أمير تبوك يرعى تخريج أكثر من 2300 متدرب ومتدربة بالمنطقة    رئيس "إيكاو": للمملكة دور قيادي في صناعة مستقبل الطيران بالعالم    الأمير سعود بن نهار يستقبل مدير مطار الطائف الدولي    10 آلاف مستفيد من دعم قطاع العسل    الجنائية تتحرك لاعتقال قادة من حماس وإسرائيل    الربيعة يلتقي كبار المتبرعين لمركز الملك سلمان للإغاثة    "تعليم جدة" يصدر نتائج حركة النقل الداخلي    تعليم الطائف يكرم 1990 طالباً وطالبة حصلو على 100% في التحصيل المعرفي    التهاب البول عند الأطفال الذكور    خلاف بين الهلال وجيسوس بخصوص أحد بنود العقد الجديد    وزير الخارجية يعزي نظيره الإيراني المكلف    وزير الخارجية يجري اتصالاً هاتفياً بوزير الخارجية الإيراني المكلف    معرض الرياض للسفر ينطلق في العاصمة .. 27 مايو الحالي    وزارة الإعلام تنظّم النسخة السابعة من "واحة الإعلام"    منتدى كايسيد للحوار العالمي: تجديد جهود الحوار وإنشاء منصات مستدامة وشاملة وآمنة وحيوية ضرورة عالمية    كوادر وطنية لخدمة الحجاج في بنجلاديش    د. العيسى يتسلَّم مفتاح محافظة الإسكندرية أعلى وسام في المدينة    فتح تحقيق موسع في أسباب تحطم طائرة رئيس إيران    ارتفاع شهداء غزة إلى 35562    الاجتماع الثاني للجنة الأمنية والعسكرية المنبثقة عن مجلس التنسيق السعودي القطري    قدوم 267657 حاجا عبر المنافذ الدولية حتى نهاية أمس    غرفة الشرقية تعقد "لقاء رياديون" لطلبة جامعة الامام عبدالرحمن بن فيصل    من هو الرئيس المؤقت لإيران؟    أمير الرياض يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة جمعية المتقاعدين بالمنطقة    الوحدة يضع أنظاره على أحمد حجازي    بلديةالبكيرية تنفذ 2754 جولة رقابية في شهر أبريل الماضي    "الزكاة والضريبة والجمارك" تدعو المنشآت إلى تقديم إقرارات ضريبة القيمة المضافة عن شهر أبريل الماضي    أرامكو توقع اتفاقية مع "باسكال" لاستخدام أول حاسوب كمي بالسعودية    تايكوندو الشباب يهيمن على بطولتي البراعم والناشئين والحريق يزاحم الكبار    بعد مصرع عبد اللهيان.. «كني» يتقلد حقيبة الخارجية الإيرانية    وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي والوفد المرافق له في حادث تحطم الطائرة المروحية    وصول أبطال آيسف 2024 إلى جدة بعد تحقيق 27 جائزة للوطن    «التعليم» تحدد أنصبة التشكيلات المدرسية في مدارس التعليم العام    الأرصاد: استمرار التوقعات بهطول أمطار بعدد من المناطق ورياح نشطة في الشمال    أوتافيو يتجاوز الجمعان ويسجل الهدف الأسرع في «الديربي»    4 نصراويين مهددون بالغياب عن «الكلاسيكو»    1.8 % معدل انتشار الإعاقة من إجمالي السكان    أمير عسير يُعزّي أسرة «آل مصعفق»    البنيان: تفوق طلابنا يبرهن الدعم الذي يحظى به التعليم في المملكة    خادم الحرمين يستكمل الفحوصات الطبية في العيادات الملكية    السعودية.. يدٌ واحدةٌ لخدمة ضيوف الرحمن    متحدث «الداخلية»: «مبادرة طريق مكة» توظف الذكاء الاصطناعي    «عضو شوري» لمعهد التعليم المهني: بالبحوث والدراسات تتجاوزون التحديات    