أمير المدينة يستقبل سفير إندونيسيا لدى المملكة    حرب غزة تهيمن على حوارات منتدى الرياض    سمو وزير الخارجية يشارك بالإجتماع الوزاري بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة الأمريكية.    أمير الرياض يعتمد ترقية 238 موظفاً من منسوبي الإمارة    توقيع مذكرتي تفاهم لتعزيز استدامة إدارة النفايات وتشجيع المبادرات التوعوية    النيابة العامة: التستر وغسل الأموال يطيح بوافد و3 مواطنين لإخفائهم 200 مليون ريال    أمير المدينة يدشن مهرجان الثقافات والشعوب بالجامعة الإسلامية    المنتدى العالمي للتمويل الإسلامي يدعو لتعزيز التنمية المستدامة    القبض على 8 أشخاص لقيامهم بالسرقة وسلب المارة تحت تهديد السلاح    «الفضاء السعودية» تنشئ مركزاً عالمياً متخصصاً في مجالات الفضاء بالشراكة مع «المنتدى الاقتصادي العالمي»    "جائزة الأميرة صيتة" تُعلن أسماء الفائزين بجائزة المواطنة المسؤولة    رصد 54 مخالفة في منشآت التدريب الأهلية في شهر مارس    سياسيان ل«عكاظ»: السعودية تطوع علاقاتها السياسية لخدمة القضية الفلسطينية    افتتاح الملتقى السنوي الثاني للأطباء السعوديين في إيرلندا    أمطار مصحوبة بعدد من الظواهر الجوية على جميع مناطق المملكة    «مطار الملك خالد»: انحراف طائرة قادمة من الدوحة عن المدرج الرئيسي أثناء هبوطها    وزيرا الإعلام والعمل الأرميني يبحثان التعاون المشترك    فيصل بن فرحان: الوضع في غزة كارثي    لتحديد الأولويات وصقل الرؤى.. انطلاق ملتقى مستقبل السياحة الصحية    عبدالله خالد الحاتم.. أول من أصدر مجلة كويتية ساخرة    الأهلي بطلاً لكأس بطولة الغطس للأندية    النصر والنهضة والعدالة أبطال الجولة الماسية للمبارزة    تتضمن ضم " باريوس" مقابل "فيجا".. صفقة تبادلية منتظرة بين الأهلي وأتلتيكو مدريد    فيصل بن بندر يؤدي الصلاة على عبدالرحمن بن معمر ويستقبل مجلس جمعية كبار السن    دولة ملهمة    نائب أمير مكة يطلع على تمويلات التنمية الاجتماعية    رابطة العالم الإسلامي تُعرِب عن بالغ قلقها جرّاء تصاعد التوترات العسكرية في شمال دارفور    اللواء الزهراني يحتفل بزفاف نجله صلاح الدين    استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    منصور يحتفل بزواجه في الدمام    اللجنة الوزارية العربية تبحث تنفيذ حل الدولتين    " ميلانو" تعتزم حظر البيتزا بعد منتصف الليل    منتدى الرياض يناقش الاستدامة.. السعودية تتفوق في الأمن المائي رغم الندرة    الفيحاء يتوّج بدوري الدرجة الأولى للشباب    ديوانية الراجحي الثقافيه تستعرض التراث العريق للمملكة    النقد وعصبية المسؤول    مهنة مستباحة    فئران ذكية مثل البشر    إستشاري يدعو للتفاعل مع حملة «التطعيم التنفسي»    منجزات البلدية خلال الربع الأول بحاضرة الدمام    شوبير: صلاح يقترب من الدوري السعودي    محمية الإمام عبدالعزيز تشارك في معرض أسبوع البيئة    جامعة «نورة» تفتتح منافسات الدورة الرياضية لطالبات الجامعات الخليجية    ميتروفيتش ومالكوم يشاركان في التدريبات    اكتمال جاهزية كانتي.. وبنزيما انتظار    المصاعد تقصر العمر والسلالم بديلا أفضل    سعود بن بندر يستقبل أعضاء الجمعية التعاونية الاستهلاكية    صحن طائر بسماء نيويورك    أول صورة للحطام الفضائي في العالم    ذكاء اصطناعي يتنبأ بخصائص النبات    تطبيق علمي لعبارة أنا وأنت واحد    أمير تبوك يواسي أبناء أحمد الغبان في وفاة والدهم    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    وزير الدفاع يرعى تخريج الدفعة (82) حربية    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    المسلسل    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من الأبجدية إلى الألفية... قراءة في كتاب (1-2)
نشر في الجزيرة يوم 04 - 09 - 2020

(1) بين يديَّ كتاب سيري/ احتفائي/ رثائي عن والدٍ مكتوب عنه، وولد هو الجامع والمؤلف والكاتب!! فأن تكتب عن أبيك سيرة ومسيرة، وتستكتب أحداً ممن عاصره شيئاً من الذكريات، ويكتب عنه بعد موته المحبون والأصدقاء والمجايلون، فلا شك أنك – كقارئ – أمام جهد معرفي ووثائق شاهدية عن مسيرة باذخة ورجل استثنائي.
