أمير الشرقية يرعى حفل تخريج 4966 طالباً وطالبة في جامعة حفر الباطن    77% نموا بمطالبات التأمين    94% زيادة سياحة الأعمال بالأحساء    القبض على (4) مقيمين لارتكابهم عمليات نصب واحتيال بإيهام ضحاياهم بذبح الهدي عنهم مقابل مبلغ مالي    الدبلوماسية السعودية تقود لحظة تاريخية.. شكر عالمي لولي العهد    أسبوع الرياض الدولي للصناعة 2025" يؤكد على الحراك السعودي لتشكيل مستقبل الصناعة عبر جلسات حوارية وعلمية متخصصة    شركات التقنية العالمية تختار الرياض    الأسهم تنتعش والذهب ينخفض مع تراجع التوترات التجارية..    مطار المدينة يستقبل أولى رحلات الحجاج النيجيريين    صحف وقنوات عالمية تبرز مخرجات القمة السعودية الأمريكية    بتوجيه من القيادة.. سمو وزير الدفاع يلتقي سمو رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة    عبدالعزيز بن سعد يزف 8400 خريج من جامعة حائل    ولي العهد وترمب والشرع يعقدون لقاءً حول مستقبل الأوضاع في سورية    الشورى يطالب بتفعيل الأطر التشريعية للمحتوى التعليمي الإلكتروني    ولي العهد يصطحب الرئيس الأميركي في جولة بحي الطريف التاريخي في الدرعية    برامج توعوية وإرشادية    كأس العالم للرياضات الإلكترونية يطلق برنامج "الطريق إلى كأس العالم 2025"    "مستشفى المانع بالدمام" يُنقذ حياة طفل يُعاني من تسمم في الدم    غوميز يريد الثأر من الهلال.. أرقام لافتة قبل اللقاء    كيف نُعبر عن حبنا للرياضة بوعي    الهيئة الملكية لمحافظة العلا وصندوق النمر العربي يعلنان عن اتفاقية تعاون مع مؤسسة سميثسونيان لحماية النمر العربي    السعودية ترسم خارطة سلام جديدة في آسيا    عماد التقدم    الكشف عن موعد ومكان سحب قرعة كأس آسيا للسيدات 2026 في أستراليا    انطلاق بطولة منطقة الغربية 2025 للهوكي للرجال والبطولة النسائية الثالثة للهوكي    بتكاتف جهود العاملين في مبادرة "طريق مكة".. إنهاء إجراءات سفر الحجاج خلال دقائق    احتفالات تعم سوريا بعد قرار رفع العقوبات وإشادة بدور الأمير محمد بن سلمان    جامعة أم القُرى تكرِّم 27 فائزًا بجائزة جامعة أمِّ القُرى للتَّميُّز لعام 1446ه    مجمع الحباب بن المنذر يدشن شركات مع عدد من الجهات الصحية    مُحافظ الطائف يشهد استعداد صحة الطائف لاستقبال موسم الحج    أمانة القصيم تكثّف أعمالها لتحسين جودة الطرق ورفع كفاءة البنية التحتية في مدينة بريدة    قطاع القحمة الصحي يُنفّذ عدداً من الفعالية التوعوية    أمير قطر يغادر الرياض    زلزال بقوة 6 درجات يضرب ولاية موغلا غربي تركيا    "البريك" تهنئ أمير جازان ونائبه على الثقة الملكية    ويندام ولو بارك كونكورد تطلقان مشروع فندق100 "سوبر 8" في المملكة ضمن شراكة تمتد لعقد كامل    بلدية صبيا والجمعيات الأهلية تثري فعاليات مهرجان المانجو بمشاركة مجتمعية مميزة    ترامب وعد وأوفى وستبقى السعودية الوجهة الأولى    "إهمال المظهر" يثير التنمر في مدارس بريطانيا    ضبط 3 وافدين لارتكابهم عمليات نصب لحملات الحج    رائد التحدي سيعود من جديد    أكد أنه رفع العقوبات عن سوريا بناء على طلبه.. ترمب: محمد بن سلمان رجل عظيم والأقوى من بين حلفائنا    السعودية رمز السلام    "واحة الإعلام" تختتم يومها الأول بتفاعل واسع وحضور دولي لافت    حسين نجار.. صوت إذاعي من الزمن الجميل    " الإبداع السعودي" يختتم مشاركته في " كتاب بوينس آيرس"    وسام المواطن الأول.. بمرتبة الشَّرف الأولى    "السيبراني" يعزز جاهزية الجهات الوطنية في موسم الحج    