القادسية ينهي عقد لاعبه الغابوني "بيير أوباميانغ" بالتراضي    آل الشيخ يعلن طرح تذاكر نزال كانيلو وكروفورد على لقب بطولة العالم الموحدة للوزن فوق المتوسط    "نيوم" يعزّز صفوفه بضم لاعب الوحدة"عبدالعزيز نور"    أرقام رائعة تُميز ديفيد هانكو مدافع النصر المُنتظر    إحباط تهريب (240) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    الاتحاد الأوروبي وبريطانيا يفرضان عقوبات على نفط روسيا    الهلال يدخل سباق التعاقد مع مهاجم نيوكاسل    ترامب يوبخ جيروم باول ويدعو مجددًا لخفض الفائدة    للمسؤول … طريق لزمة – الوهابة في انتظار كاميرات ساهر والإنارة    توزيع (3.255) سلة غذائية في عدة مناطق بباكستان    "وِرث" و"السودة للتطوير" تطلقان برنامجًا تدريبيًّا لفن القط العسيري    2000 ريال تكلفة كتابة السيرة الذاتية للباحثين عن عمل    موعد مشاركة رونالدو وسيماكان في تدريبات النصر    1.9 مليون مصلٍ بالروضة الشريفة وأكثر من 3.4 مليون زائر للنبي صلى الله عليه وسلم    «التعاون الإسلامي» تدين استهداف الكنائس والمقدسات الفلسطينية    المعيقلي: «لا حول ولا قوة إلا بالله» كنز من كنوز الجنة    حسين آل الشيخ: النميمة تفسد الإخاء وتورث العداوة    حساد المتنبي وشاعريته    حملات إعلامية بين «كيد النساء» و«تبعية الأطفال»    ميراث المدينة الأولى    أبعاد الاستشراق المختص بالإسلاميات هامشية مزدوجة    استقرار أسعار النفط    استشهاد 10 فلسطينيين في قصف على قطاع غزة    رياح نشطة وطقس حار على معظم مناطق المملكة    "هيئة الطرق": الباحة أرض الضباب.. رحلة صيفية ساحرة تعانق الغيوم عبر شبكة طرق متطورة    الجبل الأسود في جازان.. قمم تعانق الضباب وتجذب الزوار بأجوائها الرائعة    إنقاذ مريضة تسعينية بتقنية متقدمة في مركز صحة القلب بمدينة الملك سعود الطبية    جراحة تنهي معاناة مريضة من آلام مزمنة في الوجه والبلع استمرت لسنوات ب"سعود الطبية"    تجمع مكة الصحي يفعّل خدمة فحص ما قبل الزواج بمركز صحي العوالي    "موسم الرياض" يرعى شراكة بين "لا ليغا" و"ثمانية"    شخصيات الألعاب الإلكترونية.. تجربة تفاعلية لزوار كأس العالم للرياضات الإلكترونية    انطلاق أول تدريبات ⁧‫قدم الدانة‬⁩ للموسم الكروي المقبل    معادلة عكسية في زيارة الفعاليات بين الإناث والذكور    اختتام أعمال الإجتماع الأول للجان الفرعية ببرنامج الجبيل مدينة صحية    خارطة لزيادة الاهتمام بالكاريكاتير    مهند شبير يحول شغفه بالعسل إلى علامة سعودية    السعودية: نرفض كافة التدخلات الخارجية في سوريا    جامعة الإمام عبد الرحمن تختتم فعاليات برنامج موهبة الإثرائي الأكاديمي    (إثراء) يعلن عن فوز 4 فرق في المنافسة الوطنية لسباق STEM السعودية    برنامج تطوير الثروة الحيوانية والسمكية يعلن توطين تقنية «فيچ قارد»    المملكة تعزي العراق قيادة وحكومة وشعبًا في ضحايا «حريق الكوت»    تعليم الطائف يختتم فعاليات برنامج موهبة الإثرائي الأكاديمي لأكثر من 200 طالب وطالبة    صدور بيان عن السعودية و 10 دول حول تطورات الأحداث في سوريا    أمير منطقة جازان يستقبل وكيل الإمارة والوكلاء المساعدين الجدد    المدينة المنورة تبرز ريادتها في المنتدى السياسي 2025    الأولى عالميا.. التخصصي يزرع جهاز دعم بطيني مزدوج بمساعدة الروبوت    تنفيذ حكم القتل تعزيرًا بقاتل الدكتور عبد الملك بكر قاضي    وزارة الحج والعمرة تكرم عمر بالبيد    المفتي يستعرض أعمال "الإفتاء" ومشاريع "ترابط"    20 قتيلاً.. وتصعيد إنساني خطير في غزة.. مجزرة إسرائيلية في خان يونس    ضبط 275 كجم مخدرات والإطاحة ب11 مروجاً    د. باجبير يتلقى التعازي في وفاة ابنة شقيقه    " الأمن العام" يعرف بخطوات إصدار شهادة خلو سوابق    بوتين لا ينوي وقف الحرب.. روسيا تواصل استهداف مدن أوكرانيا    نيابة عن أمير عسير محافظ طريب يكرم (38) متفوقًا ومتفوقة بالدورة (14) في محافظة طريب    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عون أبو طقيقه    عزت رئيس نيجيريا في وفاة الرئيس السابق محمد بخاري.. القيادة تهنئ رئيس فرنسا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



