محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تحتفي بولادة أول «وعلين نوبيين»    وزير الخارجية: «حل الدولتين» يستند لموقف المملكة الثابت تجاه القضية الفلسطينية    بعثة الأخضر للصالات تصل بانكوك للمشاركة في بطولة القارات الدولية    النصر يعين البرتغالي"سيماو كوتينيو" مديراً رياضياً خلفاً ل"هييرو"    حالات تستوجب تخفيف السرعة أو إيقاف المركبة    الربيعة ل«الرياض»: دعم القيادة حقق إنجازات طبية    القادسية يستهل المرحلة الثانية من الإعداد في إسبانيا بتواجد الوافدين الجدد    البرتغالي سيماو كوتينيو مديرًا رياضيًا للنصر    الهلال الأحمر بجازان يُحقق المركز الأول على مستوى فروع المملكة في الاستجابة للحوادث المرورية والبلاغات الطارئة    نادي الصفا يدشّن فعاليات "صيف صفوى" للفتيان والفتيات    إسرائيل تعلن «هدنة» في ثلاث مناطق في غزة    أمير نجران يدشن مركز الدفاع المدني ومقر محافظة ثار    تداول يغلق على ارتفاع وسط تداولات معتدلة    5.25 مليارات ريال صافي شراء المستثمرين الأجانب بالأسهم    22%النمو السنوي لإنتاج الذهب بالسعودية    العلاقات السعودية السورية الاستثمار بوابة التعاون الجديد    أرامكو السعودية تستشرف المستقبل بتمكين شباب المملكة عالميًا    منتخب إنجلترا للسيدات يتوّج بلقب بطولة أوروبا لكرة القدم    إعلان قائمة «أخضر الصالات» لبطولة القارات    البيتكوين يتجه إلى التصحيح برغم محاولة البائعين استعادة الهيمنة    أمير الشرقية يلتقي رئيس مجلس أمناء جامعة عبدالرحمن بن فيصل    "حرس الحدود":يقيم معرضًا توعويًا بالسلامة البحرية بمنطقة جازان    «إثراء» يختتم مهرجان الصغار بحضور مئة ألف    «المتاحف» تعيد افتتاح متحف قصر المصمك في الرياض    "كبار العلماء" تعقد اجتماعها ال(97)    قصف إسرائيلي يوقع ثلاثة قتلى في لبنان    1.6 مليون مستفيد بمستشفى الملك عبدالعزيز في مكة    القبض على مخالفين لنظام أمن الحدود لترويجهما مواد مخدرة في جازان    اتفاق على محادثات لوقف النار بين تايلاند وكمبوديا    وكيل إمارة المدينة يدشن فعاليات لدعم ذوي الإعاقة    إنقاذ مريض توقفت وظائف قلبه في مركز الأمير سلطان للقلب بالأحساء    أمير منطقة جازان يستقبل القنصل العام البريطاني بجدة    مختص: استشارة الزوج لزوجته وعي عاطفي لا ضعف في القيادة    أنغام تطمئن جمهورها بعد الشائعة    قصر كوير    التوسع في صناعة السجاد اليدوي بين الأسر    ثعبان بربادوس الخيطي يظهر بعد عقدين    صواريخ جزيئية تهاجم الخلايا السرطانية    18 ألف حياة تنقذ سنويا.. إنجاز طبي سعودي يجسد التقدم والإنسانية    "سدايا" تدعم الدور المحوري للمملكة    تمكيناً للكفاءات الوطنية في مستشفيات القطاع الخاص.. بدء تطبيق قرار توطين مهن طب الأسنان بنسبة 45 %    السعودية نموذج عالمي لاستدامة المياه    ولادة "مها عربي" في محمية عروق بني معارض    أليسا وجسار يضيئان موسم جدة بالطرب    وفاة الفنان زياد الرحباني.. نجل فيروز    أحمد الفيشاوي.. "سفاح التجمع"    دمشق: لا تقدم في تنفيذ اتفاق الاندماج مع "قسد"    أكدت أن مفاوضات التسوية لم تكن يوماً أولوية للغرب.. موسكو تشترط وقف تدفق الأسلحة لوقف الحرب    "سوار الأمان".. تقنية لحماية الأطفال والمسنين    نور تضيء منزل الإعلامي نبيل الخالد    الفيفي إلى عش الزوجية    "الداخلية": ضبط 22 ألف مخالف في أسبوع    أغلقته أمام