المملكة تؤكد التزامها بقيادة الابتكار المسؤول في الذكاء الاصطناعي خلال اجتماع وزراء مجموعة العشرين في جنوب أفريقيا    أمير القصيم: جائزة خليفة الدولية لنخيل التمور قدمت مبادرات مؤسسية رائدة    أمير الشرقية يشيد بتنظيم احتفالات اليوم الوطني ويطلع على تقرير هيئة الأمر بالمعروف    السعودية: مستعدون للتعاون مع أمريكا لتحقيق اتفاق شامل لوقف الحرب في غزة    أمير جازان يستقبل مدير مركز جمعية الأطفال ذوي الإعاقة بالمنطقة    تطبيق " بلدي" : صور وأرسل وخلال ساعات يتغير المشهد    من أصالة التراث إلى أفق المستقبل... المملكة تقود حراك الثقافة الاستثمارية    الرزيزاء: تنظيم العلاقة الإيجارية بين المؤجر والمستأجر خطوة محورية في مسار تطوير السوق العقاري    الفاران إلى المرتبة الحادية عشر    مستشفى الملك فهد الجامعي يفعّل اليوم العالمي للتوعية بأمراض القلب    "هدية" تطلق معرض "تاريخ مجيد في خدمة ضيوف الرحمن"    هيئة الإحصاء تنشر إحصاءات سوق العمل للربع الثاني 2025م.    يحيى بن جنيد شخصية العام التراثية في احتفالية يوم المخطوط العربي 2025    ابن معمر: المملكة تضع الترجمة والابتكار في صميم رؤيتها الثقافية والتنموية    تشكيل النصر المتوقع أمام الزوراء    "إشراق" تطلق حملة التوعية باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه في أكتوبر    "طبية" جامعة الملك سعود تسجّل براءة اختراع لأداة فموية متعددة الوظائف    افتتاح معرض "صوت التناغم" الصيني بالمتحف الوطني السعودي في الرياض    ترامب يؤكد دعم باكستان لخطته للسلام    دوري يلو.. الدرعية يلاحق العلا.. والرائد يحسم الديربي    2.5 مليار دولار صكوك إعادة التمويل    مع ارتفاع نسبة مشاركة النساء.. سوريا تبدأ الدعاية الانتخابية لمجلس الشعب    مستشفيات غزة محاصرة.. والموت يطوق المرضى    ميدفيديف يحذر أوروبا من حرب شاملة.. وزيلينسكي: روسيا لن تعيد رسم حدود أوكرانيا    الجهات الأمنية تضبط 173 كجم من المخدرات    أمَّن وصول المساعدات لأول مرة.. الجيش السوداني يكسر حصار الفاشر    الذكريات.. إرث يبقى بعد الرحيل    جذب الشركات العالمية للقطاع الثقافي.. «الثقافة» توقع مذكرة تفاهم مع «دويتشه» لتنمية المواهب    في ثاني جولات نخبة آسيا.. الهلال يتصدر بنقاط ناساف.. والأهلي يتعادل مع الدحيل    «السادة الأفاضل».. فيلم المفارقات العجيبة    في الجولة الثانية من دوري أبطال أوروبا.. ريال مدريد وليفربول يبحثان عن التعويض.. ومورينيو يعود إلى «ستامفورد بريدج»    «مطوفي الدول العربية» تحتفل باليوم الوطني ال 95 بفعاليات تراثية وفنون شعبية    في الجولة الثانية من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الاتحاد يسعى لاستعادة الثقة أمام شباب الأهلي الإماراتي    جدة تتصدر جودة الحياة في السعودية    «أحذية» تقود هنديين للفوز بجائزة عالمية    نوم أقل.. وزن أكثر (1)    ليلة الخذلان من لوران بلان    «محمية الإمام تركي» تنضم لبرنامج الإنسان والمحيط