جمعية نجوم السياحة بمنطقة جازان تشارك في فعالية "ثقف" بنسختها الثالثة    السعودية تُرحب بالتوقيع على إعلان مبادئ بين الكونغو وتحالف نهر الكونغو    رغم إعلان وقف إطلاق النار.. خروقات في السويداء وعدد القتلى يرتفع إلى 940    برشلونة يتعاقد مع ماركوس راشفورد بنظام الإعارة    تين هاغ غير منزعج رغم خسارة ليفركوزن بخماسية وديا    تير شتيغن سيخضع لجراحة في الظهر مما يهدد مصيره مع برشلونة    القبض على 12 إثيوبيا في جازان لتهريبهم 320 كجم «قات»    أمير منطقة جازان يفتتح مبنى فرع وزارة "الموارد البشرية"    حسام حبيب: السعودية أصبحت مركزا فنيا عالميا    514 مليار ريال الصادرات غير النفطية السعودية في 2024    مركز الملك سلمان للإغاثة يوزّع مساعدات غذائية وإيوائية للنازحين من محافظة السويداء إلى محافظة درعا    مجلس الجمعيات الأهلية بجازان ينفذ لقاء التواصل الثالث مع ممثلي الجمعيات بالمنطقة    المملكة تحصد 7 جوائز دولية في الرياضيات والمعلوماتية    صدور قرار تقاعد مدير مكتب التعليم بطريب والعرين الأستاذ حسين آل عادي    الداخلية : ضبط (23167) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    حرائق الغابات تلتهم 6 ملايين هكتار في كندا حتى الآن    رياح نشطة وأتربة مثارة في عدة مناطق    الفريق الفتحاوي يواصل تدريباته بحضور رئيس النادي    الاتحاد يضم الغامدي حتى 2023    بوصلة إيزاك تتحول من ليفربول إلى الهلال    إنقاذ 18 عاملًا في منجم ذهب بكولومبيا    الأسهم الأمريكية تغلق على تباين    تراجع أسعار النفط    مقتل ثلاثة أشخاص في انفجار بمركز تدريب للشرطة في لوس أنجلوس    البرازيلي "شاموسكا" مدرباً للتعاون مجدداً    أمير الشرقية يدشّن المخطط العام لمطار الملك فهد الدولي... الأحد    إدارة "النصر"تعيّن البرتغالي"خوسيه سيميدو"رئسياً تنفيذياً    "وِرث" و"السودة للتطوير" تطلقان برنامجًا تدريبيًّا لفن القط العسيري    1.9 مليون مصلٍ بالروضة الشريفة وأكثر من 3.4 مليون زائر للنبي صلى الله عليه وسلم    المعيقلي: «لا حول ولا قوة إلا بالله» كنز من كنوز الجنة    حسين آل الشيخ: النميمة تفسد الإخاء وتورث العداوة    أبعاد الاستشراق المختص بالإسلاميات هامشية مزدوجة    حملات إعلامية بين «كيد النساء» و«تبعية الأطفال»    إنقاذ مريضة تسعينية بتقنية متقدمة في مركز صحة القلب بمدينة الملك سعود الطبية    جراحة تنهي معاناة مريضة من آلام مزمنة في الوجه والبلع استمرت لسنوات ب"سعود الطبية"    تجمع مكة الصحي يفعّل خدمة فحص ما قبل الزواج بمركز صحي العوالي    اختتام أعمال الإجتماع الأول للجان الفرعية ببرنامج الجبيل مدينة صحية    خارطة لزيادة الاهتمام بالكاريكاتير    معادلة عكسية في زيارة الفعاليات بين الإناث والذكور    مهند شبير يحول شغفه بالعسل إلى علامة سعودية    السعودية: نرفض كافة التدخلات الخارجية في سوريا    جامعة الإمام عبد الرحمن تختتم فعاليات برنامج موهبة الإثرائي الأكاديمي    (إثراء) يعلن عن فوز 4 فرق في المنافسة الوطنية لسباق STEM السعودية    برنامج تطوير الثروة الحيوانية والسمكية يعلن توطين تقنية «فيچ قارد»    المملكة تعزي العراق قيادة وحكومة وشعبًا في ضحايا «حريق الكوت»    أمير منطقة جازان يستقبل وكيل الإمارة والوكلاء المساعدين الجدد    المدينة المنورة تبرز ريادتها في المنتدى السياسي 2025    الأولى عالميا.. التخصصي يزرع جهاز دعم بطيني مزدوج بمساعدة الروبوت    المفتي يستعرض أعمال "الإفتاء" ومشاريع "ترابط"    د. باجبير يتلقى التعازي في وفاة ابنة شقيقه    إسرائيل تكثّف ضرباتها على سوريا رغم تعهدات التهدئة.. اشتباكات دامية في السويداء والجيش يفرض السيطرة    20 قتيلاً.. وتصعيد إنساني خطير في غزة.. مجزرة إسرائيلية في خان يونس    ضبط 275 كجم مخدرات والإطاحة ب11 مروجاً    وزارة الحج والعمرة تكرم عمر بالبيد    نيابة عن أمير عسير محافظ طريب يكرم (38) متفوقًا ومتفوقة بالدورة (14) في محافظة طريب    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عون أبو طقيقه    عزت رئيس نيجيريا في وفاة الرئيس السابق محمد بخاري.. القيادة تهنئ رئيس فرنسا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التشاؤم في شعر ابن الرومي
نشر في الجزيرة يوم 20 - 09 - 2003

من يتنقل بين أبيات ابن الرومي في ديوانه، يشتم رائحة التشاؤم القوية، المنبثقة من بين ثنايا قصائده، تلك النبرة التي تنتزع الدموع من عيني قارئها، وتشيع الحزن بلا تصنع.
