن خطورة النظرة الخاطئة للنص دون فهم واقع السيرة ومعنى منطوق النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا فإن السبب الأول والكبير في اختلال موازين طائفة التكفير هو عدم فقه النصوص الشرعية فقهاً واسعاً شاملاً.
ولو أردنا أن نبحث عن السبب الثاني لانحراف هذه الطائفة، فهو غياب مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولذا فإنهم يرون أن استباحة دماء المستأمنين من الأمريكان وغيرهم، وتهديم المباني هو من باب النهي عن المنكر الذي يزاوله الأفراد أو الحكومة.
ولكنهم غفلوا تماماً أن النهي عن المنكر له شروط معروفة واضحة عند أولي العلم والبصيرة، وهي:
1- أن يكون المنكر مجمعاً عليه.
2- أن يكون المنكر ظاهراً.
3- أن تكون إزالة المنكر لا تؤدي إلى منكر أكبر منه.
فهل وجود المستأمنين في مجمع المحيا منكر أجمع عليه فقهاء الأمة اليوم؟ اللهم لا، إلا بعض المفتين من هذه الطائفة.
ثم هل من دليل واضح أن هؤلاء المستأمنين يظاهرون المسلمين ويقاتلونهم ويعينون على قتلهم؟ ثم ما النتيجة وراء قتلهم واستباحة دمهم إلا عشرات الخسائر على المسلمين، وفتح باب الأعداء للنيل من المسلمين، وخسائر كثير من المصالح في وقت نحن بحاجة إلى تخفيف مصاب المسلمين، وحقن دمائهم، وعدم فتح الباب لاستئصال شأفتهم؟
إذاً نستطيع القول: إن هذه الفئة لا تفقه ولا تعي -والله- معنى النهي عن المنكر.
ثم ها هي النتيجة المتوقعة للفتيا الخاصة التي أذنوا بها لأنفهسم بحجة مساعدتهم للسلطان. فيا سبحان الله! رجل أمن في شارع يقف على حاجات الناس (ابن السبيل) ويسهر ليله، ويتعب بدنه، ثم تكون النتيجة القتل؟!
ورجل أمن وراء جهاز كمبيوتر يسعى لتيسير مصالح المسلمين، ثم يكون هذا جزاءه؟
إذاً السبب الثالث من أسباب الوصول للمنهج التكفيري الدموي ضيق الأفق والبطانة التي تدَّعي العلم.
إضافة إلى أسباب أخرى، ولكن هذا ما أحببتُ أن أُبيِّنه هنا كدليل، وليس كاستيعاب شامل لضلال هذه الفئة التكفيرية الدموية.
* فضيلة الدكتور علي، هناك مَن يرى أن ترك الفرصة لمَن ليس لهم عمق في الدين، سواء من خلال الدراسة أو التحصيل أو العلم، في التحدث باسم الدين وهم خواء أدَّى إلى وجود مثل هؤلاء الذين أوجدوا مرجعية لهم تتسم بالجهل وعدم الاعتراف بالعلماء.. والتي وصلت في غلوها إلى إباحة قتل المسلم وغير المسلم؟
- هذا يمكن ولكنه قليل؛ لأن الأعم الأغلب أن هؤلاء تشرَّبوا الفكرة عن قناعة؛ لأنه ليس من السهل على النفس حمل السلاح وتعريضها للخطر كما قال المتنبي:
يجود بالنفس إن ضنَّ البخيل بها
والجود بالنفس أغلى غاية الجود
فتعريض مهجهم للمخاطر لا يكون إلا عن قناعة تامة غالباً. ولذا فإن جلَّ هؤلاء اقتنعوا بالعلم الذي تلقوه، وهو العلم المشوه، أو المزيف، أو المغشوش. وبعضهم لم يكن هذا أو ذاك، إنما عن ردة فعل، أي باختصار عن قلة فهم وحكمة وقلة صبر غيَّبت فيهم شيئاً من أسس العلم.
