أحداث تاريخية وقعت في جيزان.. معركة الضيعة وشدا    المدير الرياضي للاتحاد: سوق الانتقالات سيكون هادئًا.. والسعودية ليست وجهة للاعتزال    خطبة الجمعة القادمة عن التحذير من الشائعات والغيبة والنميمة    اتفاقية تعاون بين بيئة القصيم وجمعية ثقِّفني    أمير الشرقية يستقبل سفير مملكة تايلند ويشيد بجهود مكافحة المخدرات بالمنطقة    المياه الوطنية تدعو عملاءها لتسجيل التوصيلات المنزلية غير النظامية    الأهلي يُعلن عن ودياته التحضيرية للموسم الجديد    خادم الحرمين وولي العهد يهنئان رئيس جمهورية القُمر المتحدة بذكرى استقلال بلاده    2 مليون دولار تفصل وسام أبو علي عن الدوري القطري    تمكين الهمم يختتم عامه القرآني بحفل مهيب لحَفَظَة القرآن من ذوي الإعاقة    حرس الحدود‬⁩ في "الوجه" يحبط تهريب 26 كيلوجرامًا من مادة الحشيش المخدر    الشؤون الإسلامية في جازان تختتم الدورة العلمية في صامطة    الشؤون الإسلامية في جازان تناقش آلية تدريب الموظفين على الإسعافات الأولية    طبيق نظام "القطعان الذكية" لأول مرة في إدارة مزارع التربية المكثفة للماشية    بتوجيه من وزير الشؤون الإسلامية.. خطبة الجمعة القادمة عن التحذير من الشائعات والغيبة والنميمة    ارتفاع عدد ضحايا السيول في ولاية تكساس الأمريكية إلى 32 شخصًا    كوكب الأرض يستعد لتسجيل مجموعة من أقصر الأيام لعام 2025    والدة المحامي حمود الحارثي في ذمة الله    طقس الأحد.. - استمرار تأثير الرياح النشطة المثيرة للأتربة والغبار    محادثات غير مباشرة في قطر وسط استمرار التصعيد الميداني في غزة    ترحيل السوريين ذوي السوابق الجنائية من المانيا    بلاستيك إلكتروني صديق للبيئة    ريال مدريد يكمل عقد نصف نهائي كأس العالم للأندية بثلاثية في شباك دورتموند    بلدية الخبر تطلق مشروع تطوير الخبر الشمالية    مصرع 4 أشخاص في تحطم طائرة صغيرة بالنمسا    "جوجل" تطلق"Veo 3″ لتوليد الفيديو بالذكاء    أوكرانيا تستهدف قاعدة جوية روسية    أكدوا مواصلة إيران للتخصيب.. قلق أوروبي من انهيار جهود استئناف المفاوضات النووية    أكد أنها تعكس الالتزام بتحقيق أهداف التنمية.. البديوي: أجنحة دول التعاون في "إكسبو" تجسد الإرث الحضاري    "الداخلية": ضبط 17.8 ألف مخالف في أسبوع    قواعد جديدة منها إغلاق المنشأة وإلغاء الترخيص.. غرامات تصل إلى مليوني ريال للمخالفات البلدية    1334 حالة ضبط في المنافذ الجمركية خلال أسبوع    ألف اتصال في يوم واحد.. ل"مركز911"    الرياض تستضيف مجلس "التخطيط العمراني" في ديسمبر    "الإيسيسكو" تبحث إنشاء منصات رقمية لتوثيق تراث المملكة    مسابقة لترشيح سعوديين ل«كأس العالم للحلويات»    يستعرض التطورات في المملكة خلال الأعوام الماضية.. «كنوز السعودية» بوزارة الإعلام تطلق الفيلم الوثائقي «الوجهة»    تطوير التعاون مع صربيا وإندونيسيا في النقل الجوي    أكدت تمكينه وتوسيع أثره بالقطاعات الحيوية.. وزارة "الموارد": تنمية القطاع التعاوني للمساهمة في مستهدفات رؤية 2030    "صناعة الخوص ".. حرفة تقليدية حاضرة ضمن فعاليات بيت حائل    دراسة علمية ب "مجلة الدارة" تؤكد أهمية الوعي الوثائقي في حماية التراث الوطني    "نيوم"يتعاقد مع الحارس البولندي مارسين بولكا    ظهور نادر للفنان المصري عادل إمام بعد غياب طويل    وزير الخارجية يفتتح المبنى