امتاز هذا الإنسان المسحوق بهذه الخاصية، وهزمه، بل وخلّد ذكره حظه النحس ونفوره من البشاعة، فاختلف عن زملائه الشعراء على مر الدهور بالسخرية «العلقم» الشامتة، والناقدة لكل ما في الوجود.
وقد اختلف تشاؤم هذا الشاعر المغبون، وتنوع في أشكال مختلفة، بداية بأشخاص معينين من هيئاتهم، مروراً بأسماء، وصفات محددة ومخصصة، وانتهاء بالتشاؤم من الدنيا بأسرها.
من أوائل ذلك، انه ما كان يرى جاره الأحدب المقابل له من ثقب باب داره، إلا ويعود أدراجه، مغلقاً الأبواب على أهله مقيماً في بيته، وقد ذكره في بيتين:
قَصُرَتْ أَخَادِعُهُ وغارِ قذالُه
فَكأنه مُتَربِّصٌ أن يُصفَعا
وكأنما صُفعت قَفاه مَرّةً
وأحسّ ثانية لها فتجمّعا
فها هو عندما يصفه يوضح سبب تشاؤمه، ليسمه بوصف دقيق جمع بين الصور الحسية والنفسية، التي يشعر بها القارئ عند تذوقه إياها.
أيضا كان شاعرنا يتشاءم بكاتب يُدعى «ابن طالب»، إذ يقول فيه:
أزيرق شؤوم أحمر قاشر
لأصحابه نحس على القوم ثاقب
وهل أشبه المريخ إلا وفعله
لفعل نذير السوء شبه مقارب
فهو يراه وجهَ شؤم، أحمر الوجه دالاً على الشر والسوء، ولم يشبهه بالمريخ إلا بجامع انه نجم جعله التنجيم والخرافات نذير حروب وفتن.
ومن الملحوظ أيضاً تشاؤمه، ونفوره من ألفاظ لعبت اللغة فيها دوراً بالتصحيف، والقلب، والاشتقاق، لتحوي معاني سيئة: فاسم «عمرو» يحوله الى «عير»، ثم يخاطبه:
يا عَمْرو لو قُلبتْ ميمٌ مُسْكَنَة
ياء مُحرَّكة لم تُخْطِئ الفَقَر
فهو بطبيعته المتشائمة يحور الاسم حاطاً منه، ومن شأن صاحبه إيغالاً في السوداوية.