داء النزوح القروي والتجربة الألمانية
نشر في الجزيرة يوم 06 - 06 - 2003

إذا جاز لك ان تسأل العائدين من غياهب الغربة بعد سنوات الدراسة الطويلة في إحدى الدول الأوروبية أو في شمال القارة الأمريكية، عن مكان تلقيهم علومهم الدراسية وحصولهم على شهاداتهم العليا بكل ماتعنيه كلمة (مكان) من معنى أو تعبر به عن واقع! سواء بالنسبة للوضع الجغرافي أو الإمكانات والخدمات المتوفرة أو تعداد السكان أو خلاف كل ذلك! فلا تستغرب أو تستغرق في الدهشة ان قال هذا المغترب أو ذاك، إنه درس في قرية صغيرة على أطراف الريف الانجليزي أو في أحضان الطبيعة الفرنسية، أو قال آخر إنه تعلم في بلدة لايتجاوز عدد سكانها عشرة آلاف نسمة، تقع في بلاد النسر الأصلع بامتداد غابات الأمازون الأمريكية!! وذلك على خلفية معرفتنا المترسخة عن وضع القرية لدينا التي قد تخلو من مدرسة للمرحلة الثانوية فضلا عن كلية مهنية!! أو حتى المحافظة الصغيرة (البلدة) التي لم تشهد على طول البلاد وعرضها حالة واحدة بوجود فرع لجامعة أدبية كانت أو علمية أو كلية تقنية يمكن ان تسجل سابقة في تبدل الأحوال التعليمية العليا بالالتفات إلى مناطق الظل في واقع التنمية الوطنية.
مرجع رفض الاستغراب هنا وإيقاف الاستغراق بالدهشة! رغم ان ماقد تسمعه يبرر استجلابه!! ان القرية أو البلدة التي نسميها تأدباً (المحافظة الصغيرة)! لها شأن آخر في قاموس التنمية الغربية، بل وتأخذ موقعاً راقياً في نظرة التوجهات الحضارية هناك!! بمعنى ان القرية أو البلدة في البلدان الأوروبية أو الأمريكية لا تتسربل بمفهومنا الضيق عنهما! لا من حيث الإمكانات والخدمات المقررة لهما، ولا من حيث العقليات التي تديرهما! ولا حتى النظرة أو التطلعات المستقبلية بشأنهما!! لذلك حينما تدخل قرية أو لنقل بلدة سواء أوروبية أو أمريكية تجدها نسخة عن مدينة متقدمة، يتوفر فيها كل متطلبات الحياة الحديثة، ولكن بحجم أصغر وعدد سكان أقل، ناهيك عن خطوط الاتصال بما حولها وبالذات الطرق البرية المتطورة.
هنا يأتي السؤال فاغرا فاه لعظمة استفهامه، يريد لقم الإجابة!! ماهو السر في بقاء سكان القرية أو البلدة الصغيرة في مواطنهم، ولم يحدث لهم ما يسمى النزوح القروي (الريفي) نحو المدن المجاورة؟! هل وفرت الدولة هناك كل الخدمات المطلوبة، وتحديداً الصحية والتعليمية والاتصالات البريدية والهاتفية، كون هذه الخدمات تعتبر الأسس التنموية لأي مجتمع مدني متحضر! أم ان أولئك السكان طراز فريد من البشر يصنعون الحضارة من قشة التبن؟! عفوا!! لا هذا ولا ذاك! بل قد تعجب إن مايحدث هناك هو العكس، أي نزوح مدني إن جاز التعبير! فأهل المدينة هم من يقوم بالانتقال للعيش في القرية أو البلدة!! فكان هذا سبباً في تحول قرى إلى مدن جديدة!.
ولكي تعرف السر، سأحملك إلى بلدة أوروبية، قدر الله لي زيارتها والعيش فيها قرابة الثلاثة أسابيع، تعاملت خلالها مع أهلها وعرفت شيئا من طبائعهم ونمط حياتهم، وكذلك عرفت حقيقة السر في بقاء القرى و(المحافظات الصغيرة) على وضعها الاجتماعي مع تقدمها الصناعي والحضاري، كما صادفت الكثيرين من أهل المدن المجاورة الذين اختاروا العيش فيها.