فناربخشة يعرض مبادلة النصيري ب» ميتروفيتش»    المعلّم والتربية الشعبية    أمير الشرقية يطلع على إنجازات وزارة الموارد في المنطقة    "مؤتمر علمي" لترسيخ الابتكار في السعودية الاثنين المقبل    رفع كسوة الكعبة المشرفة استعدادًا لموسم حج (1446ه)    «مبادرة طريق مكة».. تأصيل لخدمة ضيوف الرحمن    أمير نجران يستعرض تقرير نتائج دراسة الميز التنافسية    تخريج 3128 خريجاً من الجامعة الإسلامية برعاية أمير المدينة    مجموعة الدكتور سليمان الحبيب الطبية تُدشّن أول نظام روبوتي مختبري من نوعه «AuxQ»    100 مبادرة إثرائية توعوية بالمسجد النبوي.. 5 مسارات ذكية لتعزيز التجربة الرقمية لضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سورية: الأزمنة المتلاطمة
نشر في الحياة يوم 12 - 12 - 2013

ثمة شبكة من التعقيدات الهائلة والثقيلة تجثم على صدر المسألة السوريّة اليوم. بين الوضع العسكري القلق في جموده، وفوضى السلاح وشلال إعلانات توحيد قوى مسلّحة على أسس إسلاميّة، واستفحال الأنواع المتعددة من المآسي التي تسكبها «داعش» يومياً في مناطق شاسعة من الشمال السوري من جهة، والوضع السياسي للمعارضات السوريّة، الحبيسة في افتراضيّة وجودها وقرارها، والمنصرفة لصراعاتها في ما بينها ومع ذواتها من جهة أخرى، وبؤس المقاربات السياسيّة الإقليمية والدوليّة تجاه المأساة السوريّة، والتي لم تنجب أكثر من ضغوطات ووعود محيطة بمبادرة جنيف-2، المبنيّة في شكل أساسي على ابتزازات متراكبة، قليلة التمعّن بمتطلبات الواقع السوري مقارنةً بكونها إرهاص محاولة لإيجاد حلّ وحيد لسلسلة معادلات إقليمية ودوليّة.
تحت شبكة التعقيدات هذه، أرضيّة من صعوبة بناء مقاربات فكريّة سوريّة مُعارضة متكاملة، متحررّة ولو نسبياً من تلاطمات الواقع اليومي. صعوبة آتية في شكل أساسي من التمازج العنيف للأزمنة السياسية، بل التاريخية، التي تمرّ بها سورية اليوم. في «زمن الثورة»، أي في مرحلة الانتفاضة السلميّة وحتى أوج فعاليّة «الجيش الحر» عسكرياً كردّ فعل على همجيّة النظام في محاولته لقمع الاحتجاج الشعبي ضدّه، كان من الممكن، بل ربما من المحتوم من وجهة نظر جذريّة في معارضتها لنظام الأسد، بناء موقف أحادي ومتمحور بالكامل حول فكرة إسقاط النظام. كان من المقبول، تكتيكياً على الأقل، البحث عن تحالفات عريضة تجتمع لتحقيق هذه الغاية، من دون الدخول في سجالات فكرية وسياسيّة أُخرى، أكانت من طراز التناقضات العلمانيّة-الإسلاميّة، أو أي نوع آخر من التناقضات الطبيعية والحتميّة. سجالات اعتُبر حينها أن لا مكان لها في الوقت الحالي في ظلّ التناقض الرئيس والوحيد مع نظام منفلت الدمويّة، وأن لهذه السجالات وقتاً آخر يأتي حين تحقق الثورة هدفها في إسقاطه.
اليوم، بعد تعقّد الحال العسكري ودخوله في حالة أشبه بالمستنقع، وبعد ظهور وتبلور حركات جهاديّة إسلاميّة متدرّجة التشدّد، وإن متفقة في وضوح أهدافها السياسيّة، وسط انهيار لفكرة «الجيش الحرّ»، وبعد خيبة الأمل الكبرى من المجتمع الدولي، خصوصاً مع انهيار احتمالات تدخّلٍ عسكري بدا قريباً جداً في نهاية الصيف الماضي بعد مجزرة الكيماوي في الغوطة، وعُلّقت عليه آمال كثيرة، يبدو واضحاً أن الكثير من السجالات المؤجّلة فرضت نفسها، بشراسة، على مؤجّليها. ليس في هذا تقييم لمنطقيّة تأجيل النزاعات خلال «زمن الثورة»، وهو تقييم غير منصف حين يتم بأثر رجعي، خصوصاً أن في التطرّق المألوف اليوم الكثير من الكيديّة والرغبة بتصفية حسابات عصبويّة، حزبيّة وإيديولوجويّة.
