قالت هيئة عالمية تضم الوكالات الحكومية المعنية بمكافحة غسل الأموال، أن المؤسسات المالية لم تبذل جهداً كافياً في الإشراف على الأنشطة المالية المشبوهة التي قام بها المسؤولون في «الاتحاد الدولي لكرة القدم» (فيفا)، ونبّهت المصارف إلى ضرورة تشديد إجراءات الفحص. وجاء هذا التحذير من «مجموعة العمل المالي» التي تتخذ من باريس مقراً لها، في أعقاب توجيه الولاياتالمتحدة اتهامات إلى تسعة من المسؤولين الحاليين والسابقين في «فيفا»، وخمسة من المديرين التنفيذيين بسبب سلسلة من الاتهامات بالفساد من بينها الرشوة وغسل الأموال والاحتيال. ومع استمرار اتساع نطاق التحقيق الأميركي وتحقيق سويسري منفصل، في ما إذا كان حدث فساد في إرساء «فيفا» حقوق استضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم لعامي 2018 و2022 على روسيا وقطر على الترتيب، فإن هذا التحذير سيزيد مخاوف المصارف في شأن التعامل مع حسابات معينة لاتحادات وأفراد في مجال كرة القدم. وبالفعل، صعد بعض المصارف الأوروبية والأميركية عمليات التدقيق في الحسابات المرتبطة ب «فيفا»، وقال مصرف واحد على الأقل أنه أوقف المعاملات الخاصة بالاتحاد الدولي لفترة من الوقت بسبب اتهامات الفساد. وقالت «مجموعة العمل المالي» في بيان، أُزيل في ما بعد من موقعها على الإنترنت، أن «التقارير الأخيرة عن فساد مزعوم وأنشطة غسل أموال على نطاق واسع من جانب عدد من كبار مسؤولي فيفا، تؤكد مدى أهمية تعرّف المؤسسات المالية إلى الزبائن الذين يمثلون أخطاراً عالية ومراقبتهم». وأضافت أن المؤسسات المالية «لم تعطِ مقداراً كافياً من التدقيق للأنشطة المالية للمسؤولين المعنيين أثناء مرور الكثير من هذه التحويلات التي يقال أنها مرتبطة بالفساد عبر الجهاز المالي الدولي من دون أن تُكتشف». وقالت «مجموعة العمل» التي يشمل أعضاؤها الولاياتالمتحدة والصين والبرازيل وسويسرا والكثير من الدول الأوروبية أن «النقاش العام المستمر عن نزاهة كيان ما يجب أن يطلق جرس الإنذار للمؤسسات المالية. لذلك، يتعين عليهم التعامل مع الزبائن الذين تربطهم صلة ما في الزبائن الشديدي الأخطار». وعلمت «رويترز» من مسؤول أوروبي على دراية بتطورات قضية «فيفا» بقصة البيان الذي صدر فيما يبدو بتاريخ 16 حزيران (يونيو) الماضي. ومن الممكن العثور على البيان من خلال بحث على «غوغل»، لكن لم يعد من الممكن الوصول إليه عبر الموقع الإلكتروني ل «مجموعة العمل المالي». وقال رئيس المجموعة، روجر ويلكينز، أنه قرر إزالة البيان من الموقع بسبب القلق من صياغته وعدم وجود أدلة ملموسة لتدعيم الاتهامات. وأردف في مكالمة هاتفية من بريزبين حيث يعقد اجتماع مجموعة العمل: «نحن لا نريد التدخل في التحقيقات الجارية والطريقة التي صيغ بها فربما يتم تحويرها». وتابع: «ليس لدينا أي دليل مباشر على أن المؤسسات المالية فعلت شيئاً خطأً بالضرورة، أو أخفقت في فعل شيء ما في ما يتصل بهذه الأمور». * تقرير مكافحة المخدرات وعلى رغم أن قائمة الاتهامات الرسمية لم تصدر إلا أواخر أيار (مايو) الماضي، تداولت وسائل الإعلام الفساد المزعوم في الاتحاد الدولي لكرة القدم، والهيئات الإقليمية التابعة له على نطاق واسع لسنوات عدة، ومن ذلك كتب عدة نشرت عن هذه المسألة في السنوات التسع الماضية. وترددت تقارير إخبارية عن التحقيق الذي يجريه مكتب التحقيقات الاتحادي الأميركي. وقال مصدر على صلة وثيقة بالصناعة المصرفية أن من الأسئلة التي تثار في الدوائر المصرفية الأميركية ما إذا كانت البنوك تتصرف بسرعة كافية بإعلان النشاط بمجرد أن تطلب السلطات معلومات عن حساب ما. وفي آذار (مارس) الماضي، في