هذه البلدة التي كانت في الأساس قرية، تقع في الجزء الجنوبي الألماني، وهي قريبة من مدينة ميونخ الشهيرة، كما تبعد عن فيينا عاصمة النمسا مسافة ساعتين في القطار، يتكون اسمها من شقين، الأول (دقن) والآخر (دورف) ومفردة (دورف) تعني باللغة الألمانية (قرية)! أي انها (قرية دقن)! لكن الزائر سيتكون انطباعه العفوي من الوهلة الأولى على أنها بلدة واضحة المعالم، ان لم تكن مدينة صغيرة! وإن كانت بالأساس قرية، بيد أنه مع العجلة التنموية على درب التطور الحضاري الذي عم المانيا تحولت إلى بلدة متقدمة تضع أقدامها بثبات على عتبة الدخول إلى نادي المدن المتقدمة في الدولة الألمانية.
عندما تتجول في شوارع (دقن دورف) فإنك حتماً ستلمس بقايا ملامح القرية، خاصة منطقة الوسط بأزقتها القديمة وشوارعها المرصوفة بالحجر، وكذلك بصغر اتساعها الجغرافي الذي قد يقارب من حيث المساحة الإجمالية محافظة (بقعاء) بمنطقة حائل!! بل إنك بسهولة تدخل في نمطية الحياة المعيشية التي لاتتحقق إلا في أماكن تأخذ طابع القرى أو البلدات أو المدن الصغيرة فالشوارع والطرقات تكاد تخلو عند الساعة السادسة مساء والأسواق تغلق عند السابعة مساء بينما البنوك فيه تعمل مابين التاسعة صباحاً وحتى الرابعة بعد الظهر وأشياء أخرى لايتسع المجال لعرضها.
ما نود الوصول إليه، ان محافظة (دقن دورف) على حيويتها وعدم سقوطها فريسة للداء الاقتصادي المسمى (النزوح الريفي) خصوصاً وانها على مقربة من إحدى المدن الكبرى وهي مدينة (ميونخ) لا يرجع ذلك إلى وجود كليات أو جامعات علمية أو مرافق حكومية يتكدس فيها الموظفون بانتاجية لاتتجاوز مانسبته (50%) إنما لأن القطاع الخاص مدرك حقيقة دوره في الحركة الاقتصادية وان اسهامه في تنوع مصادر الدخل لايعني التقوقع في المدن الكبرى أو الرئيسة ومجاورة السوق ونقاط البيع وأرصفة الشحن إنما يتعداها إلى القرى والبلدات (المحافظات الصغيرة) وهو ما حدث في (دقن دورف) فالذي شاهدته هناك كان أقرب للأعجوبة الصناعية عندما دخلت مصانع وفروع شركات تعتبر عملاقة في ألمانيا، لم يمنعها ان تأتي لهذه القرية فالمحصلة النهائية تعزيز الاقتصاد الألماني مقابل المحافظة على التوزيع السكاني والصبغة الاجتماعية لكل منطقة بعد هذا صار من الطبيعي ان تأتي دوائر المال ووراءها البنوك وان يرتقي التعليم ويتطور جانب المواصلات فتجد في (دقن دورف) محطة قطار تربطها بشبكة القطارات في ألمانيا جعلت المواطن الألماني يقبل ان يعمل في هذه البلدة التي كانت يوما ما قرية رغم ان أصوله قد تعود إلى الطرف الشمالي من ألمانيا وأمور أخرى يشاهدها كل زائر.
في حين نجد ان النزوح الريفي (القروي) ينخر في قرانا حتى تجاوزها إلى المحافظات الصغيرة فزيارة واحدة لإحدى القرى يكشف الستار عن ملامح ذلك النزوح بل ان بلدة (محافظة صغيرة) من القريبات لمدينة رئيسة تفتقر لخدمات كثيرة، بينما تعاني المدن الكبرى ارتفاع معدلات السكان، مما أثر بشكل مباشر على مستوى الخدمات المقدمة وسبب ارتفاع واضح في مؤشرات التكاليف المعيشية والعقارية والتعليمية والصحية.
أنموذج (دقن دورف) ليس ابتكاراً عبقرياً إنما تخطيط متبوع بجهات خاصة وأهلية استلهمت دورها الوطني في منع حدوث الخلل في التركيبة السكانية وتوزعها على المحيط العام للدولة والاستفادة من مناطق بكر، والمساهمة في بناء مدن حديثة ليتكامل فعليا مع الدور الحكومي في تنمية الحدث الاقتصادي لهذه البلدة أو تلك المدينة، وعليه يأتي السؤال المعضلة كم (دقن دورف) لدينا؟!.. أخشى ان يكون الجواب لا شيء! لأننا لازلنا نعمل بعقلية المدن الكبيرة التي يجب ان يكون فيها كل مظاهر التنمية! حتى لو خلف ذلك كماً هائلاً من المحافظات الصغيرة على مشارف داء النزوح الريفي! يجاري هذا نقص في
المدن المتوسطة لمتطلبات رئيسة كالتعليم العالي أو الشركات الكبرى و(منطقة حائل) بمدينتها وباقي محافظاتها أو الإقليم الشمالي عموماً خير شاهد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.