مع ارتفاع نسبة مشاركة النساء.. سوريا تبدأ الدعاية الانتخابية لمجلس الشعب    الذكريات.. إرث يبقى بعد الرحيل    الحقيل يؤكد أن توجيهات ولي العهد أعادت «التوازن العقاري».. والدوسري: السعودية تمضي في مسيرة تحول تاريخي    جذب الشركات العالمية للقطاع الثقافي.. «الثقافة» توقع مذكرة تفاهم مع «دويتشه» لتنمية المواهب    جدة تتصدر جودة الحياة في السعودية    ترمب يعلن خطته للسلام في قطاع غزة.. وترؤسه «مجلس إدارة السلام»    مستشفيات غزة محاصرة.. والموت يطوق المرضى    ميدفيديف يحذر أوروبا من حرب شاملة.. وزيلينسكي: روسيا لن تعيد رسم حدود أوكرانيا    أمَّن وصول المساعدات لأول مرة.. الجيش السوداني يكسر حصار الفاشر    في ثاني جولات نخبة آسيا.. الهلال يتصدر بنقاط ناساف.. والأهلي يتعادل مع الدحيل    في الجولة الثانية من دوري أبطال أوروبا.. ريال مدريد وليفربول يبحثان عن التعويض.. ومورينيو يعود إلى «ستامفورد بريدج»    غداً.. تثبيت الهجن المشاركة في كأس الاتحاد السعودي 2025    شدد على دعم المحتوى المحلي واستكمال مشاريع الجامعات.. «الشورى» يطالب بتطوير مبادرات القطاع غير الربحي    الجهات الأمنية تضبط 173 كجم من المخدرات    انطلق برعاية ولي العهد.. بدر بن عبدالله خلال مؤتمر الاستثمار الثقافي: إطلاق جامعة الرياض للفنون قريباً    «السادة الأفاضل».. فيلم المفارقات العجيبة    مواجهة الضمير    «مطوفي الدول العربية» تحتفل باليوم الوطني ال 95 بفعاليات تراثية وفنون شعبية    «أحذية» تقود هنديين للفوز بجائزة عالمية    تسجيل براءة اختراع سعودية «متعددة الوظائف»    نوم أقل.. وزن أكثر (1)    الاتحاد يودع بلان.. وخليفة يطالب لاعبيه بنسيان النصر    أمير حائل: المبادرات تدعم الحراك الرياضي والسياحي    ليلة الخذلان من لوران بلان    سعود بن بندر يستقبل قائد المنطقة الشرقية    «محمية الإمام تركي» تنضم لبرنامج الإنسان والمحيط الحيوي    لحظة انشغال.. نهاية مأساوية    سعود بن نايف يكرم شركاء نجاح "سند"    المعلم أولًا..    فيصل بن نواف يطلع على تقرير "سهل التعليمية"    لبنان: «إسرائيل» تقصف مخزن أسلحة ل«حزب الله»    أربعة قتلى بنيران مسلح في ميشيغن.. وترمب يصفه بجزء من "وباء العنف"    أمير جازان يطلق فعاليات منتدى فكر    تكريم الفائزين بجائزة «صيتة» في الزلفي    جمعية تكتب الأدب كما يُصنع الفن    أمير جازان يرعى ندوة "بلادنا تأريخ وحضارة" والتي ينظمها نادي الثقافة والفنون بصبيا    ‏قائد قوة جازان يزور المنطقة الخامسة ويشيد بالجاهزية القتالية للوحدات العسكرية    صندوق الاستثمارات العامة    صندوق الاستثمارات يستحوذ على «إلكترونيك آرتس» ب55 مليار دولار    أمير الرياض يلتقي نائب وزير الحرس الوطني    «العظام والمفاصل» بمستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالمحمدية في جدة.. رعاية صحية وفق أعلى المعايير.. أميز الكفاءات.. وأحدث التجهيزات    الصندوق السعودي للأفلام يعتمد ريفيرا كونتنت اسما جديدا    100ألف ريال للاسم التجاري الجديد    السعودية تنضم إلى الشبكة العالمية للهيئات الإشرافية على الذكاء الاصطناعي في اليونسكو    الهلال يتغلّب على ناساف الأوزبكي بثلاثية في دوري أبطال آسيا للنخبة    الشورى لبنك التنمية الاجتماعية: استثمروا في التمويل الجماعي    لا للتهجير أو الاحتلال.. البيت الأبيض ينشر خطة ترمب لإنهاء الحرب في غزة    فضيلة المستشار الشرعي بجازان يلقي كلمة ضمن برنامج تماسك في الكلية التقنية بصامطة    بحضور الأمراء.. نائب أمير مكة يشارك في صلاة الميت على الأميرة عبطا بنت عبدالعزيز    نائب أمير تبوك يستقبل القنصل العام لجمهورية السودان    إجازة لستة أيام ومباراة ودية للفتح خلال فترة التوقف الدولي    محافظ صبيا يكرم مدير مكتب التعليم بمناسبة انتهاء فترة عمله    الهيئة السعودية للتخصصات السعودية تعتمد برنامج طب التخدير في تجمع تبوك الصحي    «هيئة الشورى» تحيل 20 موضوعاً للجان المتخصصة    أول محمية ملكية سعودية ضمن برنامج اليونسكو    "الشؤون الإسلامية" تواصل جهودها التوعوية في الجعرانة    أكثر من 53 مليون قاصد للحرمين خلال ربيع الأول    نائب أمير الرياض يستقبل وزير الشؤون الإسلامية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التحديق في الآخر لمعرفة نظرة خاطفة في منجز البازعي ومنهجه


نظرة خاطفة في منجز البازعي ومنهجيّته
في قراءة استطلاعيّة لما قدّم الدكتور سعد البازعي من كتب ومقالات ودراسات وترجمات متعدّدة، وفي التتبّع السريع لعنواناتها، نتلمّس قيمة هذا المنجز وطبيعته وجدّيّته وفلسفة صاحبه ومنهجيّته، ومدى تكامليّته في النظر والتطبيق، للوفاء بفكرة المثقّف العضوي بحسب مفهوم غرامشي له. فمن هذه الكتب: ثقافة الصحراء؛ وإحالات القصيدة؛ ودليل الناقد الأدبي إضاءة لأكثر من سبعين تيارًا ومصطلحًا نقديًّا معاصرًا (بالاشتراك مع الرويلي)؛ وأبواب القصيدة؛ واستقبال الآخر: الغرب في النقد العربي الحديث؛ وشرفات للرؤية: العولمة والهوية والتفاعل الثقافي؛ والمكون اليهودي في الحضارة الغربيّة؛ والاختلاف الثقافي وثقافة الاختلاف؛ وجدل التجديد؛ وسرد المدن الرواية والسينما؛ وقلق المعرفة: إشكاليّات فكريّة وثقافيّة، ولغات الشعر؛ ومواجهات ثقافيّة: مقالات في الثقافة والأدب (بالعربيّة والإنجليزيّة)؛ ومشاغل النص واشتغال القراءة؛ وهموم العقل: مسائل –حوارات – إشكاليّات؛ ومواجهات السلطة: قلق الهيمنة عبر الثقافات؛ وترجمات كتب: المسلمون في التاريخ الأمريكي لجيرالد ديريكس؛ وجدل العولمة: نظرية المعرفة وسياساتها لنغويي وا ثيونغو؛ وثالثها مشترك هو الأخلاق في عصر الحداثة السائلة ترجمة (مع بثينة الإبراهيم).