الجديد لسفارة المملكة في موسكو    رابطة دوري المحترفين تتولى الرقابة المالية للأندية    بئر غرس.. ماء مبارك وأثر نبوي خالد    «فاكهة الصيف».. تعود للأسواق    الشؤون الإسلامية بنجران تغلق 460 بلاغاً    نيابة عن أمير الرياض.. أمين المنطقة يحضر حفل سفارة راوندا    اتفاقية صحية لدعم وتثقيف المصابين بالأمراض المزمنة    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالمحمدية في جدة يُعيد قدرة المشي ل"ثمانيني" بعد ساعتين من استبدال مفصل ركبة    البدء بصيانة جسر خادم الحرمين وتقاطع الملك عبد العزيز بالدمام    محافظ صبيا يُدشّن حملة "لقمتنا ما تنرمي" للتوعية بأهمية حفظ النعمة في المناسبات    قطاع ومستشفى ظهران الجنوب يُُنفّذ "اليوم العالمي لمكافحة التدخين"    قطاع ومستشفى المضة يُنفّذ فعالية "اليوم العالمي لسلامة الغذاء"    911 يستقبل 2.8 مليون اتصال في يونيو    الأمير جلوي بن عبدالعزيز يرعى حفل انطلاق فعاليات صيف نجران    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة النقل والخدمات اللوجستية بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هربرت وتكرار الوجع

شهد الفاتح من القرن السابع عشر من الألفية المنصرمة ولادة أنواعية شعرية جديدة أطلق عليها النقاد لاحقا «شعر ماوراء الطبيعة أو الشعر الميتافيزيقي». حيث حمل لواء هذا التيار الشعري المُحْدَث في أوروبا ثلة من الشعراء، كان على رأسهم الشاعر الشهير «جون دون»، ولقد كان أغلب هؤلاء الشعراء- في الأصل- رهباناً وقساوسة، سعوا في شعرهم لتناول جملة من القضايا الميتافيزيقية التي كان من أبرزها «مابعد الموت»، «أسئلة الوجود»، «الكينونة» والعوالم الموازية كعالم البرزخ، بيد أن من أبرز المواضيع التي عالجوها في شعرهم وتناولوها بالكثير من الاهتمام كانت قضية «الموت».
كان أول من أطلق عليهم هذا المسمى- أي الشعراء الميتافيزيقيون- هو الدكتور صاموئيل جونسون في منتصف القرن الثامن عشر، فلقد حظي شعرهم لديه بالاهتمام الكافي، ومع ماعرف عن الدكتور جونسون من حدة في نقده، فقد وجه لهم نقداً قاسياً من ذلك وصفه لشعرهم بأنه تسكنه العديد من الأوهام.
ومع توالي الأعوام وبروز تيارات شعرية جديدة على الساحة الأدبية الأوروبية كالرومانتيكية وأدب عصر العقل، فقد خفت وهج هذا التيار الشعري الفريد، إلى أن قدر له أن يعود مجددا للساحة الشعرية العالمية بفضل مقالة مطولة تناولته وأبرزت رموزه، كان قد كتبها الشاعر والناقد الحداثي الكبير ت.إس.إليوت، حيث تحدث فيها إليوت عن «الحسَّ الموحَّد»، الذي اعتبره البعض معادلا موضوعيا لمفردة «ميتافيزيقي».
ولو تناولنا أنموذجا من أشعارهم، يمثله الشاعر جورج هيربرت George Herbert، فسنجده يقدم لنا في نصه المعنون ب «المصيبة II» موضوع الموت كتجربة ميتافيزيقية تناولها بالعرض كما تناولها باقي شعراء ماوراء الطبيعة من أدباء عصره ومجايليه.
ومُرَدّ تكرار تناول تجربة «الأجل أو الموت»، لدى شعراء الميتافيزيقيا هؤلاء قد كان باعثه أن أغلبهم قد كانوا من رجالات الدين ومن لم يكن منهم من رجالات الدين فقد كان أيضاً متديناً بالفطرة. لذا فهم يستقون هذه التجربة الماورائية – أي الموت – من قراءاتهم في الكتاب المقدس، لكون المواضيع والقضايا التي أدرجت لاحقاً تحت مظلة الفلسفة الميتافيزيقية لم تكن في تلك المرحلة قد كشف عنها القناع.