* فضيلة الدكتور علي، وإذا كان القرآن هو الدستور الأول لنا وللمسلمين أجمعين، والذي يجيز بالدليل زواج المسلم من الكتابية.. وهو ما يعني صلة رحم وسكنى وقربى ولحماً ودماً.. وأقارب لذوي الزوجة بذوي المسلم.. واتصالاً وتعارفاً ومواثيق.. فكيف نقف مع حديث بأنه يجب ألا نتعامل معهم أو يعيشوا معنا في جزيرة العرب أو نتعامل معهم.. أليس الأخذ بالآية يجب أولاً؟ هذا جانب من السؤال.. والجانب الآخر.. كيف نعيش بمنأى عن العالم ومصالحنا مشتركة ومتداخلة بما لا يمكن الفكاك منها، هذا إذا ما ناقشنا هذه الجزئية بمنطقية عملية وليس تنظيراً وحماساً؟
- يجب كما قلتُ سابقاً استقراء النصوص الشرعية الصحيحة كلها، ومن ثَمَّ معرفة فهم هذه النصوص من خلال أقوال وأفعال الصحابة، وكلام أئمة العلم فيها، هذا ما يجب أولاً. ثم بعد ذلك نبدأ النظر في المسألة المطروحة ونحلل جوانبها المختلفة.
الله تبارك وتعالى يقول في سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء}. ما هو يا ترى المقصود؟ هل المقصود ألا نتعامل معهم في شؤوننا الحياتية؛ كتبادل المنافع الإنسانية والمصنوعات المختلفة؟ هذا لا يمكن؛ لأن المجتمع النبوي كان يتاجر مع الكافرين، بل إن ملابس النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت أقمشتها تأتي من الشام، والشام آنذاك كافرة، ولم يوجد أي مصنع للمنسوجات إلا في وقت متأخر. إذاً ما معنى الولاية؟
الجواب: ما ذكره الإمام الفخر الرازي في تفسير الآية بشكل واضح؛ حيث بيَّن أن الولاية ثلاثة أنواع:
1- ولاية الكافرين في المصالح الدنيوية التي تخدم المسلمين دون أن تمس دينهم، فهذه ولاية مصالح، وهي جائزة (كتبادل المصنوعات والمزروعات التي تنفع المسلمين).
2- ولاية الكافرين بمعنى محبتهم والتودد لهم لكفرهم وقناعةً بمنهجهم، فهذا كفر.
3- ولاية الكافرين بمعنى التعاون معهم للمصلحة الشخصية؛ كالحفاظ على المنصب أو شيء من حطام الدنيا، مع عدم محبتهم لدينهم، وعدم القناعة بعقيدتهم ومنهجهم الكفري، إنما للدنيا، فهذه كبيرة من كبائر الذنوب.
وحينئذ يجب أن نضع كل شيء في موضعه الصحيح، ونتعامل معه بطريقته الصحيحة. لقد كان في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- منافقون حوله، وهم أشد أثراً من الكافرين الواضحين، ومع ذلك لم يقتلهم جميعاً، ولم يستبح دماءهم جميعاً. القضية بحاجة إلى فهم النص، ومعرفة الحال والواقع، ثم بيان حكم الله تعالى فيه.
* فضيلة الدكتور علي، وهناك مَن يرى أن الجرعة الدينية لشبابنا وللمجتمع كبيرة جداً في المدارس.. وفي المساجد.. وفي المحاضرات.. وفي الوسائل الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية؛ حيث لم يعد للشباب فرصة للإبداع أو التنفيس من خلال نشاطات أو ثقافات أخرى؛ لأن النشاطات الأخرى التي تلامس اهتمامات الشباب منحسرة ومتوارية.. فلذلك تولَّد بعض الكبت أو الانغلاق.. هكذا يرى ويتداول البعض كأسباب لما يحدث؟
- ما كانت الجرعات الدينية عبر الوسائل المختلفة هي السبب في الانغلاق والكبت أبداً، والتاريخ كله يشهد، بل العكس هو الصحيح، إن البعد عن المنهج الديني الصحيح بمفهومه الشمولي هو الذي أدى إلى الخلاف والفرقة والنزاع. ولكن الإغراق في أجزاء من العلوم الشرعية دون شمولها، مع التركيز على الفرعيات والتمسك بها والحكم على الآخرين بسببها، سبب من أسباب الانغلاق والجحود، ولكن مَن تأمَّل حال الدورات الشرعية في بلادنا، والمراكز الصيفية في مدارسنا، وحلقات تحفيظ القرآن الكريم في مساجدنا، يلحظ بجلاء أنها تراعي كل جوانب الشاب المسلم، والشذوذ لا حكم له.