جائزة الرعاية القائمة على القيمة ل«فيصل التخصصي»    السعودية من أبرز 10 دول في العالم في علم «الجينوم البشري»    5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والسمنة    نائب أمير منطقة مكة يُشرّف حفل تخريج الدفعة التاسعة من طلاب وطالبات جامعة جدة    وزارة الحج والعمرة تنفذ برنامج ترحاب    ولي العهد يبحث مع سوليفان صيغة شبه نهائية لاتفاقيات استراتيجية    جائزة الصالح نور على نور    القادسية بطلاً لكأس الاتحاد السعودي للبلياردو والسنوكر    الشيخ محمد بن صالح بن سلطان «حياة مليئة بالوفاء والعطاء تدرس للأجيال»    بكاء الأطلال على باب الأسرة    أمير القصيم يرعى حفل تكريم الفائزين بمسابقة براعم القرآن الكريم    الانتخابات بين النزاهة والفساد    ثقافة سعودية    كراسي تتناول القهوة    ارتباط بين مواقع التواصل و«السجائر الإلكترونية»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باب العالم (عن الدكتورة منيرة العلولا)
نشر في الجزيرة يوم 28 - 08 - 2020

يأخذني عقلي دائمًا إلى الأشياء والآثار، أجد أنَّ حياة الناس موشومة فيما يخلِّفونه فيتذكَّرهم، ويُذكِّر بهم، وأعرف -يقينًا- أنَّ بعض الأشياء تتورَّد، وتخضرُّ روحها حين تكون أثرًا لروح خضراء، ونفسٍ عظيمة، وقامة سامقة، وقيمة قلَّما تكرِّرها حظوظ الحياة!
على باب موارب لمكتب حميم مزدحم -دومًا- بالمحبات والمريدات علَّقت د. منيرة بنت سليمان العلولا هذا البيت الشعري:
كنْ كالنَّخيلِ عن الأحقادِ مرتفعًا
تُرمَى بصخرٍ فتُعْطِي يانعَ الثَّمرِ
ما زلت أتذكر اللوحة التي كُتب فيها هذا البيت، وأظنُّ أنني لا يمكن أن أتصوَّره إلاَّ هناك على ذلك الباب، بناء على الاشتراطيَّة التذكُّريَّة التي تربط الأشياء بالمواقف: بيت شعريٌّ نبيل المعنى على باب تفيض المقيمةُ وراءه نبلاً لا تخطئه الروح!
لا أعرف لمَ لمْ تغادر صورة هذا البيت ذاكرتي؟ على الرُّغم من أنَّ ذاكرتي تحمل صاحبة ذلك المكتب نزيلةً مكرَّمة وعالية لا يكاد يحيط عقلي بالصور المذهلة عنها: أستاذة ومعلِّمة وقائدة ومحفِّزة وبنَّاءة ومعطاءة وصديقة وجليسة لا يَمَلُّ جليسها، ولا يُخذل قاصدها!
قلَّما ترى شخصًا يستشهد ببيت شعر ويكونه في الوقت نفسه!
في زمن الازدواج والنفاق والنفعيَّة سيكون الإنسان محظوظًا إن جاد عليه الكرم الإلهي بسويعات في حضرة د. منيرة يغسل روحه في جلسة قصيرة معها، يتنعَّم بالخير ينبعث من صوتها، ويتخلَّل روحه ضوء يصعب أن يخمِّن مصدره في هذه المرأة المنيرة!
تحدِّثك د. منيرة كأنَّك الأوحد، وتتكلَّم فيحفظ الجلساء كلامها كما لو أنَّ التاريخ يُكتب، وعلى الرُّغم من كلِّ هذا تبدو في المجلس واحدة من الجمع، وربما سبقت إلى خدمة الأصغر قبل الأكبر، تتبسَّط مع الغريب حتى يظنَّ أنَّه واحد من أهل البيت!
كم هو كثير فخري لأنَّ روحي مطعَّمةً في أجزاء كثيرة منها بصوتها وأفعالها ومواقفها، تلك المرأة التي يجتمع حولها أشتاتٌ من الناس متفرقو المذاهب والأهواء فيتفقون عليها، ويأتلفون حول كلمة منها، وينسجمون - على الرُّغم من اختلافهم - فوق بساط من حضورها الآسر!
