إنفاذاً لأمر خادم الحرمين الشريفين.. وزير الدفاع يقلد قائد الجيش الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز    إنفاذًا لأمر خادم الحرمين الشريفين.. سمو وزير الدفاع يُقلِّد قائد الجيش الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة    في ظل دعم ولي العهد المتواصل ل«سدايا».. السعودية الأولى إقليمياً بمؤشر جاهزية الحكومات للذكاء الاصطناعي    فتح التقديم للابتعاث لمرحلة الإقامة الطبية بألمانيا    أبو فروة وحقوق المستهلك    إدانة دولية للجرائم الإسرائيلية المستمرة.. انتهاكات الاحتلال تعرقل المرحلة الثانية في غزة    الربيعة وسفير المملكة بالبوسنة يناقشان الموضوعات الإنسانية    تصريحات متطرفة بشأن لبنان.. توغل إسرائيلي جديد في الجنوب السوري    في نهائي السوبر الإيطالي بالرياض.. نابولي يسعى ل «الثالث» وبولونيا يطمح للقبه الأول    في الجولة السادسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الهلال والأهلي في ضيافة الشارقة والشرطة    في أولى جولات كأس أمم أفريقيا 2025.. مصر تواجه زيمبابوي.. ومالي تصطدم بزامبيا    جهود أمين جدة وسرعة الإنجاز لشبكة تصريف الأمطار    أين يبدأ التنمر الوظيفي وأين ينتهي؟    هيئة «الشورى» تحيل تقارير جامعات لجلسة المجلس    القراءة.. الصديق الذي لا يخذل    من هن النسويات؟    معرض جدة للكتاب 2025 يختتم فعالياته    انطلاق تصفيات مسابقة الملك سلمان لحفظ القرآن بجازان    1% انخفاض ودائع البنوك السعودية    9 طلبات توصيل كل ثانية عبر التطبيقات    كونتي: بلغنا النهائي بجدارة واستحقاق.. وإيتاليانو بسعادة: نعتز بدعم الأسطورة روبيرتو باجيو    معالي نائب وزير الرياضة يتوّج الأمريكي "تيين" بلقب بطولة الجيل القادم للتنس 2025    دوري يلو 12.. العلا والدرعية يهددان صدارة أبها    ألمانيا: إصدار أكثر من 100 ألف تأشيرة في إطار لم شمل عائلات اللاجئين في 2025    الانفصال.. خيار مستحيل جيوسياسيًا في اليمن    اليمن.. صراع النُخب مزّق الوطن    مطارات الرياض وهندسة مسار تجربة المسافرين    %86 من السعوديين يمارسون أنشطة الترفيه الرياضي    أمريكا تعترض سفينة أخرى قرب فنزويلا    طربيات «موسم الخبر» تبرز فن تركي عبدالعزيز    أنغام تودع عاماً وتستقبل عاماً في «ليلة الحب»    الفن وأصوات النجوم يعيدان وادي صفار للواجهة    المغرب يهزم جزر القمر بثنائية في افتتاح كأس الأمم الأفريقية    لغة نصفق لها ولغة نستخدمها    "الرياض وجدة" تعززان حضورهما السياحي والثقافي مع قرب انطلاق كأس آسيا تحت 23 عامًا "2026 السعودية"    الصراع الإسرائيلي الإيراني بين الضربات العسكرية وحسابات الردع    منهج الاحتلال.. استيطان وعنف    قرارات تطويرية لتكامل المنظومة الدينية بالحرمين    نائب أمير جازان يستقبل رئيس الجامعة و يستعرض المشاريع التطويرية    أمير الرياض يستقبل سفيرة الجمهورية الهيلينية المعيَّنة حديثًا لدى المملكة    بر الشرقية تستعرض برامجها التنموية بمحافظة العديد    القبض على مواطن بتبوك لترويجه أقراصًا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    أمانة المدينة: نسبة أعمال جسر "الصافية" بلغت 56٪    في كل شاب سعودي شيء من محمد بن سلمان    افتتاح فعالية «السهي فيو» ضمن مهرجان جازان 26    من «بيوت الموت» إلى منصات التوقيع… سعاد عسيري تدشّن روايتها الأولى في معرض جدة للكتاب 2025    مدرسة ابتدائية مصعب بن عمير تحتفي باليوم العالمي للغة العربية    وفد أعضاء مجلس الشورى يطلع على أعمال هيئة تطوير محافظة جدة    المملكة.. إغاثة بلا حدود    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل سفير خادم الحرمين في ماليزيا ومفتي رواندا    خطيب المسجد الحرام: إذا تولى الله عبدًا أكرمه وهداه    إمام المسجد النبوي: الإسلام يسمو