إمرأة من وسط نجد.. تلك المنطقة العزيزة من بلادنا التي أنجبت وتنجب العديد من الرجال والنساء الذين كان لهم دور كبير في بناء هذا الوطن بعزة وكرامة ووفاء وتضحية. من هؤلاء «أم مساعد» التي جاءت شتلة من الكرم والوفاء والايثار والاخلاق الحميدة. جاءت من عائلة عريقة من المذنب لتصبح زوجة عمي المرحوم إن شاء الله عبدالله العلي السناني.. جاءت إلى مدينة عنيزة لتنقل أخلاقها الفاضلة إلى ابنيها مساعد وعبدالعزيز وشقيقتيهما لنعيش جميعاً ونترعرع في حارتي المقيبلة والمسهرية حيث يطل بيتانا على تلك الحارتين. في تلك الازقة الضيقة نعمنا بحياة الطفولة حيث نلعب العابنا المختلفة.. يحتدم النزاع بيننا أحياناً وعند اتفه الاسباب ككل الصغار في كل زمان ومكان فكانت رحمها الله تجمعنا وتفض هذا النزاع بكل حكمة وتعقل لنعود بعدها أصدقاء متحابين.. لم تكن إمرأة حديدية.. ولم تكن تمد يدها بضرب أو ترفع صوتها بعتاب أو بكلمات نابية بل كانت ترشد وتنصح بروية وتعقل ولا تفرق بين اولادها وأولاد الجيران أما الكرم فكان من أبرز صفاتها فلم تكن تذوق طعاماً الا وتشارك الجيران فيه.. سألت والدتي في أحد الايام قبل أربعين عاماً أو تزيد: من أين هذا البيض البلدي المسلوق؟ فقالت من أم مساعد.. وقبل سنة زرت عنيزة كعادتي فوجدت خبزاً بلدياً محلياً.. «خبز تنور» في بيتنا فقلت لوالدتي من أين لك هذا؟ فأجابت من أم مساعد.. يا له من كرم وإيثار.. وقبل عدة أيام كنت في عنيزة فبادرتني والدتي وعيناها تغرق بالدموع قائلة أم مساعد في العناية المركزة لأسمع بعد ذلك نعيها جعل الله ما مر عليها من مرض تكفيراً وتمحيصاً.. رحمها الله رحمة واسعة والهم ابنيها وبنتيها ومحبيها ومنهم والدتي الصبر والسلوان ولا نقول في فقدها إلا كما قال الصابرون المحتسبون: {انا لله وانا اليه راجعون}.