الحيوي    أمير الرياض يلتقي نائب وزير الحرس الوطني    لبنان: «إسرائيل» تقصف مخزن أسلحة ل«حزب الله»    أمير جازان يطلق فعاليات منتدى فكر    أمير جازان يرعى ندوة "بلادنا تأريخ وحضارة" والتي ينظمها نادي الثقافة والفنون بصبيا    أربعة قتلى بنيران مسلح في ميشيغن.. وترمب يصفه بجزء من "وباء العنف"    ‏قائد قوة جازان يزور المنطقة الخامسة ويشيد بالجاهزية القتالية للوحدات العسكرية    الاتحاد يودع بلان.. وخليفة يطالب لاعبيه بنسيان النصر    لحظة انشغال.. نهاية مأساوية    المعلم أولًا..    أمير حائل: المبادرات تدعم الحراك الرياضي والسياحي    «العظام والمفاصل» بمستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالمحمدية في جدة.. رعاية صحية وفق أعلى المعايير.. أميز الكفاءات.. وأحدث التجهيزات    الصندوق السعودي للأفلام يعتمد ريفيرا كونتنت اسما جديدا    100ألف ريال للاسم التجاري الجديد    فضيلة المستشار الشرعي بجازان يلقي كلمة ضمن برنامج تماسك في الكلية التقنية بصامطة    بحضور الأمراء.. نائب أمير مكة يشارك في صلاة الميت على الأميرة عبطا بنت عبدالعزيز    لا للتهجير أو الاحتلال.. البيت الأبيض ينشر خطة ترمب لإنهاء الحرب في غزة    نائب أمير تبوك يستقبل القنصل العام لجمهورية السودان    أول محمية ملكية سعودية ضمن برنامج اليونسكو    نائب أمير الرياض يستقبل وزير الشؤون الإسلامية    أكثر من 53 مليون قاصد للحرمين خلال ربيع الأول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسالخ أبديّة رقماً وأمماً
نشر في الحياة يوم 26 - 01 - 2014

لكثرة ما تمّ تدويل الأزمة السوريّة، لم تعد شأناً دولياً ملحّاً. غطى الإفراط غير المجدي في شيء عملاً مجدياً طالما تم تأجيله، وخسرت الأمم المتحدة ما كان يمكنها أن تتلافاه لو بادرت، عبر مجلس الأمن، بقرار ملزم يوقف على الأقل طاحونة القتل.
صحيح أن المؤتمرات والاجتماعات الإقليمية والدولية الخاصة بالشأن السوري تكاد ألاّ تعرف توقفاً، وهي تتسابق مع وتيرة العنف التي بلغت ذرى منحطّة، لكنّ الصحيح أيضاً أن لا أصدقاء الشعب السوري ولا أعداءه، داخلين خارجين، قدروا على حسم أمرٍ هو من صلب مسؤوليات المنظمة الدولية. فبعد مرور سنة على تفجّر الثورة السورية ربيع 2011، كان مطلب التدخل الدولي على رأس الأولويات، أقله لجهة تأمين ممرات إنسانية وفرض حظر على طيران النظام. بعيدها تحوّل التدخل المأمول، إذ تدخلت دول كثيرة، على مرأى الجميع إلى مشكلة المشاكل.
أخيراً وبعد طول لأي، أعلنت منظمة الأمم المتحدة باعتبارها مسؤولة «إعلامية» عن حفظ الأمن والسلام العالميين، والتي يقع مبناها ذو التسعة والثلاثين طابقاً على أرض كانت في جزء منها مسلخاً تبرّع به السيد جون روكفلر كي تحظى نيويورك دون سواها من المدن الأميركية بحقّ استضافة ممثلي العالم، أعلنتْ قرارَها الصائب الوحيد ربما، والذي طالما تمّ تأجيله وتغليفه بأكثر من سبب واهٍ ومبرر غير مقنع، إذْ أعلنت التوقّف (نهائيّاً) عن إحصاء عديد القتلى السوريين!