أيضاً من بعض ما بدّل في معناه «الخان» وهو العمارة أو البيت الذي يقصده عابرو السبيل فيتذكر الخيانة حسب قوله:
فكم كان سفر خان فانفضّ قومهم
ما انفض صقر الدجن فوق الأرانب
وعندما نزداد عمقاً في بحور شعره، نجد النبرة الصارخة في رؤيته للدنيا المغلقة في وجهه، والجميع ينهض عداه كما يعتقد :
مالي أسل من القراب وأغمد
لم لا أجرد والسيوف تجرد
لم لا أجرب في الضرائب مرة
يا للرجال وإنني لمهند
ويقول:
لم أكن دون مالكي هذه اللأم
لاك لو أنصف الزمان المحابي
يستغرب حظه السيىء، فالكل يرتقي ويصعد المناصب بينما هو جالس لا يحرك ساكناً، وعندها يستهجن استغراب الناس من تطيره ووسوسته، وتلك النغمة
المشئومة في شعره:
إن أوسوس فحقيقٌ
يسعد المرء وينحس
فها هو حظه المنحوس يتبعه أينما سار، وهذه نظرته للحظوظ:
رأيت الذي يسعى ليدرك حظه
كسارٍ بليلٍ كي يساير كوكبا
يسير فلا يستطيع ذاك بسيره
وكيف وأنَّى رام شأواً مغرِّبا
وكأنه يريد ان يعلم الجميع بان ملاحقة الحظوظ تعدّ من أصعب الأمور وأشقاها،
فيرى أن سوء حظه ملاحق له حتى في أحلامه:
ولقد مُنعت من المرافق كلها
حتى مُنعت مرافق الأحلام
من ذاك أني ما أراني طامعا
في النوم أو متعرضاً لطعام
إلا رأيت من الشقاء كأنني
أُثني وأكبح دونه بلجام
إذن.. يعتقد ان حظه سيىء في جميع أحواله، يقظته ومنامه، حتى دعاه ذلك الى النقمة على المترفين، وعلى الحياة بشكل عام، فالغنى، والثراء يراه ويلتفت عنه متجاهلا إياه الى آخرين:
أيلتمس الناسُ الغنى فيصيبهم
وألتمس القوت الطفيف فيلتوي
وبذلك فحزنه ولوعته ليست ككل الناس، وغالبا ما يرد ذلك في مراثيه التي تقطر حزنا مثيراً لشجن أقسى القلوب:
وتسليني الأيام لا أن لوعتي
ولا حزني كالشيء ينسى فيعزب
ولكن كفاني مسلياً ومغربا
بأن المدى بيني وبينك يقرب
وها هو في موضع آخر يذم الدنيا ومصائبها التي أشابته قبل أوان المشيب، فيتمنى الموت، وأن العزاء لا فائدة فيه أبدا، ومن مات فهو خير له من الحياة:
لا يبعد الله أسلافا لنا سبقوا
ولو بقوا للقوا ما لا يحبونا
كيف العزاء وما في العيش مغتبط
ولا اغتباط لأقوام يموتونا
متى نعش فبلى الأحياء يدركنا
وإن نمت فبلى الأموات يقفونا
وأخيراً.. وبعد هذه الأوهام التي سيطرت على تفكير ابن الرومي، بلغ به الحال ان يعتقد ان ثمة روحا شريرة تسكنه وتلاحقه أينما سار، وهي التي تصد عنه الناس، وتجعل النحس رفيقاً ملازماً له، حتى خاطبه قائلاً:
بل تعاميت غير أعمى عن الحق
نهارا في ضحوة غراء
ظالما لي مع الزمان الذي
ابتزّ حقوق الكرام اللؤماء
وبعد هذا الحزن، والإحساس بالشؤم مدى الحياة لنتوقف متسائلين: ما الذي جعل شاعراً عملاقاً يعيش هذه الأوهام، وينطوي على نفسه، مغرداً بصوته الثقيل من وطأة الهموم، والشكوى ؟!
أعتقد وبعد القراءة، والبحث في سيرة ابن الرومي ان أسباب تشاؤمه، وتطيره كما تحلو التسمية عند البعض تتلخص في نقاط:
1 انتشار التنجيم، وعلوم الفلك في العصر العباسي.
2 الشعور بالدونية، والنقص، والعجز عن إثبات الذات.
3 العيوب الشخصية، والأمراض التي ألمّت به، من قصر قامة، وصلع بعد شيب مبكر في أيام الشباب، وضعف بصر وسمع، وتقوس في الظهر.
4 توالي المصائب عليه، بداية بوفاة أبيه، فولادته التي كانت متعسّرة، بعدها وفاة أمه، يتلوها أخوه، فزوجته، فأولاده !
5 فقدانه ماله، وما ورثه من أبيه ظلماً وغصباً، مما أصابه بنوع من الإحباط، والإحساس بالظلم، والقهر.
6 يرى بعض الباحثين ان للوراثة المزدوجة دوراً في هذه الشخصية الغريبة، فالتجاذب بين نفسية والده، ومزاجه اليوناني الواقعي الدنيوي، مع نفسية ومزاج أمه الفارسي الروحاني الجمالي، إضافة الى التوسط ما بين هاتين الثقافتين بعدما اعتنق الدين الإسلامي، جعل منه إنساناً متذبذباً ذا طبع ومزاج غريب غير متكافئ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.