عرض «التلفزيون العربي السوري» وثائقياً بعنوان «دار وسراب»، (من إنتاج «المركز الإخباري»؛ توأمه)، يتناول الوقائع اليومية في «مخيم الزعتري»، أكبر مخيمات اللاجئين السوريين، بوجود قرابة 120 ألف لاجئ سوري في مربعاته. يبدأ «دار وسراب» بمونتاج صوتي لأقوال لاجئين سوريين، يؤكّدون جميعهم بؤس الحياة التي يعيشونها في «الزعتري». التعليق الصوتي الذي سيرافق بعض مقاطع الفيلم لن يبتعد عن هذا كثيراً. الإضافة التي يصرّح بها تتمثّل في قوله إن بعض هؤلاء اللاجئين جاء بإرادته، وبعضهم الآخر أُجبر على مغادرة أرض الوطن، وأنه «بين الرضا والإكراه وقعت المعاناة». حسناً. مشاهدة هذا الوثائقي، ستبيّن أنه تجاوز المُعطى السياسي تماماً، وتجاهله، وركز على اليومي الحياتي للاجئين الذين وجدوا أنفسهم بغتة مطحونين بين رحى ما صاروا إليه اليوم، وما كانوا عليه من قبل. يُدلل على ذلك أصلاً عنوان الوثائقي ذاته «دار وسراب»، في ثنائية فاجعة، ينتهي معها إلى ثنائية مُقابلة، يمكن تلخصيها بالعودة أو الضياع. لا يكتفي الفيلم في تبيان مرارة ما آل إليه اللاجئون في «الزعتري»، عبر شخصيات طاعنة في السن، تبكي ما انتهت إليه أحوالهم، حيث لا أهل ولا أقرباء ولا رعاية... وحيث تتقاعس الدول عن أداء أدوارها تجاههم، ليخلص إلى مقولات أولى مثل: كنا «عايشين في سورية في جنّة»، وهنا «نعيش من قلّة الموت»، و«ألعن من هيك ما ظلّ»... ريثما ينتقل إلى مقولات نهائية مثل: «لو نعيش هناك ع التراب» أفضل من أن نبقى هنا، وبالتالي لا بد من الشروع في مسيرة العودة، مهما كان الأمر، وهو ما سيصوّره في مشاهده الأخيرة. يبلغ «دار وسراب» ذروته الدرامية بالحديث عن «شانزليزيه الزعتري»، حيث مفاجأة وجود سوق أنشأه اللاجئون للاجئين، وما كان من «المفوضية العليا لشؤون اللاجئين» إلا أن اعتمدت هذا الاسم في وثائقها. لا نريد التوقّف النقدي أمام هذا الوثائقي، ومدى مهنية وحرفية صناعته. حسبنا التنويه ببعض الملاحظات، التي تبدأ من التخلّي عن وضع اللوغو الخاص بالتلفزيون السوري، على المايكروفون، في المشاهد المُصورة في الزعتري، ليظهر واضحاً، في ما بعد، في المشاهد التي تصوّر العائدين إلى سورية. ومع الانتباه إلى أن الفتاة التي تجري المقابلات تتحدّث باللهجة الأردنية الممزوجة بالفلسطينية، نتفاجأ بأن بعض المتحدثين يظهرون ملثمين... فعن من يتخفّون؟ وهل تراهم كانوا يعلمون أنهم يتحدثون إلى التلفزيون السوري ذاته؟ وهل حذف المونتاج أقوالهم في السياسة أم أنهم اكتفوا بالشكوى لعلهم يتحصّلون على نصيب من الدعم المأمول؟ على رغم ذكر «شانزليزيه الزعتري»، تبقى العبارة الأهم التي قالها اللاجئون السوريون: «تبهدلنا»! نعم... أكثر من 120 ألف مُهجّر، يتبهدلون في «شانزليزيه الزعتري». ولا أحد يهتم بهم حتى «دار وسراب» نفسه.