لقد تعدَّدت المدارس الأدبية، والاتجاهات النقدية في العصر الحديث وصار من المألوف لدينا أن نسمع مع بزوغ كل شمس ظهور مدرسة جديدة تبتكر وتعكس نظرتهم حيال أي مادة أدبية ولكن أين تلك المدارس الآن من التطبيق؟ سؤال لا بد له من إجابة وللإجابة عليه لا بد من طَرْق أبواب تلك المدارس وعلى مدار الساعة كي نسأل ونسائل عن ما هي خطوات كتَّابهم والناطقين بفلسفاتهم وهل يجدر بنا أن نسأل الناطقين بثقافاتهم المختلفة والمتباينة أحيانا عن القارئ وأين هو ممَّا يقولون ويبتكرون أم أنه مجرد قالب يصبُّ فيه من أنَعم اللَّه عليه بالقدرة على الابتكار ما أراد؟! وقبل أن أحدِّد ما أريد قوله عن القارئ أحب أن أعرج قليلا على الدراسات الموجودة الآن كاللغوية والنحوية والصرفية والمعجمية وغيرها مما أدى إلى استكشاف إمكانيات هامة للغة ومقوماتها فهي أم ولود ولها خصائص لغوية تجعل منها لغة غنية مترفة ولكن هل استطاعت تلك الدراسات وتلك المدارس الوقوف إلى جانب القارئ بتثقيفه من معين الثقافة والوصول به إلى حد الرقي في الكتابة هذا بالتحديد ما أريد الوصول إليه ففي حين تنهض اللغة يقابلها اضمحلال في ثقافة المتلقي (القارئ) وأنا هنا لا أعمِّم. لكني اتحدث وبصوت مرتفع عن البعض فماذا استفاد القارئ العادي من هذه الدراسات وتلك المدارس؟ وهل حققت للقارئ الاستفادة بالفعل أم أنها مقصورة على الكتَّاب والمثقفون ولأكون أكثر دقة ماذا قدَّم هؤلاء الكتاب والمثقفين على حد سواء غير فن القص والرواية والمسرحية والمقال على الرغم من تحولها في الأونة الأخيرة إلى مجرَّد كلام ينحو منحى العامية ويبتعد عن الفصحى تاركاً فراغاً كبيراً تملؤه علامات الترقيم؟! والسؤال هنا ماذا يريد القارئ العادي من المثقف أو الكاتب الذي يطالع ويستفيد من تلك المدارس وتلك الدراسات والذي شُغِل في الوقت نفسه بكتابة الزاوية للقارئ؟ لا شك أنه يريد منه الكثير وأقرب من يريد منه ذلك هو خريج الواجهة أقصد الجامعة وفي هذا الوقت بالذات لأنه انسان ينشد الوظيفة ويسارع للبحث عنها ولكن كيف سيقدم نفسه للوظيفة؟ سؤال لا بد أن يناقشه كتَّابنا ومثقفونا في زواياهم ومؤلفاتهم فقد مر بي أن طلب مني أحد هؤلاء الخريجين أن أكتب له طلباً للوظيفة بعد أن أعياه التعب وبدوري طلبت منه أن اطلع على ما كتب وهو أحد حملة البروشات اعني الاقلام الفاخرة وهو يعلم كما اعلم جيدا انه لا يحمله الا للمهمات الجسام فما كان منه الا أن لبى طلبي وكم كان مخجلا ومؤلما أن اكتشف انه لا يعرف أين يكتب التاريخ بل وحتى الاسم والتوقيع وكذلك التحية ناهيك عما يكتب وأنا هنا لا أسخر منه - معاذ الله - ولكني اسأله كيف تخرج من الجامعة!! ومع ذلك اكملت قراءة الطلب فإذا به يفاجئني بقوله أنه سعودي مسلم ولنضع تحت كلمة مسلم خطين فكيف يكون في بلد انعم الله عليه بنعمة التمسك بالدين ويقول مثل هذا القول!! انتهى الطلب. هنا أعود وأسأل من المسؤول عن هذا؟! هل هم أساتذته في الجامعة وهم من درسوه ما تطالعنا به تلك المدارس والدراسات أم هم من عشق أقلامهم من كتَّاب الزوايا المثقفين؟! ولكن قد يتساءل البعض ما علاقة هذا بالمدارس والدراسات وأجيب بدوري هنا بما يلي: 1- إن ما يدهش هو الاهتمام بالشيء الكبير والأقوى دون الالتفات إلى ما هو أصغر وأجدى. 2- إن ما يلفت الانتباه حقا هو عدم الانتباه إلى جدية توظيف ما ينتج من الدراسات للاستفادة منها. 3- ما يبلغ حد الذروة من الألم أن نكتب دون أن نعمل بما نكتبه. 4- تسخير الأقلام النابضة والمحبوبة في الشيء الذي لا يفيد غالبا. 5- ارتداد مستوى القارئ كنتيجة حتمية لذلك. 6- انحصار مستوى ثقافة القارئ إلى مستوى ثقافة العامود اليومي. تنوير إلى متى سنظل نشاغل أنفسنا بما تنتجه عصابات اللغة (المدارس الأدبية والدراسات) ونغفل البنية التحتية لثقافة الأجيال المتهالكة؟!! والقصد هنا الاتزان في الموازنة بينهما.