بهذا نستطيع بناء تصوّر واضح لطبيعة الصيغة التي تلحم كلّ تلك الأعمال والمنجزات في حفرها الرأسي العميق، وفي تشابكها الأفقي الدقيق، لبناء المشروع الثقافي ورسم أبعاده واكتمال آفاقه؛ ليكون البازعي واحدًا من كوكبة النقاد العرب الذين جاءوا من أقسام اللغة الإنجليزيّة، أمثال لويس عوض ومحمّد عناني ومحمود الربيعي وعبد العزيز حمّودة، وليناظر علمين كبيرين، فيقتفي أثرهما، ويتمثّل منهجهما، ويبني على تراثهما، ويفيد من منجزهما، مناقشًا وناقدًا، موافقًا ومخالفًا لهما، فيسهم باستمرار تأثيرهما في الباحثين والقرّاء والدارسين من بعدهما، هما الراحلان إدوارد سعيد وعبد الوهاب المسيري. فقد جمع بين هؤلاء الثلاثة التخصّص المشترك والعمل الدقيق في حقل التحليل الحضاري لصورة الآخر في الثقافة بغية وعي الذات مكانتَها في المجتمع والتاريخ.
اهتم البازعي بالاستشراق الأدبي متابعًا فيه إدوارد سعيد، وما زال يتابع قراءته في دراساته المتعدّدة، ويتقاطع من طروحاته في أحدث كتاباته صدورًا وأهمّها في مشروعه الثقافي الضخم (مواجهات السلطة: قلق الهيمنة عبر الثقافات 2018) الذي قامت أطروحته الرئيسة على مقولة لسعيد الواردة في(المثقف والسلطة). يقول البازعي: «المقولة الشهيرة «قول الحق للسلطة» تنطبق دون شكّ ليس على مواقف سعيد النضاليّة فحسب وإنّما على منتجه المنشور والذي يتجاوز العشرين كتابًا ومئات المقالات والحوارات والمحاضرات في مختلف أنحاء العالم».
ثم يفرد مقالتين هامّتين عنه في كتابه (قلق المعرفة)، يناقش في أولاهما قلق الانتماء، وفي الأخرى إشكاليّة ثقافته العربيّة والإسلاميّة. ويختم بعرض لآخر كتاباته (الأسلوب الأخير) في كتاب(هموم العقل) فيتناول جوانب دقيقة في منهجه الذي أفاد منه، ويدعو لقراءة جادّة لإنتاجه الذي لم ينل حقّه من العناية اللائقة به في عالمنا العربي. إذًا البازعي يعرف سعيد المفكّر والباحث في حفريّات المعرفة بمنهجيّة رصينة، وفي الوقت ذاته يقرأ نتاجه قراءة نقديّة فاحصة، فيحدّق في انتمائه، ويجيل النظر في منهجه ويكون موضوعيًّا في تناول وجهات نظره، وهذا ما قصدته حين قلت عنه بأنّه يحدّق في الآخر ليرى ذاته؛ فهذه واحدة من أهم نتائج دراسة الفكر المختلف والثقافة المغايرة. ومن أهم مظاهر هموم العقل وقلق المعرفة لديه.
وكتب البازعي ثلاث مقالات عن المسيري تحت عنوان «قلق المفكّر» كشفت عن الأثر الكبير الذي تركه المسيري في مشروع البازعي منهجًا وتوجّهًا واقتداءً واستكمالًا لمشروعه وتطويرًا ضمنيًّا له، فقال: «كنت أحد الذين أفادوا كثيرًا من أطروحات المسيري ومن مواقفه الشخصيّة. لقد شجّعني على كتابة بعض أهم ما كتبت ودعم بعض توجّهاتي في قراءة العلاقات الحضاريّة والمعرفيّة وفي تناول المصطلحات حين كنت بعد أستاذًا مبتدئًا. لم أشرف بأن يدرّسني وإنّما كان زميلًا في منزلة الأستاذ أو الأخ الأكبر،... ودخولي معه في صداقة هي بلا مبالغة من أهمّ الصداقات التي عرفتها حتّى الآن، لجمالها من ناحية، وعمق تأثيرها من ناحية أخرى». وعنه يقول بغية إنصافه: «مفكر مميز في عالمنا