على رغم رنّة الغضب الخفيّة في رسالته، إلا أن عالِم الفضاء اللبناني سامي أسمر بدا كأنه لمس عصباً مكشوفاً بإشارته إلى عدم اهتمام الإعلام العربي عموماً بحدث علمي يحمل بعداً تاريخياً واضحاً: وصول حضارة البشر إلى الفضاء الكوني بصورة مباشرة. وفي رسالته (أنظر النص في مكان آخر من هذه الصفحة)، لم يتردّد أسمر في مقارنة دخول المركبة الفضائية «فوياجر-1» Voyager-1 مع أحداث علميّة جلى كاكتشاف العالم الجديد والدوران حول الأرض بالطائرة وغيرهما. وحقّقت «فوياجر-1» التي أطلقت في العام 1977 إنجازات كثيرة في علوم الفضاء والفلك تصعب استعادتها في هذا المقال. وصُمّمت أصلاً لتدور حول كواكب النظام الشمسي كحجر المقلاع، فتكتسب في كل دورة قوة تدفعها إلى الكوكب التالي، ثم تندفع إلى صوب الحدود الخارجية لهذا النظام، بأمل الوصول إلى أطرافه، ثم مغادرته كي تجوب بين النجوم. وإذ حقّقت هذا الهدف أخيراً، بات مؤمّلاً أن تعطي معلومات مباشرة عن الفضاء الكوني، للمرّة الأولى في تاريخ حضارة الإنسان. صحيح أن البشر طالما رصدوا النجوم بأعينهم ثم بأدواتهم التي تطوّرت بصورة مذهلة منذ بداية القرن الماضي، لكن يصح القول أيضاً إنهم لم يستطيعوا «الوصول» إلى فضاء النجوم، ولا حتى إيصال آلاتهم إلى هناك. وصلت روبوتات على هيئة سيّارة من صنع البشر إلى المريخ وسارت على سطحه. «انتحرت» مركبات فضاء لدى دخولها غلاف المشتري، واقتربت أخرى من زحل. وهناك مركبات فضاء في أمكنة أخرى من النظام الشمسي. وحدها، «فوياجر-1»، استطاعت الخروج نهائياً من أسر الحدود الأخيرة لجاذبية الشمس، لما تنفثه تلك النجمة الملتهبة من مقذوفات نوويّة وموجات كهرومغناطيسية. خرجت «فوياجر-1» من أسر الشمس التي تمسك بالكواكب السيّارة والأجرام السماوية للنظام الذي تشكّل حولها (ومعها أيضاً) قبل مايزيد على 5.4 بليون سنة. المارد يتحوّل «قزماً أبيض» هناك وصف آخر، ربما أكثر دراماتيكية، لهذا الحدث، إذ يعتقد كثير من علماء الفلك أن النظام الشمسي بات في منتصف عمره، بمعنى أنه يسير نحو الانهيار والتلاشي. وإذ يعتمد بقاء هذا النظام على الشمس نفسها، فإنها الآن باتت في منتصف عمرها. وخلال قرابة 5 بلايين عام، يعتقد أنها ستستنفد وقودها النووي، فتتوقف الانفجارات الذريّة والنوويّة فيها، وهي التي تعطيها حرارتها وقوّتها، فتنهار على نفسها. لا تعود هناك قوة تخرج من الانفجارات النووية بقوة توازي كتلتها الضخمة، فتنهار متكوّمة على نفسه، كمارد صرعته تعويذة قاتلة. وهناك من يعتقد أنها ربما تحوّلت قرصاً ملتهباً خائر القوة، فيما يظن آخرون أن الكتلة الضخمة المنهارة على نفسها، تعود إلى الاشتعال مجدداً، لكن بصورة مختلفة عن سابق عهدها، فتكوّن «قزماً أبيض». أياً كانت سيناريوات نهاية الشمس، فإنها تتقاطع عند انهيار النظام الكواكبي الذي يدور حول تلك النجمة المشتعلة. وفي نصف المسافة بين البداية والنهاية، أخرج البشر احتمالاً مذهلاً: الوصول إلى نجوم أخرى. ويتضمّن هذا الاحتمال أن يكون بوسع الجنس الإنساني النجاة بنفسه من انهيار النظام الشمسي، عبر الوصول إلى كواكب سيّارة تدور حول نجوم بعيدة، وتكون مناسبة لاستمراره في العيش والبقاء. إذن، هل يمثّل وصول «فوياجر-1» إلى الفضاء النجمي بداية النجاة، وخطوة فعليّة في الصراع على البقاء، وإصرار البشر على العيش والتمسّك بالحياة؟.