دعمت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي تمسك واشنطن بمجموعة البث الدولي الأميركي في العراق وأفغانستان، وصوت أميركا وإذاعة أوروبا الحرة (راديو ليبرتي) وراديو سوا وقناة الحرة، وأشار اجتماعها الأخير الى آثار ايجابية لوسائل الإعلام الأميركية الموجهة، ونجاحها في تعزيز احترام حقوق الإنسان، والمجتمع المدني، وسيادة القانون، ومحاربة التعصب الديني والعرقي، ونشر القيم الأميركية. الحماسة الأميركية الجديدة لامتلاك وإدارة وسائل اعلامية موجهة بهدف تصحيح صورة الوجود الاميركي في تلك المناطق شكّل خيبة أمل كبيرة بإدارة باراك أوباما، فهذه الوسائل جاءت بنتائج عكسية في المرحلة السابقة، وجرى خطف بعضها لأهداف وأغراض تتنافى مع الشعارات التي ترفعها، وهي لم تشكل اضافة مهنية لوسائل الإعلام في المنطقة، على غرار الدور الذي لعبته اذاعة «بي بي سي» في النصف الثاني من القرن الماضي. وليس فيها من ملامح الإعلام الأميركي سوى الاسم، فضلاً عن ان واشنطن كرست بمنهجها سطوة الدعاية السياسية، واستمرار تمسك الحكومات بملكية وسائل الإعلام الجماهيرية. واشنطن تتحدث عن تكاليف سنوية تصل الى قرابة 700 مليون دولار، والارقام مرشحة للزيادة، لكن مهنية هذا الإعلام وخدماته لا تعكس هذا المبلغ الضخم، والسبب ان واشنطن تدير هذه الوسائل بعقلية راعي البقر، وعبر اللجان وبيروقراطية الحكومة، وتدّعي شيئاً، وتفعل عكسه. وكان بإمكانها استثمار هذا «الغزو الاعلامي» بطريقة افضل من خلال صنع شراكة بين محطات أميركية وعربية، والسعي لتقديم صورة الأمة الأميركية، وخلق نموذج إعلامي حر في هذه الجزء من العالم، لكنها للأسف لم تفعل ذلك، واختزلت الأمة الأميركية بصورة المارينز، وجعلت حرية التعبير أحد الشعارات المزيفة في منطقتنا. صحيح ان وجود وسائل إعلام أجنبية موجهة الى شعوب المنطقة ليس فكرة سيئة، لكن ترك شأنها بيد الحكومات الغربية أمر مختلف، لذا لا بد من فتح حوار مع قيادات الرأي العام الاميركي حول هذه القضية، وإشعار الأميركيين بأن استمرار الحكومة في السيطرة على الحوار بين أميركا والعالمين العربي والاسلامي قضية فاشلة في أحسن الاحوال، وخطرة في أسوأها.