العربي، مفكّر ما يزال عالمنا العربي حتّى اللحظة غير قادر على –أو لعلّه غير راغب في- استيعاب قيمته الحقيقيّة» ويصف تأثّره به فيقول: «الاتّجاه الذي تعلّمت منذ تعرّفت على المسيري أن أسير فيه، هو اتّجاه فكري/نقدي ينظر إلى الحضارة الغربيّة ويسعى لل كشف عن خصائصها لتحقيق قدر أكبر من الاستقلاليّة الحضاريّة. هو اتّجاه تقلقله المثاقفة على نحو لا نجده لدى كثير من «المثقّفين» العرب. لقد سعى المسيري إلى ترسيخ تناول نقدي لمشكلات الحضارة الغربيّة، وطالما تمنّى إرساء دعائم علم جديد هو «علم الأزمة» تكون تأزّمات الحضارة الغربيّة مرتكزًا لبحثه، ولو تحقّق مثل ذلك لكان من نتائجه - المرجوّة- نشر نوع من الوعي الأزموي لا إزاء الغرب فحسب، وإنّما إزاء الذات أيضًا» ويقول ناقدًا الحال بأسًى «في الوقت الحاضر لا أرى الكثير مما يشجّع على التفاؤل بمقدرة –أو رغبة- أولئك المثقّفين، الذين يحتلّ بعضهم واجهات العمل الثقافي، على الإفادة من إنجازات المسيري. لكنّي أظنّ الوقت سيطول قبل أن يدرك الجميع أي ثروة تمشي بيننا، وسأظلّ أذكر دائمًا أنّني ممّن وفقوا إلى إدراك ذلك».
ومع ذلك فهو في المقالة الأخيرة (المسيري وأشكلة المفاهيم) يناقش نقطة الخلاف الجوهريّة بينهما باعتدال ونقد وإنصاف بخصوص الكتابة عن اليهود واليهوديّة والصهيونيّة في موسوعة المسيري الشهيرة وكذلك دراسته عن العلمانيّة، وكتابه هو (المكوّن اليهودي في الحضارة الغربيّة).
وللحقّ فإنّ موضوعات كتب البازعي وعنواناتها، ومن ثمّ قضاياها واهتماماتها، أو قل اشتغاله هو ومشاريعه كلّها فاتحة لشهيّة القارئ الجاد، لأنّها عميقة وخلافيّة، ومكتوبة بقلم عالم يحترم قارئه، فلا يكتب بلغة وثوقيّة في المسائل الخلافيّة، ولا يكتب بأفكار مسبّقة في النظر بعلاقة الثقافات، وإنّما هو يُعمل العقل ويحترز ويجتهد ما وسعه الاجتهاد؛ ليكون أمينًا على النهج العلمي والمقاربة الموضوعيّة والرصانة الأكاديميّة، مع وعي بضرورة أن يكون مفهومًا للقارئ النبيه والمثقّف الاعتيادي معًا.
ولقد جعلته هذه الكتابة صاحب مشروع حقًّا، فهو يشتغل في حقل متشعّب بمنهج متماسك، في سياق الحضارة التاريخ، والوسط الاجتماعي الذي يتنقّل فيه ما بين بلده السعوديّة حيث نشأ، ودول العالم الأوّل الغربيّة حيث درس، وبقيّة بلدان العالم -ومنها بلدان العالم الثالث- حيث يحاضر ويشارك في التعليم والتنوير، بانفتاح على الثقافات المتعدّدة. من هنا فإنّ من يقرأ للبازعي يدرك أنّه أمام باحث أكاديمي رصين، وأستاذ متمرّس، ومثقّف معاصر، يعي شروط اللحظة التاريخيّة التي يعيش فيها، ويدرك طبيعة المرحلة التي تمرّ بها أمّته، ويستشعر أبعاد الأزمة التي يعاني منها العالم الذي ينتمي إليه، علاوة على الإدراك الضمني لخصوصيّة الحالة التي تعيشها بلده المملكة العربيّة السعوديّة، بمكوناتها الخليجيّة والعربيّة والشرق أوسطيّة والآسيويّة والإسلاميّة والعالميّة والإنسانيّة الشاملة.
** **
د. جمال مقابلة - استاذ الأدب والنقد جامعة الإمارات / الهاشمية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.