الضحايا صامتون، أرقامهم تكلمت طويلاً بدلاً منهم، حتى بلغت صرخاتها تخوم الكتمان الخانق. وظاهر الحال أن قرار المنظمة هذا لا يحمل أي جدوى، وهو إلى التقرير الأخرس أقرب منه إلى قرار فاعل، غير أنه بسبب ذلك الفشل الدولي المخزي يعطي إشارة تحسم الجدل حول هشاشة دور المنظمة الدولية الأهم، الدور الذي تحول مع مرور الوقت إلى عجز كامل عن إيجاد مخرج ينقذ ملايين السوريين من جحيم أزمة كارثية أولاً، وتحوّل المنظمة لاحقاً إلى جهة إحصائية محايدة ثانياً، بعد أن غلبَها العدُّ المديد وأتعبت الشكوى المضجرة آلافاً من موظفيها المحترمين.
غير أن الحساب المحض، إذ يُجرَّد ويُحبَس داخل رقمٍ أشبه بأرقام البنوك، إنما يحوّل الضحايا الذين جرى إحصاؤهم إلى معتقلين جدد داخل مصنفات الموت، بعد أن جرفهم القتل الهمجيّ إلى عتمات القبور. حسابٌ لا ينفع كلّ حين، بخاصة حينما يغفل عن تناول الجانب النفسيّ، واحترام كرامة الكائن البشري، من حياة مهدورة وأعراض مجتمع (المعاصر بخاصة) تطرح مصاعب أكثر وأوسع من أن يلمّ بها رقمٌ هو حصيلة عدٍّ ومراقبة لا غير.
وإذا صرفنا النظر عن قيمة مدلول الأرقام في حيزها الرياضي والإحصائي والعلمي، وخطونا نحو مكان لا يخضع لسلطان الرقم الجائر، بتنا في حيرة من أمرنا، ولربما دفعنا الرقم الذي حصّلناه من مشقة الأمس إلى نسيانه في خمول اليوم؛ طالما غدا بلا نفعٍ بعدما كنّا، وكان هو، معاً في أمسّ الحاجة إلى بعضنا بعضاً.
ولربما من النافع أيضاً أن نتذكر أرقاماً شقيقة جاورت الرقم السوري الذي فاض عن حدّ الإحصاء حتى قطعه وأتلفه. فقد قيل قبيل «غزو» العراق عام 2003 إن 11 مليون بعثيّ سيدافعون عن أرض الرافدين، لكن هؤلاء البشر المرقَّمين تبخروا فجأة، ليدلّوا، في ما دلّوا إليه، إلى وهم الكثرة الخاوية الذي جلب الفشل لا غير.
يبقى أن نذكر شيئاً آخر يتعلق بالأمم المتحدة، عدا النقد المنسيّ الذي وجّهه غرامشي إلى مبادئ تأسيسها التي حصرت حقّ القبول والطعن بالخمسة الكبار محتكري أمن العالم وسلامه، وهو تأسيسٌ حمَلَ معه من اللاعدالة الكثير، وفضّل شعوباً ما كان ينبغي أن تُفضَّل على شعوب أخرى، في الوقت الذي افترض ميثاق الأمم المساواة التامة بينها!
لربما من الأفضل الآن، رفعاً للحرج عن جلال المنظمة ومراقبيها، ودفعاً للإهانة عن وضاعة الضحايا والمنسيين، أن يبقى السوريون خارج الأرقام. رقمٌ تلو رقمٍ كثيراً ما تمّ إحصاؤه وتجديده، ها هو ينتصر ضمناً لمسالخ دمشق الأسد. الرقمان معاً، بإحصاء أو من دونه، ليسا غير علامة على عجز العالم عن أن يعترف للمرة الأخيرة بأن مدوّني الأرقام هؤلاء، بعدما تعبوا فقرروا التوقف عن إحصاء عدد القتلى، من دون أن يوقفوا القتل، ليسوا سوى جزء مكمّل من المسلخ الأمميّ الأصليّ، الجزء الموهوب يوماً حبّاً بنيويورك، ما لم يكونوا من داعمي بقاء مسلخ دمشق - نيويورك مسلخاً إلى الأبد!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.