عمليات تفتيش المنشآت.. إيران تفتح باب الحوار التقني مع «الطاقة الذرية»    القيادة تعزي رئيس روسيا الاتحادية في ضحايا حادث تحطم طائرة ركاب بمقاطعة آمور    المدينة المنورة تحيي معالم السيرة النبوية بمشروعات تطويرية شاملة    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عبدالعزيز الغريض    الأمير محمد بن عبدالعزيز يستقبل قائدَي قوة جازان السابق والمعيّن حديثًا    المفتي يطلع على أعمال "حياة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جدلية العقل العربي 1.. القومية العربية بيت من زجاج
نشر في الجزيرة يوم 14 - 10 - 2017

ظن العقل العربي الحديث أن خلق إطار قومي للعرب سيكون المنقذ والمخلّص لهم من الاستعمار التركي، وأن وجود أيديولوجية تنبني على مفهوم القومية هي السبيل الوحيد لمناهضة سياسة التتريك. ووفق هذين المبدأين انطلقت الثورة العربية في مسارها الفكري عام 1913م بعد الدعوة إلى تتريك العرب، من خلال مؤتمر عربي عقد في باريس، دعا الدولة العثمانية إلى منح العربي استقلالاً يرتكز على الاعتراف التام بلغتهم وثقافتهم وحقوقهم السياسية. وهذا المؤتمر مهد لانخراط العرب في الثورة العربية العسكرية ضد الدولة العثمانية؛ إذ إن الجمعيات التي دعت إلى الثورة الفكرية كجمعيتي العهد والميثاق هما من شجعا العرب من خلال الشريف حسين لمشاركة العرب بريطانيا في حربها مع الدولة العثمانية.
وفي عام 1936م تشكلت "الجمعية العربية" في مصر، وكان من أبرز مؤسسيها عبد الرحمن عزام ومنصور فهمي وأسعد داغر. واستطاعت تلك الجمعية أن تؤسس ميثاقًا، عدّ القاعدة الذهنية لأدبيات القومية العربية وثقافتها.
فقد استطاعت أن تُؤصل لمفاهيم مثل "الأمة العربية، البلاد العربية، النظام العربي، العروبة". وذلك التأصيل بدوره كان المؤسس الرئيس للعقل العربي الحديث؛ إذ نقله من حقبة الهوية الشمولية إلى خصوصية الهوية، تلك الخصوصية التي برزت في ترسيخ مبدأ الهوية الجديدة التي تقوم على أن الدول العربية هي "دول قومية لا دينية".
هذا المبدأ الذي أخرج العرب من إطارهم الديني إلى إطار القومية العربية، والقومية العربية كما عرفتها الجمعية العربية "مجموعة من الصفات والمميزات والحقائق والإرادات التي ألفت بين العرب، وكونت منهم أمة متحدة في الوطن واللغة والثقافة والتاريخ والمطامح والآلام والجهاد المستمر، والمصلحة المادية والمعنوية المشتركة".
أما لماذا انسلخت الهوية العربية الجديدة من العباءة الدينية، ورسخت مضمونها في المحتوى القومي؟ فيمكن تحليل هذا الاتجاه في ثلاث نقاط، هي:
* طبيعة الارتباط الديني، وهي طبيعة اشتراطية متعلقة بمفهوم الخلافة والهوية الشمولية، وهو ما يعني العودة إلى المربع الأول والاستسلام للدولة العثمانية كونها هي الممثلة للرمزية الدينية، وهو ما يسعى العرب في ذلك الوقت من التخلص منه والاستقلال عنه.
لذا فإن التخلص من مبدأ الدين في تأسيس الهوية العربية الجديدة هو تخلص من وصاية الدولة الدينية المتمثلة في الدولة العثمانية.
وبذلك كان من الضروري قطع الرفع الديني في تشكيل الهوية العربية الجديدة للتخلص من حكم وسيطرة الدولة الدينية.
* إضافة إلى أن العقل القومي العربي الذي نشأ برعاية بريطانيا، وبتحريض منها لتحشيد الوعي العربي للتمرد على الخلافة العثمانية، والمشاركة في حربها ضد تركيا، لم تكن لتسمح له بنشوء دولة دينية إسلامية جديدة ترث الدولة العثمانية.