* فضيلة الدكتور علي، الحوار الوطني أتاح الفرصة لكافة الأطياف للإدلاء بآرائها بما يخدم الوطن والمجتمع؛ إذ لم يعد مقبولاً لدى الجميع التفرد بأحادية الرأي.. المهم أن تصب الآراء في خدمة الوطن.. كان لكم رأي في ذلك.. هلا حدثتمونا عنه.. سيما وأن الحوار الوطني جاء ليستمر ويثمر؟
- الحوار على العموم فيه خير كثير، ونفع عظيم، خاصة إن كان بين المسلمين، فهو يقرِّب ولا يبعد، ويجمع ولا يفرِّق، إن كان بالمنهج الصحيح. وخطوة الحوار الوطني خطوة رائدة إن استمرت بالمنهجية الإسلامية في أصول الحوار، وكانت بشفافية وبأسس واضحة ومعايير منصفة في الاختيار للمشاركين وللموضوعات المختارة، وللوصول للنتائج النافعة بالطرق الرشيدة التي ذكرها المجتمعون لمصلحة الوطن وفق منهج الإسلام أولاً وآخراً.
* فضيلة الدكتور علي، هل صحيح أن ثمة بوناً متسعاً بين بعض رجال الدين والمجتمع في الحوار.. وأقصد تبادلية الآراء والإنصات لآراء الآخرين وعدم تسفيهها واحترامها لمجرد اعتبار أن المجتمع مقصِّر في بعض الأشياء الشكلية أو السطحية مما ولَّد تنافراً وتباعداً بين الطرفين؟
- نعم، هناك قصور في ذلك؛ لأننا اليوم خاصة في عالم واسع، ووسائل التقنية والاتصال متطورة، فهذا يلزم الدولة المسلمة ورجال العلم والدعاة أن يجتمعوا للقرب من أفراد المجتمع، أن يسمح للعالم وللخطيب وللمدرس وللمفتي والمربي أن يتحدثوا بشكل أخوي ومنفتح وبموضوعية، من دون تقييد أو تحجيم أو سطحية أو شكلية أو انتقائية. البلد كبيرة، والدعاة الحكماء، والخطباء الواعون، والمرشدون المربون كثير والحمد لله. وهم أكثر الناس تأثيراً في المجتمع، فيجب في هذه الفترة القرب من الناس والشباب خصوصاً، وإشاعة فقه الوعي والبناء الحضاري الذي يرشدنا إليه الإسلام، ولن يتم ذلك إلا بالحوار الصادق بشكل واسع، وبالسماح للخطباء والدعاة والعلماء أن يؤدوا دورهم بكل شفافية وموضوعية وإنصاف.
* فضيلة الدكتور علي، في الحوار الوطني طرحتَ ورقة عمل عن المناهج مدعمة بالأدلة تؤكد أن المناهج تولِّد بعض الشحن والاحتقان، ليس ضد الآخر ممن يخالفون، ولكن ضد مَن يجمعنا بهم الدين الإسلامي ولكنهم يختلفون في المنهج والمذهب والطريقة.. هل ترى أن المناهج تحمل ذلك.. هذا أولاً.
ثانياً: هل يمكن أن تخفف حدة النقاش مع الآخرين من المسلمين أو من غير المسلمين؟
- المناهج صنع البشر، والبشر يصيبون ويخطئون، وضرورة تطوير وتحسين وتجديد وتيسير المناهج أمر ملح، وبشكل دائم، حتى لو كانت المناهج دينية. لكن أن تنتخب كلمات من هنا وهناك، وتؤول أنها سبب من أسباب الشحن والاحتقان وتوليد الإرهاب فهذا ليس من الصواب. والدليل هل كانت هذه المناهج تولد الإرهاب طيلة هذه العقود ولم تظهر إلا اليوم؟! وهل صحا الغيورون اليوم وناموا بالأمس؟!
باختصار، نريد مراجعةً لا رجوعاً، نريد تصحيح الخطأ وتطوير الموجود قدر ما يمكن. لكن لا أن تكون شماعة المناهج متنفساً لتبرير الاختلافات والشقاقات.
ثم القضية الأخطر هي في فهم وانتقائية بعض الطوائف لبعض ما في هذه المناهج، وهذه محسوبة على العقلية والمنهجية الفكرية، لا على الكلمات المكتوبة، وتحميل النصوص ما لا تحتمل. ويؤسفني أن أوضح هذا المعنى بهذا المثال: لقد شنَّ البعض حملة على كتب الأستاذ الكبير سيد قطب رحمه الله، علماً أن في بعضها خطأً، ولكن في كتبه الأخرى ما يزيل أو يوضح ما ذكر في أحد كتبه التي أخطأ فيها، فجاء من أبناء العصر مَن يجعل فكر ومنهج الأستاذ الكبير سيد قطب -رحمه الله- خاطئاً لوجود فكرٍ فُهم أو لربما كُتب خطأً.