وتأتي قصيدة جورج هربرت الماوراء الطبيعية في تجربتها الشعرية؛ لتقع ضمن سلسلة خماسية من القصائد الشعرية عنونها هربرت ب«المصائب الخمس The 5 Affliction Poems»، ونشرها في ديوانه الذي أسماه «المعبد» وصدر في العام 1633م حيث عالجت نصوصه الشعرية قضايا ميتافيزيقية قد طالعها الشاعر بفكره وتماهى معها بوجدانه.
في قصيدة «المصيبة 2»، نلمس حضورا (متكرر الوقوع) لتجربة الموت على روح الشاعر الذي يبدو بأن روحه قد تشظت تحت نير العذابات المتعاقبة. ولكون شاعرنا هربرت قد كان كاهنا انجليكاني فقد كان دائم التفكير في الموت، الأمر الذي يبدو أنه قد غدا يمثل له متتالية من العذابات النفسية التي طالت روحه وزلزلت أناه.
كما أن مجمل التعقيدات والعذابات الحياتية التي قد عاناها خلال رحلته العمرية يبدو بأن أثرها السلبي الحزين لايزال يقبع في ذاته ويتردد على روحه التي تسكنها الآلام، الأمر الذي قد جعل منه شخصية كارهة للحياة.
ومن هنا فهو يتمنى حدوث الموت الفعلي على جسده، كي يتخلص من حياة الشقاء الواقع على وجدانه. وإذا ما أضفنا إلى ذلك أنه ككاهن من صميم وظيفته الدينية أن يكون دائم الاستماع لاعترافات الناس وتعبيراتهم عن مشاكلهم الشخصية، فإن ذلك الأمر قد عزز لديه الشعور بالمزيد من العذابات الواقعة على روحه نتاج مشاركة الآخرين وجدانياً فيما يعانون.
ولذا فنحن نجده في القصيدة يطالب بوقوع الموت – الحقيقي – على جسده لمرة واحدة كي يجد الراحة النهائية لروحه المعذبة بالتكرارية الأجلية، ولكي يتخلص من حزنه الدفين الذي وصفه بالإيغال في القدم، بل نجده يصف قِدَم هذا الحزن بالامتدادية الزمنية التي تتقارب مع عمر الرجل الصالح (متوشلخ بن خنوخ)، وهي تلك الشخصية التاريخية التي ذكرت في العهد القديم حيث ورد بأنه متوشلخ بن خنوخ وهو إدريس بن يرد بن مهلاييل بن قينن بن أنوش بن شيث بن آدم أبو البشر. وهو والد «لامك» وجد النبي «نوح» عليه السلام. حيث عاش تسعمائة وتسعة وستين عاماً. وتوفي قبل الطوفان بسبعة أيام. وقد ورد في سفر التكوين 4 : 7 بأن الطوفان قد تأخر سبعة أيام هي فترة الحداد على شرف «متوشالخ» الصالح.
وعن حاله وعمق حزنه يقول هربرت في قصيدته:
المصيبة (II)
فليكن هلاكي على يديك
لكن .. كفاك تكراره كل يوم وحين
فأنت رب الحياة
مناط بك أن تميتني مرةً لاغير
وهي من الوجع بمكان
بحيث تتجاوز مرات موتي الأخرى
وكوني عاجز عن دفع قضاءك
فأنا أموت كل ساعة
بعدد سني عُمْر «متُّوشَلَخ َ» المديدة
فلو كل الخلق قد ذرفوا الدموع
في مجرى مائي واحد
وكذا البحار ومحاليل الملح
فجملة ذلك لايُذْكَر لو قورن بفعلك بي
ولو بدأوا بتعيينها فسيلطخون عرقك الدموي
أنت حزني وحده
وأنت –يامولاي- لاتخفيه طالما بقيت على ما أنت عليه
فكل بهجتي وكل ألمعيتي لن تجدي
فليكن عبورك يستغرقك مرة واحدة
كنهجك مع أسلافي
لتنهي أنيني المستقبلي
** **


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.