تقرير روتيني عن مكافحة المخدرات لم يلحظه أحد في ذلك الوقت أبدت وزارة الخارجية الأميركية قلقها لوجود ثغرات في القانون السويسري الذي يغطي «فيفا»، خلقت فرصاً للفساد وغسل الأموال. وتستخدم البنوك الأميركية هذا التقرير لتقويم الأخطار المرتبطة بزبائنها الأجانب ومصارف المراسلة. وقالت وزارة الخارجية في التقرير أن «الاتحادات الرياضية مثل الاتحاد الدولي لكرة القدم واللجنة الأوروبية الدولية، ليست من مؤسسات الأعمال بل اتحادات. وهي لا تدفع ضرائب، وبصفتها من الاتحادات فلا ينطبق عليها الإطار القانوني السويسري لمكافحة الفساد». وقالت في إشارة إلى الحكومة السويسرية أن «الاستثناء الممنوح إلى هذه الكيانات يجعلها أكثر عرضة لأنشطة غسل الأموال. وعلى الحكومة أن تبذل جهود لتغيير القوانين السارية في ما يتعلق بهذه المنظمات التي تدور حول الكثير منها شبهات الفساد». وعلى رغم كل علامات التحذير، فإن قائمة الاتهام تحدد عشرات الصفقات المشكوك فيها التي سمحت مصارف في الولاياتالمتحدة وأوروبا وغيرها، بإجرائها في السنوات القليلة الماضية. ويقول المدعون الأميركيون في قائمة الاتهامات أن المتهمين والمتآمرين معهم اعتمدوا اعتماداً كبيراً على النظام المصرفي الأميركي في تنفيذ خططهم وإخفائها. وقال القائم بأعمال المدعي الأميركي في شرق نيويورك كيلي كاري في مؤتمر صحافي عندما أعلنت قائمة الاتهامات في 27 أيار الماضي، أن تصرفات المصارف ستُراجع لمعرفة ما إذا كانت سهلت الرشوة عمداً. ولم تتهم المصارف المعنية بارتكاب أي مخالفة. * التحذيرات الأولى مع ذلك، قال بعض مسؤولي المصارف أنهم يشعرون بالقلق لما هو مطلوب منهم. وقال مسؤول عن الالتزام بالقوانين واللوائح في مصرف أميركي كبير، أن من الصعب من وجهة النظر المصرفية اكتشاف الرشوة ومدفوعات الفساد ومتابعتها، لأنها تبدو في الغالب وإن لم يكن دائماً، مثل أنشطة مشروعة. وقال المصدر: «نحن نفعل ما نفعله في كل الأمور المشابهة فننظر بالبيانات التي لدينا، والتي لا تكتمل في سياق الرشوة ونعمل مع أجهزة إنفاذ القانون لمحاولة فهمها». وتساءل مسؤول الالتزام بالقانون واللوائح في مصرف بريطاني قائلاً: «هل المطلوب مني البحث والتحري لمعرفة من مسؤول التسويق في كل شركة للأحذية الذي يتخذ قرارات العروض الخاصة المرتبطة باللاعبين، ثم أراقب حسابه لمعرفة ما إذا كان سيحصل على 50 ألف دولار إضافية؟ أين يتوقف ذلك؟». وامتنع كل المتحدثين في المصارف الأميركية الأربعة الكبرى «جي بي مورغان»، «تشيس وويلز فارغو»، «بنك أوف أميركا» و «سيتي غروب» عن التعقيب على بيان «مجموعة العمل المالي». كما امتنعت عن التعقيب مجموعة «إتش إس بي سي هولدنغز» في لندن. وأبدت «مجموعة العمل المالي» قلقها في الماضي من استخدام كرة القدم وسيلة لغسل الأموال. وفي عام 2012، أصدرت المجموعة تحذيراً يقول أنه مع نمو هذه الرياضة «فإن استثمار الأموال في القطاع ازداد زيادة كبيرة وأن بعضه يرجع إلى صلات إجرامية». وحذرت مجموعة العمل حينذاك من أنه «على رغم النمو السريع وشعبية قطاع كرة القدم فإن الهيكل التنظيمي لكرة القدم لم يساير هذه التغيرات». وفي تموز من عام 2009، أصدرت «مجموعة العمل» تقريراً من 40 صفحة في عنوان «غسل الأموال في قطاع كرة القدم». وقالت تلك الوثيقة أن كرة القدم تواجه ثغرات عدة لغسل الأموال بما في ذلك نقص الإدارة المحترفة على مستويات مختلفة. وقالت «مجموعة العمل» أنها ستبحث القضية في اجتماعها في بريزبين، بما في ذلك ما إذا كان من الضروري وضع أي معيار آخر أو إصدار توجيهات أو ما إذا كانت المعايير الحالية كافية إذا ما طبقت على الوجه السليم.