عرفت إبراهيم التركي (الدكتور) ناسكاً في محراب الكلمة، مشرفاً على الثقافة في أهم صحفنا المحلية، ومتحدثاً لبقاً في الأماسي والمنتديات الثقافية والأدبية، وصاحب سمت ودماثة خلق وجمال روح لا تليق إلا ب إبراهيم التركي.
يحتويك – ثقافياً – ويحتفي بك قلماً شاعراً أو ناقداً ويعتذر منك إن تأخر النشر الورقي أو تحول للنشر الإلكتروني!! فلا تملك إلا الاحترام والتقدير لهذه القامة الإدارثقافوية!!
أهداني – مع غرة ذي الحجة1441ه_ كتابه عن والده الموسوم ب/ عبدالرحمن بن علي التركي العمرو – الألفية لا الأبجدية، مشفوعاً برسالة جاء فيها: «... مؤملاً أن يجد في وقتكم ما يأذن بقراءته، ولأحظى برأيكم، ويستبشر بدعائكم» فكتبت له على التَّو والحال: «سعدت صباح الأربعاء غرة الحجة 1441ه باستلام هذا الكتاب، وسأتفرغ لقراءته في هذه الأيام المباركة إن شاء الله».
* * *
(2) تفاجأت – ربما كغيري – بالعنوان الفرعي (الألفية لا الأبجدية).. وبما أن العنوان الأصل أو الفرع – هو المفتاح الأولي للقارئ، وهو أحد معابر التلقي والمثاقفة، وأولى المؤشرات الدالة على النَّص وتفرعاته، وهو هوية النص وتسمية له واختزالاً لمقاصده، وهو المفتاح الإشهاري أو كما يقال مختصراً هو: «عبارة صغيرة تعكس كل عالم النص المعقد والشاسع» (ابتسام جراينيه/ العتبات النصية ص 16-17، الشبكة العنكبوتية)!!
ومادام العنوان كذلك فقد استوقفتني هذه العبارة ورحت أحلل وأفتق مدلولاتها وحمولاتها لفظاً ومعنى!! فخطر في بالي أنها ثنائية الألفبائية (أ ب ت ث ج) والأبجدية (أ ب ج د ه و ز) وخطر في بالي أنها ألفية من العدد ألف (1000) الألفية الثانية أو الثالثة وهكذا مقابل الأبجدية/ الحروف والكلمات ولم يفك هذا اللغز العتباتي إلا قول الدكتور إبراهيم التركي/ المؤلف في الصفحة (8): أن الأبجدية تعني الدراسة في الكتاتيب/ أي التعلم غير النظامي/ الأولي، وأن الألفية تعني التعلم النظامي والتخصصي في ألفية ابن مالك النحوية، وهنا تكمن جمالية العتبة العنوانية فقد خلقت في ذهن القارئ تساؤلات معرفية وإجابات احتمالية، وجاء الكشف عن الدلالات الكامنة في بطن المؤلف وعقله فأظهرها تعريفاً لتضيء المعالم وتقرب المسار وتنطق المجهول وهذا هو البعد المعرفي الذي يحمله المؤلف/ د.إبراهيم التركي عن دور العتبات العنوانية ودلالاتها ومحوريتها في أي عمل أدبي/ ثقافي.
