قصيدة الشاعر ابراهيم السبيل التي نشرت في صحيفة الجزيرة الغراء قبل عام تقريبا، والتي وجهها إلى الشاعر الكبير «مسافر» وقد ضمنها أن شاعرنا الكبير «مسافر» قد أصبح في حكم المسافر، بعد أن ترك الرياض واتخذ من الزلفي مقاماً مؤقتاً له في صحبة كريمته المعلمة. تلك القصيدة الاخوانية الجميلة، وإن فاجأتني بالخبر، إلا أنها لم تفاجئني في أن يكون شاعرنا ذو الحس المرهف جوّاباً يجوب البلاد، مع كريمته، فالتضحية بالوقت والجهد والوقت مع المرأة والإيمان برسالتها سمةٌ جُبل عليها العظماء من الرجال، فكيف بالعظيم وقد غدا شاعراً يفيضُ رقةً وعذوبة؟!! إن الشاعر أحمد الصالح وقد اتخذ من الزلفى محطةً من محطات قافلته الشعرية المسافرة، إنما أعادني وذكرني بشعراء عرب كبار، مارسوا ذاك الدور ووقفوه، مع كريمات لهم وزوجات، فهذا الشاعر السوري الكبير سليمان العيسى، وقد أمضى سنوات في عاصمة اليمن «صنعاء» مرافقا لابنته المعلمة، وذاك الشعر المصري الكبير الدكتور ابراهيم أبو سنة، وقد حل قبل سنوات «مرافقاً لزوجته» على موارد «عفيف» في عالية نجد، وغيرهما الكثير، على أن هذا التوقف من قبل هؤلاء الشعراء في مثل هذه المحطات الريفية الوادعة، ما هو إلا حافزٌ محفزٌ، في ظل طبيعة خلابة تكتمل فيها كلّ عناصر الجمال من لغة ومفردات وأخيلةٍ يصوغها الشعراء في إبداعاتهم وموسيقاهم المتناغمة. وشاعر الوجدان «مسافر» وقد حلّ ضيفاً عزيزاً كريماً في أرض الوجدان! الزلفي، بموقعها الجغرافي المتميز، فيما بين النفود والجبل، لا شك في أنها ستكون ملهمةً له، وقد ألهمت شعراء قبله، وأيُّ فتنة تلك غيرُ فتنة الجبال والرمال؟ بما فيها من سحرٍ وجمال، وحوريات وحسان، فرمال الثويرات بالزلفي التي تحوي كما يقول الجغرافيون أفضلَ أشكال الكثبان القبابية المنفردة، فإنها تضم في الوقت ذاته شواردا من الريم هاملة، بكاها مالك بن الريب على مشارف خراسان، فأسهب وأطنب ومات وفي نفسه شيء من الرمل والغضى، وغيرُ بعيد عن «السمينة» موطن مالك بن الريب تقع «جزرة» الساحرة، والتي يُطأطىء فيها جبلُ طويق هامته ليغوص بكل كبرٍ وشموخ في أحضان رمال الثويرات الدافئة، في مشهد جغرافي استوقف الكثيرين، فأنشدوا وكتبوا ولم يكن آخرهم الدكتور محي الدين اللاذقاني الذي وقف على رمال جزرة، فكتب يقول: إنه يصعب على من لم يشاهد ذلك الرمل الناعم المراوغ على أطراف الكثبان أن يفهم اختيار امرئ القيس لتعبير «سقط اللوى» في مطلع معلقته الشهيرة فقد رأيت ذلك المنظر ذات يوم فأغناني الرمل الأحمر الذي يدخل مسامات الروح قبل الجسد عن قراءة موسوعة في رمزية الطلل العربي، أما شاعرنا الجهيمان فلم يتردد في إطلاق اسم «قُبلَة» على جزرة بعد أن أوقفتهُ عليها وشاهد بنفسه طويق الجبل وهو يعانق رملَ الثويرات. أهلاً بمسافر على رمال جزرة ومزيدا من الفيض الشعري الأخاذ، ودعوةً لأندية الزلفي وأخصُّ طويق ذا الفعل الثقافي أن يوقف قافلة «مسافر» ليحط ركائبه في حفلٍ تكريمي يليق بقامته ومكانته الشعرية بين رواد الأدب السعودي الحديث.