لا أعرف كيف يجوز ل»عنتريات» أنظمة من قبيل كوريا الشمالية، وإيران، وسوريا، أن توصف بأنها «عنتريات». فهي في أحسن الأحوال لن تكون أفضل من «عنتريات» إعلام النظام العراقي السابق، الذي خاض «أم المعارك» لتقع على أم رأسه وأم رأس العراقيين جميعا. مع ذلك، فإن الوصف لا يبدو مريحا، وهو لن يُرضي عنترة بن شداد. وأشعر بالإحباط من عجزي الشخصي عن إيجاد بديل لوصف المبالغات لقدرات أولئك الذين كلما تلقوا صفعة، قالوا إنهم «سوف يردون عليها في الزمان والمكان المناسبين». ولئن كان الكوريون الشماليون يمتلكون قدرات نووية وصاروخية بالفعل، فإنها قدرات محدودة للغاية قياساً بمن يحاولون مناطحته. وهم يعرفون، في قرارة أنفسهم على الأقل، أنهم إذ يحاولون السير إلى حافة الهاوية، فإن قدراتهم لن تشفع لهم بالكثير. فهل يجوز لعنترياتهم أن توصف بأنها عنتريات؟ لقد كان عنتر بن شداد فارسا بارعا من فرسان بني عبس، وأثبت بسالته في العديد من المعارك، حتى ضُربت به الأمثال. وكان يحترم خصومه، احترامه لنفسه. وهو إلى ذلك شاعر من أبلغ شعراء عصره. ولا أدري إن كان يمكن لأي وزير من وزراء الإعلام في الدول المذكورة أعلاه، أن يأتي بمثل هذين البيتين: فهل يمكن لأحدهم أن يجاريهما ولو ببيتين عن صفعات الصواريخ التي سوف تنهمر عليه، ليرى ما إذا كان يمكنه تقبيل القذائف التي لمعت كبارق خده المتورم؟ فتضخمت عواقبها كعميق جهله المتضخم؟ والمسألة في «العنتريات» الحديثة، هي أنها لا تجافي الواقع من أجل البلاغة، بل من أجل السخافة. وهذه بحد ذاتها «معترك» هوائي ظلت الدول أعلاه تخوضه مع نفسها حتى انتهى بها الحال إلى أنها لم تعد تعرف من الواقع واقعا، ولم تعد تأبه للحقائق المادية بأي شيء. ويحسب «العنتريون الجدد» أنهم إذا ما بالغوا في قدراتهم، فإنهم يستطيعون أن يكسبوا دعم «الجماهير» المخدوعة بالشعارات. إلا أن العالم الذي غدا قرية صغيرة، لم يترك إلا القليل من الفراغ للجهل. فالمعلومات متداولة على أوسع نطاق، والكل يعرف ما هي حقاً حدود الدعاية التي كلما بالغت في الادّعاء، أظهرت ضحالتها وضحالة الذين يقفون وراءها. بينما كان عنتر بن شداد، جميل المعنى، وعذب العبارة، وصادق القدرة على خوض القتال. هو الذي قال: فأين، بالله، هذا من عنتريات أولئك الذين لا يحترمون أنفسهم، ولا يحترمون أحدا؟