كشف اختصاصي علم الجريمة، عن علاقة عكسية بين التعليم وبين الجريمة في السجون. وقال: «إن هناك علاقة عكسية بين التعليم والجريمة، حتى في السجون، و30 في المئة منهم أميون، وبين 20 إلى 30 في المئة من حاملي الشهادة الابتدائية، و20 في المئة من حاملي المتوسطة، و8 في المئة من حاملي الثانوية، وقلة نادرة من الجامعيين». وأوضح الاختصاصي الدكتور يوسف الرميح، في تصريح إلى «الحياة»، أن «هناك هرماً كبيراً كلما ارتفع التعليم قلت الجريمة بين السجناء، وعملت محاضرات في سجون أميركا، ووجدت أن هناك علاقة عكسية بين التعليم والجريمة، وأن جزءاً كبيراً من السجناء، أميون، ثم يأتي الأقل منهم من أصحاب التعليم المتوسط، ثم أقل منهم من أصحاب التعليم الثانوي، وندرة الجامعيين». فيما أكد المحامي محمد المسعود، «مقدرة بعض السجناء «الجناة» في التحايل على محاميهم، من خلال إخفاء بعض وقائع قضاياهم، لأسباب ومبررات يتخذونها ذريعة لتخفيف العقوبة أو الظفر بالبراءة». وقال المسعود، إلى «الحياة»: «غالبيتهم (الجناة) لا يعترفون بكامل الحقائق، عدا الجانب الذي يريدون روايته من الجناية، ويكشفون عما هم مُكرهون على كشفه، في كل ما جرى وكل ما كان، وغالبيتهم يعيش يقيناً مصطنعاً، بكونهم مظلومين وأن القاضي ظلمهم ظلماً ظاهراً، ومتعمداً في حقهم، ودائماً يشعرون أن العقوبة أكبر من جنايتهم، وغالباً ما تأتي قناعتهم بالعقوبة بغرض طي مرحلة التقاضي بأسرع وقت ممكن». وأشار إلى اختلاف «الجناة» في السمات، «بعضهم غبي، وبليد العقل، وميت الحس، والقلب والشعور، وبعضهم من الذكاء بحيث يحار فيه، و في أسلوبه العاقل الحصيف، ويجد القاضي والمحامي في مرات كثيرة قضايا تذهل من يطلع عليها لما فيها من إتقان المقدمات، وإتقان التنفيذ، وصعوبة الإثبات ضده، وبعضهم لديه الكاريزما، وقوة الحضور للشخصية، ويكون لبقاً، ومهذباً جداً ومرتفع الذكاء واللطف في الحديث، حتى إن ضحيته لا يداخلها أدنى ريب في إمكان أي قصد جنائي منه، فضلاً عن فعله أو ارتكابه»، ووصف النمط الأخير من المجرمين ب «لفة الأفعى». وحول أسلوب تعامله، كمحام مع قضايا من نوع كهذا قال المسعود: «لدى غالبية المحامين الخبرة، والحصافة التي تجعلنا كما القاضي، نميز بين التحايل وبين الحقيقة أو ما يقترب منها. إلا أننا يجب ألا نفترض الصدق في القضايا الجنائية بالذات إلا بقدر محدود وضيق». وأضاف «أحياناً يكون الخطأ في الاتهام، وليس في المتهم، حين إذ تكون الرواية والحديث من المتهم يتطابق مع الواقع، ويخبر عنه، ولذا يتم الحكم بالبراءة في كثير من القضايا، وهذا لكونه فعلاً ليس جانياً، وتوجد قرائن إدانة توصل إلى اليقين الموجب لجواز العقوبة في حقه، والخطأ في العفو أحب إلى الله تعالى من الخطأ في العقوبة». وأوضح بأن «المجرمين لا يمثلون بشراً مختلفين عنا في غير مقاصد الشر وتوظيف العقل نحو أكل أموال الناس بالباطل، بكل أنواعه، وأساليبه، وطرقه، أو بالجريمة التي تمثل الاعتداء على حق من الحقوق لله أو للخلق»، مضيفاً «لا أميل لجعل التصور العقلي لنا عن المجرمين حالة مختلفة في سلوكها وفي صفاتها النفسية، إلا مقدار مرضها المسبب للجريمة فقط بحدودها، هي حالة ينتجها المجتمع تارة وتنتجها الأسرة تارة أخرى، وينتجها اعتلال النفس أيضاً». مجرمون أم مرضى حول بواعث بعض المجرمين في ارتكاب السلوك الإجرامي، قال: «بعضهم، على رغم كونه من أسر كريمة، إلا أنه يبتلى بمرض نفسي يجعله يمارس الجريمة لأسباب نفسية أكثر منها مادية، أو بدوافع الحاجة، وكثير من الجرائم لا يكون الفقر هو السبب الحقيقي لها، بقدر ما هو الإصرار على إعطاء النفس ما لا تستحقه من عملها وتعبها، أي هو تسلق على أكتاف الآخرين، للثراء السريع، والوصول إلى أكبر قدر ممكن من الشهوات السهلة من دون تعب، ما يستوجب العقوبة والردع. لذا من الطبيعي أن يتطور بعض المجرمين في أساليبهم وطرقهم، وبعضهم يتفوق على الإنسان العادي، ليتمكن من خلال هذا التفوق أن يحقق ما يعجز غيره عن تحقيقه، وليس من الضروري أن يترك المجرم وراء كل خطوة يقوم بها دليلاً مادياً ماثلاً وثابتاً ويقينياً على إدانته وإثبات الجناية عليه. كما أن بعضهم يندفع للجريمة كنزعة شهوانية، من دون أي تخطيط يقتضي إخفاء الدليل الموصل إليه، وبعضهم يخطط فعلاً، إلا أن هذا التخطيط بذاته يعتبر حبلاً يصنعه بيده، ويلفه على عنقه بطريقة جيدة جداً، ثم يُسلم نهايته لجهات التنفيذ المسؤولة لتتولى أمره». وحول مدى حاجة المؤسسات الأمنية لتطوير نفسها، لمكافحة الجريمة، وفقاً للمنظومة المعرفية والتدريبية والتجهيزية، ذكر الأستاذ المشارك في علم الجريمة الدكتور صالح الدبل، أن الأمر «بحاجة إلى الإعداد العلمي في المعاهد والكليات الأمنية، بشكل يأخذ بالحسبان نواحي التطور العالمي كافة، في مجال المعرفة الأمنية، من حيث دراسة القانون، والعلوم الإنسانية، والتخصصات الاجتماعية، والنفسية، والعلاقات العامة، وهذا هو ما يتم بالفعل في كلية الملك فهد الأمنية والمعاهد الأمنية الأخرى». وأكد الدبل، الحاجة إلى «الانفتاح على الآخرين في المؤسسات العلمية والأمنية في الخارج والداخل لجلب الخبرات اللازمة لذلك، وإيجاد دورات تدريبية قصيرة ومتوسطة وطويلة لكل العاملين في المجال الأمني في تخصصات متعددة مع الاهتمام بالتطبيق الميداني لهذه التدريبات والمعارف، والأخذ بوسائل التقنية الحديثة كافة، من قواعد معلومات، وتجهيزات شرطية، وكاميرات أمنية وآليات متقدمة يتم التدرب على تشغيلها من قبل العاملين في المجال الأمني، والسعي لإيجاد أجهزة رقابية على العاملين في القطاع الأمني بغية التأكد من سلامة الإجراءات المتبعة وحسن تنفيذ الأوامر والاستفادة من الإمكانات المتاحة».