بمعنى آخر، دخلنا منذ أشهر في «زمن ما بعد الثورة»، بمعضلاته الكبرى وأسئلته المصيريّة، من دون أن يسقط النظام السوري، من دون أن ينتهي «زمن الثورة».
هناك امتحانٌ كبير جداً، بأسئلة شبه تعجيزيّة، يكمن في المطالبة بموقف متكامل، واضح، ومتصالح مع نفسه، بخيارات تكتيكية واستراتيجيّة عمليّة، ينفع لزمنين مختلفين تتداخل تحدياتهما وتتلاطم، لا سيما أن الشطر الأكبر من النخب السياسيّة والفكريّة السوريّة ما زالت تتعارك مع ذاتها حول أمراضها وعللها وعقدها القادمة من زمن ثالث، «زمن ما قبل الثورة»، من دون أن تكون الثورة، رغم كونها زلزالاً بكل معاني الكلمة، قد نجحت في خلخلة أوضاع هذه النخب السياسيّة والفكريّة وتغيير أحوالها، أو إنتاج نخب جديدة.
النظام السوري ما زال قائماً، وقدرته على الأذى أكبر من أي وقت آخر، كذلك وضعه الدولي بعد إعادة التأهيل النسبيّة التي حظي بها بعد الاتفاق الروسي- الأميركي حول نزع السلاح الكيماوي بعد مجزرة الغوطة. تالياً، ما زال التأكيد على التناقض الرئيسي مع النظام راهناً، والتأكيد على ضرورة رحيله كمبدأ للحل ضرورةً. بالإمكان أيضاً الفرَض والبرهان على أن النظام، من خلال تعنيفه المنفلت للمجتمع السوري، قبل وأثناء الثورة، هو المسؤول عمّا تعيشه البلاد اليوم، أكان ذلك من طريق ما اقترفه وحلفاؤه من قتل وتدمير وتشريد، أو من طريق فتحه كلّ الأبواب للأزمات المركّبة التي تعصف بسورية اليوم. هذا التأكيد المبدئي ضروري، لكنّه لم يعد كافياً، والوقوف عنده وحده يقود للعجز عن مقاربة مشكلات «زمن ما بعد الثورة»، كما في حالة نسب كل الموبقات المقترفة على الأرض، أكانت من «داعش» أو غيرها، إلى عمالة مفترضة للنظام ليست إلا ضرباً من نظريّة المؤامرة، وتعامياً عن الظروف الموضوعية الموجودة في سورية وحول سورية، والتي تقود لظهور وتبلور هذه المشكلات.
التحدّي الفكري الأكبر يكمن في الابتعاد عن نظريات المؤامرة هذه، بغض النظر عن مشروعيّة قراءة تلاقي المصالح موضوعياً بين جهات متصارعة، والعمل على تفكيك معضلات الأزمنة المتداخلة والمتلاطمة وتحليلها في شكل منفرد. ليس القصد فقط تشغيل العقل للخروج بنتيجة غير عمليّة من طراز «أنا ضد كذا وكذا وكذا»، والتي تقود لسجال عقيم آخر حول لماذا ال «كذا» الأولى أتت قبل ال «كذا» الثانية. هناك حاجة ماسّة لفرز جبهات العمل وفحصها وتحليلها، ودراسة سبل العمل الأمثل لكلّ منها. في هذا، ربما، عودة للإيديولوجيا، وتالياً فرزٌ حازم للعاملين حسب عقائدهم وأهوائهم وانحيازاتهم الفكريّة، لكنّ هذا الفرز يبدو قدراً لا فكاك منه، ولا جدوى من الوهم بإمكانيّة تأجيله، فالحلم بجبهة عمل متّفقة على هدف واحد رئيس، ونزيهة في علاقاتها الداخليّة ومتفقة على أخلاق فرسان في ما يخص تناقضاتها وأحلامها في مراحل لاحقة، كان أقلّ بكثير من سراب حتى في أوج «زمن الثورة». ما معنى التمسّك بأسمال الحلم المتعفّنة هذه اليوم؟
* كاتب سوري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.