بالأخلاق ويربطها بالإيمان    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالمحمدية في جدة يُنقذ مراجعاً مصاباً بانسداد حاد نسبته "99 %" بالشريان التاجي الأيسر    تشغيل نظام الأرشفة الإلكترونية بمستشفى الأسياح    بيان مديراً لمستشفى الأمير عبدالمحسن    مشلول يتحكم في روبوتات بإشارات الدماغ    أداة بالذكاء الاصطناعي للكشف عن سرطان الكلى    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تعيد توطين طائر الجمل بعد غياب 100 عام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التكفير بالفتوى .. والتكفير بالدستور
نشر في الحياة يوم 26 - 01 - 2014

هل هناك تكفير بالدستور أيضاً؟ ما معنى ذلك؟ وما الفرق بينه وبين التكفير بالفتوى؟ نعم هناك تكفير بالدستور، وهذه مفارقة، بل هناك تكفير بآليات وأدوات أخرى غير الدستور والفتوى. لن تكون إجابتنا هنا عن تلك الأسئلة إجابة فقهية. نترك هذا للمتخصصين، والأهم من ذلك أن تلك الأسئلة بالصيغة التي تفرض نفسها تبحث عن إجابة غير فقهية. ربما أن الفقه والحديث وعلوم الأديان كلها التي رانت على تاريخ المنطقة قروناً طويلة هي السبب الأول وراء تناسل وتعدد أشكال التكفير، وتداخل أدواته وآلياته الفقهية، وتؤكد الحرب الطائفية في المنطقة أنه حان الوقت للنظر إلى الموضوع من زاوية أخرى تختلف عن أدوات الفكر الديني، وتصطدم معه في الوقت نفسه.
لكن ما مناسبة الحديث عن التكفير والدستور والفتوى والعالم مشغول ب «جنيف 2»، وما يمكن أن يتمخض عنه؟ المناسبة أن إيران كما بشار الأسد، تريد أن يكون الهدف الوحيد ل «جنيف2» محاربة «الإرهاب والتكفيريين»، وأخذه بعيداً عن أن يكون بداية النهاية لحكم آل الأسد لسورية. إذا كان الأمر كذلك، فلماذا إذاً لم تقبل إيران بوثيقة «جنيف 1»، وتضمن مشاركتها في «جنيف 2»، لتكون حاضرة ومؤثرة في أعمال هذا المؤتمر؟ تعرف طهران أن بقاء الأسد بات مستحيلاً. مشاركتها في «جنيف 2» ستترتب عليها في هذه الحال نتيجتان، كل منهما أسوأ من الأخرى. الأولى التمسك برفض حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة، وتشجيع الأسد على ذلك، وبالتالي إفشال المؤتمر. ستكون مسؤولية إيران عن هذا الفشل لا تقل عن مسؤولية نظام الأسد. تخشى إيران أن يؤدي هذا إلى إضعاف موقفها في مفاوضات الاتفاق النهائي مع مجموعة ال 5+1 حول برنامجها النووي. إذا كان لا بد أن يكون هناك من فشل لمؤتمر «جنيف 2»، فيجب أن يكون مسؤولية قيادة النظام السوري وحده، ثم إن الفشل في حال حدوثه، ومن دون مشاركة ايران، سيؤكد مجادلتها بأن عدم قبول مشاركتها من دون شروط مسبقة هو السبب الأول وراء هذا الفشل. النتيجة الثانية التي تخشاها إيران أكثر من غيرها، أن مشاركتها على أساس قبولها وثيقة «جنيف 1» قد يضطرها (لتفادي مسؤولية الفشل) إلى قبول حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة، الأمر الذي يعني تخليها عن ورقة الأسد مسبقاً، وقبل بدء مفاوضات الاتفاق النهائي حول برنامجها النووي مع مجموعة ال 5+1، وقبل بدء تفاهمها الإقليمي مع الأميركيين. من هنا من الأفضل لإيران أن تبقى الغائب الحاضر في «جنيف 2»، من خلال دعم النظام السوري في ميادين القتال، وبالتالي دعم موقفه لجعل محاربة الإرهاب والتكفيريين الهدف المركزي لهذا المؤتمر.
تدرك طهران أن طموحاتها الإقليمية أكبر من إمكاناتها، ولا يتسع لها نظامها السياسي المنغلق على شيعيته الطائفية، وعلى فكرة ولاية الفقيه. كما تدرك أن مستقبل دورها لا يمكن أن يستند نهائياً إلى نظام بات منبوذاً داخل سورية وخارجها. وبعد كل ذلك، تدرك إيران أن نجاحها في كسب الاعتراف الأميركي والغربي بنظامها ودورها الإقليمي، يتطلب أن يكون هذا الدور تحت مظلة الهيمنة الغربية، وأن هذه المظلة لا تتسع لها ولنظام الأسد أيضاً، ولذلك تحاول طهران موازنة خسائرها ومكاسبها.
