قد يبدو العنوان غريباً ولكن تمهّل، فله نصيبٌ من الحق! ولْأسألكم من جديد: هل هناك رابط بين النُّبل وبين مرض التهاب المعدة؟ لا يبدو أن لهما رابطاً ولكن هناك علاقة بين الاثنين، والذي صنع هذا الرابط رجل اسمه باري. كان الناس يظنون أن الضغط النفسي هو سبب التهاب المعدة، والبعض إلى الآن يرون أن تناول الأطعمة الحرّاقة المبهَّرة بالفلفل هو السبب، وهذا كان الاعتقاد الشائع إلى فترة قريبة حتى أتى عالمان أستراليان اسمهما روبن وارين و باري مارشال وأثبتا خطأ هذا في الثمانينات الميلادية و برهنا أن السبب نوع من البكتيريا، غير أن ذلك الاعتقاد كان قد ترسّخ في عقول الناس ووجد العالمان صعوبة في تغيير تلك القناعات - رغم التجربة العلمية التي أثبتت كلامهما -، فحينها أعلن باري أنه سيتناول البكتيريا مباشرة عبر فمه ليثبت هذا! ولم يكذِب، فقام وشرب قنينة مليئة بتلك البكتيريا، وأصابه الغثيان والقيء لعدة أيام، لكن لما فحصه الأطباء وجدوا أنه أصيب بالتهاب المعدة وكان قبل هذا سليماً لا يشكو شيئاً، وأثبت هذا العالم بالفعل أن البكتيريا هي السبب. فعل ذلك العالِم شيئاً طيباً للعِلم (حتى لو كان سيئاً لنفسه!)، وهو مما يُشكَر عليه، لكن هناك من يقدّم ما هو أعظم من هذا: روحه. في عام 2009م كان جراح المخ الإيطالي كلوديو فيتالي يجري عملية دقيقة لأحد المرضى. عانى المريض من ورم في المخ وخضع للجراحة ليقوم الدكتور فيتالي بإزالته. بدأ فيتالي العملية وأخذ في استئصال الورم وإذا به يشعر بآلام في صدره فتجاهلها ظاناً أنها ليست إلا حالة من عسر الهضم، ولكن الآلام اشتدت حتى صار يشعر أن شخصاً لَكَمه في صدره بقوة حتى اخترقت القبضة قلبه، حينها أدرك خطورة وضعه وأنه يعاني من نوبة قلبية تحتاج تدخلاً جراحياً عاجلاً، وحثّه الممرضون والممرضات أن يعجل إلى غرفة الطوارئ إلا أنه رفض ترك العملية، فرغم أنه استأصل الورم إلا أنه حصل نزيف في مخ المريض يحتاج إلى علاج سريع، ولو أنه ترك العملية ساعتها لأصيب المريض بدمار دائم في المخ، فأكمل العملية وقبضة الألم تعتصر قلبه، واستغرق هذا الترميم 30 دقيقة والدكتور فيتالي يقترب من الموت شيئاً فشيئاً حتى انتهى من جراحته، نُقل فوراً بعدها إلى الإسعاف وخضع لمبضع جراح القلب، حيث أزالوا انسداداً في أحد شرايينه وتعافى بعدها. ما أحسن التضحية للآخرين. إنَّ صعوبتها هي التي تزيد في نُبلِها، ولو كانت سهلة لما كان لها نفس القيمة ولأمكن للكل أن يصنعها، ونحيّي جميعاً الناس الذين يضعون أنفسهم في المواقف الصعبة ليقدموا الخير للناس.