* كما أن حمى فصل الدين عن الدولة التي شاعت في أوروبا لم تكن بمنأى عن مؤسسي فكرة القومية العربية؛ ولذلك ظنوا أن من الأفضل أن يبدأ الطريق من حيث انتهى الآخرون.
وليس الدين هو السبب الوحيد لبروز فكرة القومية بل الأمر يعود أيضًا إلى ما أصبحت عليه الطبيعة الجغرافية الجديدة، أو ما سُمي بعد ذلك "بالمنطقة العربية" التي تتشكل من مجموع من الدول القطرية التي تجمعها اللغة المشتركة والتاريخ المشترك، ويعيش فيها الكثير من المسلمين العرب والكثير من المسيحيين العرب، الذين رسخوا لمبادئ الفكر العربي الحديث وأدبياته وثقافاته.
وإدخال الدين في تشكيل هوية المنطقة الجديدة يعني إخراج العرب المسيحيين الذين رافقوا العرب المسلمين في كفاحهم ضد تركيا، كما هو إنكار لدورهم الفعال الفكري والثقافي والأدبي، كما أن حضور الدين كجزء رسمي للهوية الجديدة هو تمييز ديني يخرج كل غير مسلم من إطار المواطنة في الدول القطرية الجديدة.
وهكذا برز مصطلح "المنطقة العربية" الذي ما لبث أن تحول في السياسات العالمية إلى مصطلح "الشرق الأوسط" عند إعلان إسرائيل دولتها عام 1948م.
لا شك أن توثيق الهوية الجديدة للعرب بالقومية هو في المقام الأول "مقاومة" لفكرة تفكيك الهوية العربية التي سعت إليه الدولة التركية؛ لتصهير العرب وإعادة تشكيلهم وفق هوية جديدة، تضمن من خلالها تركيا التحكم برقاب العرب؛ ولذلك اعتمدت المقاومة على "تقوية" ما تسعى تركيا إلى تصهيره وهي اللغة؛ لذا كثرت في هذه الفترة الأبحاث المتعلقة باللغة العربية، وإعادة إحياء التراث اللغوي والبلاغي للعرب، وظهور المدارس الشعرية المقلدة للشعر العربي في عصوره الذهبية كالأموية والعباسية، كل تلك الثورة اللغوية كانت لحماية اللغة العربية التي بدأت تضعف بسبب سياسة التتريك.
إن فكرة "خلق هوية جديدة" خارج الإطار الديني هي فكرة يحيطها الكثير من التهديدات ليس على المستوى النخبوي بل على المستوى الشعبي، فالوعي الشعبي الذي تربى سواء بالواقع أو بالوراثة مئات السنين على أن الدين هو أساس هويته سيستيقظ فجأة على تغير مسار صادم لتلك الهوية في انتقالها من الدين إلى القومية.
ولذا كان لا بد من إيجاد منظومة تبريرية لدى دعاة استبدال الدين بالقومية لامتصاص مقاومة الوعي الشعبي.
وقد اعتمدت تلك المنظومة في المقام الأول على "تشويه الدولة العثمانية" من خلال الحملات الصحفية والأدبية. ومما ساعد على نجاح ذلك التشويه ممارسة الدولة التركية سياسة طاغية في الدول العربية وتفقير الشعوب العربية بسبب سياساتها الاقتصادية في المنطقة، وتهميش دور العرب السياسي، ثم جاءت فكرة تتريك العرب لتكون الشعرة التي قصمت ظهر البعير.
وبعدها دخول تركيا الحرب مما زاد من خوف العرب على مصيرهم عندما تُهزم تركيا، وهزيمتها تعني أن مصير العرب سيكون مفتوحًا على كل احتمالات المجهول، بما فيها احتمال توزيعهم على الدول المنتصرة، وهو ما حدث فيما بعد، في ظل الهوية الجديدة، لتذهب وعود بريطانيا للشريف حسين ولمفكري العرب في ضمان دولة عربية مستقلة ذات سيادة كاملة أدراج الرياح.
إن فكرة القومية كإطار لتشكيل الهوية العربية الجديدة لم تكن لتنجح إلا عبر ثلاثة مستويات (المستوى الفكري والمستوى الشعبي والمستوى السياسي)، وقد مثل الشريف حسين الظهير السياسي للثورة العربية، ولولا هذا الظهير ما كانت لتتم الثورة العربية في مسارها الفكري. أما مسارها السياسي فلم يكن يخلو من جدليات الوهم والخداع. (وللحديث بقية).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.