وهذا المثال شبيه تماماً بمَن تحدَّث عن مناهجنا ووصل إلى نفس النتيجة وللأسف. والحكمة الراشدة العاقلة المنصفة هي التي تعالج الأمور بالحق والعدل إذا ما أردنا أن نكتب منهجاً حقاً عدلاً ليقبله الناس بحق وعدل، وليكونوا بعد ذلك أهل حق وعدل.
* فضيلة الدكتور علي، ما حدث في تفجيرات الوشم بالرياض وقتل لرجال الأمن في كافة أنحاء المملكة ومحاولة قتل الآمنين في جدة خلال الأسبوع الماضي.. دلَّ على أن الإرهابيين لا يلوون على شيء.. وأنهم في طريقهم لقتل رجل الأمن والمواطن والمقيم.. كيف تنظرون إلى ذلك؟
- هذه التفجيرات التي تمت في مدينة الرياض وغيرها لا يرضاها أبداً العلماء ولا شباب الصحوة ولا أبناء الدعوة وطلاب العلم في هذه البلاد، فضلاً عن عموم المواطنين والمقيمين.
فلا هي من الناحية الشرعية مقبولة، ولا من الناحية الإنسانية مقبولة، ولا من الناحية العمرانية الحضارية مقبولة، ولا من الناحية المنطقية العقلية مقبولة.
هل من منهج الإسلام فتح باب الفتن وإسالة الدماء وترويع الآمنين؟!
هل من منهج الإنسانية إدخال الرعب في قلوب الناس الآمنين، وتجميع المصابين في المستشفيات؟!
هل من منهج العمران والحضارة هدم المباني التي تخدم الإنسان؟!
هل من منهج العقل الراشد الدخول في صراع نفسي، وإعطاء فرصة للأعداء للشماتة بالمسلمين، بل وبالتضييق عليهم؟!
إنني أناشد كل شاب مسلم في قلبه إيمان، وهو لا يزال على هذا الخط، أن يراجع حساباته، وأن يتذكر أن السلم من منهج الإسلام مع المعتدين لمصلحة المسلمين ولحقن الدماء، فكيف مع إخوانه المسلمين وفي بلد الإسلام؟!
فكفى إسالةً للدماء، والسلامة خير لا عيب، والأيام تغفر للعائد للحق، الراجع عن الفكر الذي لا مصلحة فيه والله. عسى الله أن يعيدهم إلى رشدهم، وينفع بهم أمتهم ووطنهم المسلم، وأن يكفينا شر الأشرار، وكيد الحاسدين والفجار.
* فضيلة الدكتور علي، ترأسون تحرير مجلة الفتيان وموقع لأجل الشباب في الإنترنت.. دعني أسأل فضيلتكم: هل ترون قوبلة الطرح الصحفي في المجلة وفي المواقع بأن تكون أبوابها وطروحاتها بالمنهجية الإسلامية التي لا تتيح النفاذ إلى أبوابها بنشاطات وإبداعات أخرى تلامس اهتمامات السواد الأعظم من المجتمع؟
- مجلة الفتيان مجلة شبابية إسلامية متنوعة. والإسلام هو دين الحب والسماحة والتنوير والهدى. الإسلام شامل لنظام الحياة كلها (إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولبدنك عليك حقاً، ولضيفك عليك حقاً).
نحن في مجلة الفتيان نغذي العقل، وننشط الفكر، ونسلي النفس، ونفسح المجال للمبدع في الفنون، والتوجيه، والنشاطات المختلفة.
وفي موقع (4shbab.com) نعيش مع الشباب في كل شؤونه المختلفة الروحية، والفكرية، والأخلاقية، والجمالية، والإعلامية، والاقتصادية، بل وحتى ما يثقفه في نواحي حياته المختلفة.
يجب أن نقول: إن الإسلام هو مدرسة شاملة وافية لكل إنسان. والمشكلة فينا نحن المسلمين يوم لم نفهم إسلامنا فهماً حقيقياً شاملاً، ويوم نقرأ عن إسلامنا في كتابات كل عالم ومربٍّ ومفكر إسلامي فسنجد أن الإسلام فتح أبواباً واسعة يسبح فيها الشاب المسلم بكل أريحية في دنيا الحياة. وإنني على هذا المنهج إن شاء الله وبقية إخواني دعاة الإسلام في هذه الجزيرة المباركة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.