لو طلب من مراقب خارجي أن يحصي الكلمة الأكثر تداولاً وحضوراً في الخطاب العربي المعاصر لأجاب بلا تردد: «الهوية»، لذلك لا مبالغة في القول إن خطاب الهوية اليوم بات يرث خطابي «الثورة والنهضة» كليهما. غدت الهوية حقاً بؤرة السؤال ومدار السجال في الأوساط الفكرية والدوائر السياسية وليس أدل على ذلك من هذا الكم الهائل من الكتب والمقالات التي تتناول موضوع الهوية بأوجهها المختلفة. إننا نعيش عصر وسواس الهوية على حد تعبير جان ماري بونوا. فالإنسان العربي في عصرنا يبدو إنسان استرداد الهوية، هوية المجتمع القومي، وضمن هذا الإطار هوية ذاتيته الخاصة التي يعكس تمزقها هوان المجتمع. إن نقطة الانطلاق في وقتنا الحالي هي البحث عن هوية المجتمع العربي التي تمزقت وعلينا إعادة ترميمها. ويرى الإسلاميون أنه لما كان القرن الحادي والعشرون يبحث عن هوية، بعد أن انهارت الماركسية، وفشل المشروع الليبرالي في قيادة العالم، فإن الإسلام هو الخلاص. أما القوميون فقد كانوا السباقين إلى طرح « الهوية القومية» وهذه الهوية هي القومية العربية التي تجمع العرب وتوحد كلمتهم. الهوية في الخطاب العربي المعاصر هي إذن بمثابة المنارة التي يلجأ إليها الجميع للاحتماء بها، في ظل ظلام العولمة الدامس. إنها الحصن الحصين لإثبات الذات، ورمز للمقاومة ضد الذوبان كما يقول أنصارها. ولكن عبثاً نحاول الحصول على تعريف واحد لهذه الهوية. وهي تزداد التباساً كلما حاولنا الاقتراب منها. إننا لا نعرف أين نجدها. أتراها في الماضي حيث تشكلت وأنجزت وما علينا سوى الاقتراب منها، أم هي في المستقبل؟ وإذا كانت هناك فما هي مقوماتها؟ وكيف نستطيع تخيل مستقبل في عالم متحول ومتغير نكون فيه على ما نحن الآن؟ إن مفهوم الهوية يتضمن درجة عالية من الصعوبة والتعقيد لأنه بالغ التنوع في دلالاته واصطلاحاته. وهذا ما ينفي الشرح التبسيطي والاختزالي الذي يتم تداوله الآن للمفهوم في الخطاب العربي المعاصر. ولكنني لا أتفق مع من يذهب إلى القول إن العرب لم يكتشفوا هويتهم إلا من خلال الآخر (الغرب). وكأنهم بذلك ينفون أن العرب أمة ذات حضارة، وصفها القرآن بأنها «خير أمة أخرجت للناس». * كاتب فلسطيني