* * *
(3) من هذه العتبة العنوانية ينطلق بنا المؤلف الكريم في رحلة تعريفية بالوالد ومساراته الحياتية عبر منظومات قولية/ خطابية يبدأها الابن عن الأب فيما أسماه خطوات المسير ثم يعقبها ب قراءة في سيرته من زملاء ومجايلين وأصدقاء وتواقيع من تلاميذه ومحبيه وكل ذلك عبر فصول خمسة تتمدد على طول 287 صفحة مع الملاحق المصورة!!
ومن كتابة الابن عن الأب الموسومة ب خطوات المسير نجدها تفيض بالتتبع السيري منذ الولادة والنشأة وتتابع النسب ثم التمدرس والتمرحل الحياتي عملاً وتدريساً ثم الزواج والأبناء والأحفاد، ثم الصداقات والمجايلات مع الأقران والزملاء ثم الوفاة والرثائيات فيما بين الصفحات 13-53.
ثم تتواصل المواقف والحكايات على لسان الابن (إبراهيم) وبقية الإخوة والبنات والأسباط فيما بين الصفحات 57-85 فإذا وصلنا إلى الصفحة (الخامسة والثمانين) وجدناه يكتب (السطر الأخير) وفيه يقول: «يتوقف المداد عن الإمداد؛ فكذا رآه ووعاه، برؤية سعت كي تضيء بتجرد وتروي دون تمدد، فأغفل ما تكرر، وتجاوز المردد لتجيء أقلام عارفية فتكمل الحكايات مثلما رأوها ووعوها...».
في هذا المقتبس نلحظ سمة الاختزال فهو يودعنا – ككاتب لسيرة أبيه – ويسلمنا لكتابات عارفيه ومجايليه ليكملوا تلك السيرة وهنا ينبجس سؤال (اللغة) التي كتبت بها هذه الخطوات بقلم الابن، و(الأسلوب) الذي جعل من الحروف والكلمات صوراً تنطق وتحكي، وسأتوقف مع عبارات أخاذة أسلوباً ولغة وجملاً شاعرية تحمل مدلولاتها وإيحاءاتها في جاذبية جمالية من مثل قوله في (قبل البدء ص 7-8):
- كما وعاها الابن فوثقها، لا كما رواها الأب ودققها.
- ناب عنه فيها ابنه بإقناع إثر امتناع.
- فلا يضيف ولا يحذف ولا يعيد ولا يستعيد.
- استعاد الابن بعض ما عرفه وصحح شيئاً مما أَلفه.
- فبدا له كتاب القلب بمداد العقل.
- لم يزد فيه أسطراً ولم يقرظه أشطراً.
- اكتفى بقلم لم تستدرجه العواطف وإن استدرجته الأوجاع.
- فإن لم يسعف القرب أشرق القلب.
- ليس المقام مقام ابن مكلوم بل كتاب مرسوم.
- فالتقى النبلاء تحت مظلة الوفاء.
ومثل قوله (في خطوات المسير ص 84-53):
- أصيلاً بطعم الغسق، غادره الشعر وهجرته المشاعر.
- بدا بلون الريح العاصف والرعد القاصف.
- فقد انتقل من المتعة إلى العتمة، ومن الاشتياق إلى الاحتراق.
- والبحر لجي وليس الشجي كالخلي.
- لم يصل الموعد للوعد ولم يكتمل اليوم بالغد.
- الصمت في حضرته صوت.
- فلا لغو ولو لغوا، ولا إسفاف ولو ولغُوا.
- يسأل فلا يستعجل الإجابة ادعاءً، ولا يتمهل استرخاءً.