يمكن للمعلم أن يسقيك من ماء المعرفة حتى يتضلَّع عقلك، يستطيع أن يغرقك بصفحات وكتب، أنَّ يدلَّك على مظَّان العلوم ويُشبع نهمك المعرفي، لكن قلَّما تجد معلِّمًا يصنع روحك، ويحبِّر صفحاتك البيضاء بسطور القيم الصحيحة، معلِّمًا يقودك إلى خفيِّ خصالك كي ينبجس منك خيرك، وتنطفئ في روحك شعلة الشرِّ، ويبيضَّ السواد، وينمحي طبع الكراهية؛ من يسوقك إلى إنسانيِّتك، ويصعد بطموحك - لا في المعرفة وحسب - بل في قيمة الوجود والأثر والخُلق والإنسانيَّة وكلِّ القيم التي يناضل العالم كي يستبقيها!
من سعدت بحظٍّ ساقه لها القدر وتتلمذت على يد د. منيرة ستتذكَّر محاضراتها: مجلسًا مختلفًا تجدل فيه معرفة بقيمة، وسطرَ علم مع خبرة حياة، وتوجيهًا نحويًّا بخطَّة نهوض، واختلافًا في رأي علمي بطبع موفِّقٍ مسالم، كانت تفرِّغ كلَّ ما حفظه عقلها وما سجَّلته دفاتر خبرتها بكرمٍ يشقُّ على كثير منافسته، وما تتذكَّره طالباتها من المواقف يصنع مدوَّنات سيخسر العالم كثيرًا إن فاتته قراءتها!
تولَّت د. منيرة عمادات وإدارات ووكالات لكنَّ الذين يتودَّدون إليها لم يفعلوا ذلك إلاَّ رغبة في قلبها وعقلها لا في الكرسي أو المنصب اللذين ملأتهما حتى خلَّفت طريقتها (المنيريَّة) في الإدارة: تُقرأ وتُقتدى وتُعلَّم. وحين ترجَّلت عن الإدارة لم يشحب حضورها، ولم يذبل صوت ذكرها لأنَّه حقيقي وأصيل. وما زال الناس يتزاحمون على لقائها، ويطلبون المواعيد، ويهشُّون إذا أطلَّت. وما زالت حاضرة في صدور الناس قبل المجالس، يتذكَّر الناس لحظاتهم معها كما لو أنَّها لحنٌ معلَّق على وتر حميم يعزف كلمَّا خطرت بالبال، أو هطل مطر الكلمات باسمها!
منذ سنوات بعيدة غادرت د. منيرة مكتبها، وأضاءت في أمكنة كثيرة بعده، وما زالت تضيء. ومثل تغيُّرات كثيرة تصيب جسد الأمكنة زالت الورقة التي كانت تحمل بيت الشعر، لكن من الذي يقول: إنَّ الأثر هو ما يُرى ويحسُّ فقط؟!
مع د. منيرة عرفنا شكل العلم حين يُصلِح العالم، حين يخرج من قيد السطور إلى الحضور في الحياة: معنى أن تصبح المعرفة نهجًا. وبعد أن تركت د. منيرة مناصبها الرسمية بقيت أياديها الكثيرة ممدودة إلى من يحتاجها: تسند بخبرتها، وتضيء بعلمها، وتعمل بيدها: لتثبتَ أنَّ العظيم يبقى هو نفسه مهما تغيَّرت الأمكنة والأزمنة والظروف!
كلُّ اللواتي دخلن بابًا تقع خلفه د. منيرة خرجن وهنَّ يحملن شيئًا غيََّرهنَّ، كما لو أنَّه بابٌ للتحوُّل: تنقلب أحزانهنَّ مسرَّات، ويطرن تغشاهنَّ السكينة التي تتنزَّل في كلِّ مرة تخاطبهنَّ: (يا بنتي)!
إنَّ أبواب العظماء يمكن أن تكون مذهَّبة أو ذات مصاريع عريضة، يقف أمامها الحرَّاس والحجَّاب، لكن التاريخ لم يكن يعوِّل على المقاسات أو المكوِّنات، يعرف التاريخ أبطاله دون أن يتكلَّفوا عناء الطرق على أبوابه، يعرفهم في تلك المواقف التي تندمج فيها سريرة بفعلٍ، ونيَّة بعمل؛ تُرى العظمة من كوَّة صغيرة، أو من باب موارب كذلك الباب الذي كان في مبنى قديم بالملزِّ: باب يفتح لك باب العالَم!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.