إعادة التموضع في الموقف الإيراني منسجمة تماماً مع الانتقال في شكل واع ومسبق من التركيز على شعار «المقاومة والممانعة»، إلى شعار «محاربة التكفيريين». كلاهما مجرد شعار للتغطية على سياسات حقيقية على الأرض، الفاصل بينهما هو المفاوضات مع الأميركيين. عندما كانت هذه المفاوضات بعيدة المنال، كان شعار المقاومة مجدياً للاستفادة من الدعم الجماهيري لفكرة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. بعد بداية المفاوضات، وتحديداً بعد تسلم حسن روحاني للرئاسة، وبعد التوصل إلى الاتفاق النووي الموقت، كان لا بد من التخلي عن شعار «المقاومة» حتى لا يستفز الأميركيين، ويعرقل التوصل إلى الاتفاق النهائي. في هذه المرحلة ومع اقتراب «جنيف 2»، بات من الأفضل رفع شعار «محاربة التكفيريين» للتقرب من الأميركيين، وتحسين الموقف التفاوضي للنظام السوري، والضغط على القوى الإقليمية المعارضة للدور الإيراني، واستخدامه للنظام السوري ورقة إقليمية له في المنطقة.
الانتقال من «المقاومة» إلى «محاربة التكفيريين» عملية مربكة ومكلفة أيضاً، وذلك لأنها تؤكد فشل الشعار الأول وانكشافه. هل يختلف الشعار الثاني عن ذلك؟ محاربة التكفيريين تقتضي تقديم نموذج مناقض للتكفير في الفكر والسياسة، وإيران لا تملك مثل هذا النموذج، فهي ترتبط بتحالف مغلق مع النظام السوري، وهو نظام يرتكز إلى عصبية الطائفة، التي تتأسس أصلاً على تكفير المخالف، وإذا لم يكن النظام السوري تكفيرياً بالمعنى الديني، فهو تكفيري بالمعنى السياسي، الأمر الذي يجعله تكفيرياً في شكل مضاعف، ولذلك يمثل نموذجاً في دمويته أمام كل معارض له من منطلق ديني أو سياسي، لكن إيران لا تملك نموذجاً مناقضاً للتكفيريين لأنها تحارب هؤلاء التكفيريين من المنطلق التكفيري ذاته، أي أنها منخرطة في حرب طائفية، والمنطلق الأول لمثل هذه الحرب التكفير، سواء باسم المعتقد أو المصلحة السياسية. النظام السياسي الإيراني نظام ديني بنصوص الدستور، والنظام السياسي الديني بالضرورة نظام طائفي، والنظام الطائفي المكرس دستورياً، هو بالنتيجة نظام تكفيري، فالمادة 12 من الدستور الإيراني تحصر هوية النظام في المذهب الإثني عشري، ما يعني أن هوية المواطن الإيراني الذي لا ينتمي إلى مذهب الدولة تبقى ناقصة بالمعنى الديني، وتبعاً لذلك بالمعنى السياسي أيضاً، وليس أدل على ذلك من أن المادة 115 من الدستور الإيراني تحرم كل إيراني لا ينتمي إلى مذهب الدولة ولا يؤمن بولاية الفقيه، من حق الترشح لرئاسة الجمهورية، أي أن الدستور الإيراني لا يعترف بحق المواطنة الكاملة لأي مواطن إيراني لا ينتمي إلى مذهب الدولة، وبما أن المنطلق الأول للدستور منطلق ديني، فهذا يعني أن المادة 115 تنطوي على تكفير سياسي يضمر تكفيراً دينياً غير معلن. يضاف إلى ذلك أن حلفاء إيران هم حصرياً من المذهب الديني الذي يمثله نظامها، وهو كما رأينا مذهب يكفّر كل مخالف له في العقيدة وفي السياسة أيضاً.
ما الفارق في هذه الحال بين التكفير بالفتوى، الشائع لدى بعض مدارس أهل السنّة، والتكفير الدستوري كما في الحال الإيرانية؟ من حيث المضمون والمؤدى ليس هناك فارق، لكن من يكفّر بالفتوى قد لا يمثل الدولة بكل مصالحها وتحالفاتها السياسية، في حين أن التكفير الدستوري يعبر في شكل مباشر عن روح الدولة، وعن أهدافها المرتبطة بانتماءيها الديني والمذهبي تحديداً. الأول لا يحظى بغطاء الدولة، أما الثاني فيمارس دوره، ويكتسب فاعليته من هذا الغطاء تحديداً.
* أكاديمي وكاتب سعودي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.