«أتنيه» اسم ساحة هادئة في وسط الخرطوم القديمة، تتوسط عدداً من المباني والمتاجر الصغيرة، وتكاد تخلو من المارة في غير ساعات دخول الموظفين وخروجهم. إلا أن حراكاً شبابياً كبيراً انتظم في الساحة منذ مدة، حين اختارتها «جماعة عمل الثقافية» لتكون معرضاً مفتوحاً للكتاب، يُنظّم في الثلثاء الأول من كل شهر. يتميّز المعرض الذي يعرف ب"مفروش" بأنه يسمح للزائرين بأن "يفرشوا" بأنفسهم كتبهم القديمة على الأرض، مقابل مبالغ بسيطة، أو استبدالها بعناوين أخرى. ونال المعرض سمعة كبيرة في الأوساط الثقافية في الخرطوم، حتى أن باعة الكتب أصبحوا يتقاطرون إليه من مدن العاصمة الثلاث، للاستفادة من حركة البيع والشراء المتزايدة. وقال هاشم أحمد الذي يعمل في مجال بيع الكتب في السوق العربي في الخرطوم، ل«مدرسة الحياة» إنه حضر خصيصاً للمشاركة في المعرض، معلناً أنه «على رغم أننا نعرض كتباً في السياسة والتاريخ والعلوم وحتى الفلسفة، لكن الروايات الأدبية هي الأكثر مبيعاً». وتابع: «نبيع هنا بأسعار أقل من المعتاد، لأن الإقبال الكثيف يشجعنا على ذلك»، مبيناً أن سعر الكتاب الواحد خمسة دولارات في المتوسط. «مفروش» بات يمثل ظاهرة ثقافية خاصة في الخرطوم، وفق ما قال عثمان نصرالدين، أحد رواد المعرض. وأضاف: «اعتدت على الحضور إلى هنا كل شهر. هذا المعرض يؤكد أن الخرطوم ما زالت تقرأ، بل وتكتب أيضاً، لأن الكثير من الكتّاب الشباب في السودان أصبحوا يروجون لمؤلفاتهم من خلال مفروش». وعن سبب حضوره بصورة دورية، أجاب عثمان: «الأمر لا يتعلق بشراء الكتب وبيعها فقط، لكن الأجواء المصاحبة للمعرض محفزة لذلك. بحلول المساء يبدأ عدد من الشباب بالغناء والعزف في جوّ من المرح، كما يتجمّع عدد من المثقفين ويثيرون نقاشاً حول ما قرأوه أخيراً». ما قاله عثمان يبدو واضحاً في المعرض، حيث توجد طاولات في أحد الجوانب، تعرض مجموعة من الحلي ومنتجات الفلكور الأخرى. وقالت رائدة الأعمال ميسون مطر في هذا الإطار، إنها تشارك في «مفروش»، منذ بداياته قبل عامين، فهي تصنع الحلي وأدوات الزينة من مواد مُعاد تدويرها، وأخرى محلية الصنع، و«نعرضها في مفروش، لأنه يستقطب جمهوراً يتفهّم ما نحاول إنجازه من خلال منتجاتنا». تدير ميسون معرضاً خاصاً بمنتجاتها التي تصنع يدوياً، اسمه «فندورا»، وقالت إنها تستفيد من جمهور القراء الكبير، ف«معظم منتجاتنا لا يزيد سعرها على ثمانية دولارت، والإقبال أكثر من رائع». وفي المساء دوى صوت الموسيقى، حيث اجتمع شبان للعزف على الآلات الموسيقية من عود وغيتار، وأضافوا بذلك إلى هذه التظاهرة الثقافية أجواء من المرح، محاولين اختبار مواهبهم أمام جمع كبير من الناس الذين بدورهم استمتعوا بالموسيقى وبكؤوس الشاي والقهوة، التي تقدمها المقاهي المنتقلة. ساحة «أتنيه» لم تعد هادئة بعد الآن، لأنها باتت مقصداً ثابتاً للاحتفال بالثقافة.