- كان يقرأ للتعليم، فصار يقرأ للمتعة.
- كان يوثق للتحقق فصار يوثق للتدفق.
ومثل قوله في آخر صفحة من (المغادرة الفاجعة ص 85):
- يتوقف المداد عن الإمداد.
- رآه ووعاه برؤية سعت كي تضيء بتجرد وتروي دون تمدد.
- أغفل ما تكرر وتجاوز المردد.
وعبر هذه المقتبسات نلمح الشعرية في أجلى تجلياتها.. وكأنك أمام شاعر ينثر كلامه، أو ناثر يشعرن كلماته، يمتلك جماليات البلاغة الفصيحة من جناس وطباق واستعارة وتشبيه ومجاز وكناية/ من إيجاز وإطناب وثنائيات تتداخل وتتفارق وتتكامل. كل ذلك يذكرني بالخطاب الزيداني/ محمد حسين زيدان (رحمه الله) ومفارقاته اللغوية والبلاغية، وثنائياته المتطابقة حرفاً والمتباينة معنىً يقول محمد حسين زيدان (رحمه الله):
* أنا عربي سواء كنت من ذوي الأعراق أو من ذوي الاستعراق.
* أحارب الحيف وأكرم الضيف.
* بالشظف أسود وبالترف أستعبد.
* أتمرد على العدالة ويأخذني القلم إلى الاعتدال.
فما أشبه هذا (الإبراهيم) بذلك (الزيدان).. وما أشبه هذه الشعرنثريات بتلك الكلمات !! إنها فصاحة (اللغة) وامتلاك (البيان) وتنامي (المعاني) في حلل من (البديع) والجمال!! فسلمت يراعك يا إبراهيم وبراجمك من الأوخاز كما يقول الظاهري أبو عبدالرحمن!!
وعبر هذه الجماليات اللغوية والأسلوبية يتبدى لنا المحكي عنه الأب/ عبدالرحمن التركي العمرو لدى الابن / إبراهيم شخصية عصامية ذات سمات عبقرية تتقاسمها المعلومة السيرية، والصور الشاهدية/ التوثيقية التي بلغت (إحدى وثمانين) صورة!!
ومن كل ذلك نعرف أن الأب رحمه الله امتاز بكثير من السمات والخصائص الإنسانية التي تجعل منه أنموذجاً يحتذى وقامة يقتدى بها، ومفخرة للأبناء والأجيال ولعل أبرزها مايلي:
- امتلاك السمات القيادية منذ مراحل تكوينه المعرفي الأولي حيث الكتاتيب، ومواقفه الجريئة تجاه الأساليب التربوية المتشددة.
- الطموح والتطلعات المستقبلية، فقد سافر للحجاز (جدة) وهو ابن الخامسة عشرة ليدخل الحياة العملية رغم سنه المبكرة والسعي في محاولات الاستقرار المعيشي والوظيفي.
- الإخلاص والمثابرة والعطاء التربوي والتعليمي، والمثاقفة الجادة مع الأقران والمجايلين حتى بلوغ سن التقاعد.
- استشعار الروح الأبوية والأسرية والعائلية اهتماماً ومتابعة للأبناء والأحفاد والأسباط من البنين والبنات حتى كان لهم الموقع الاجتماعي والمعرفي والوظيفي المتميز.
وأخيراً القدرة على بناء العلاقات الاجتماعية والإنسانية مع زملاء دربه ورفاق العمر من خلال جلساته الفكرية وحوارياته الثقافية حتى أصبح علماً له مريدوه وتلامذته في منطقته والوسط الذي عاش فيه طوال سنوات عمره حتى وافاه الأجل (رحمه الله).
وهكذا وجدنا في الفصلين الأولين صورة (الأب) وقد رصدتها وسجلتها عدسة (الابن) بكل حيادية معرفية وبعيداً عن عواطف (البنوة) و(الأبوة) وهذا ما تؤكده الفصول القادمة من الكتاب وشهادات المجايلين والتلاميذ !!
** **


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.