يقول المثل الإنكليزي: «إنهم يتجاهلون الفيل داخل الغرفة». المراقب لتطورات الأوضاع في دول الربيع العربي يُلاحظ انطباق هذا المثل على غالبيتها، ففي حين أن المطلب الرئيس للشعب كان ولا يزال هو التنمية وتحسين الأوضاع المعيشية، ظل السياسيون مشغولين بقضايا أخرى تماماً. ففي ليبيا سارع الجميع لتقاسم الكعكة، حتى قبل أن تنضج جيداً. وفي مصر أدى غياب التوافق السياسي، وهو أدنى متطلبات الثورة، إلى ضياع ثلاثة أعوام في نزاعات جانبية. وفي اليمن حوار شكلي من دون الوصول إلى النتيجة المرجوّة. تونس تبدو أفضل حالاً، لكن أوضاع الناس ما زالت كما هي قبل الثورة، إن لم تتدحرج للأسوأ. في كل هذه الدول نسي الجميع المطلب الرئيس للشعب، وظلوا يتجاهلونه. التنمية المتوازنة والعادلة تظل هي المهمة الأساسية للدولة، ولا يمكن أن تبني علاقة سليمة بين مواطن محتاج وحكومة عاجزة عن تلبية حاجياته. لا بد من حكومات رشيقة تضع خططاً واضحة لبناء الأوطان بسواعد شبابها، في إطار علاقة تعاون بين الطرفين. إن الأنظمة الديموقراطية تُبنى على التوافق بين الناس، ولا أقصد هنا الاتفاق فالإختلاف هو سنّة الكون، والديموقراطية ما هي إلا وسيلة أو مجموعة وسائل لإدارة هذا الاختلاف. والتوافق هو وحده الباعث على استقرار المجتمع، وهو الأمر الذي يمكّن الدول من تقديم الخدمات الأساسية، كالصحة والتعليم لجميع المواطنين، فالمشكلة هي غياب هذه الخدمات، أو غياب العدالة في توزيعها، ما يخلق مجتمعات مفككة تصبح عرضة لأمراض الطبقية، وحوار الهامش والمركز الخطير الذي يؤدي في النهاية إلى عدم الإستقرار. والأنظمة الديموقراطية وإن كانت فعالة على المدى الطويل، إلا أنها مهددة في بداياتها للزوال، في ظل ظروف غير مستقرة، كالتي نراها اليوم في دول الحراك العربي. لا ننكر أن المواطن العربي بحاجة لأن يتحلّى ببعض الصبر في تقييمه لأداء حكوماته، فلا يمكن لدولة تنشد الإستقرار والتنمية أن تُبنى فيها علاقة الحكومة بمواطنيها على أساس التمرد، كما لم يعد صالحاً في هذا الزمان أن يكون الخضوع سمة لهذه العلاقة... فهلا آنسنا لأوطاننا طريقا وسطاً؟