يقال أن من الضروري أن يتوقف المشاهد عن التشكيك في ما يراه خصوصاً في الأعمال السينمائية. ظل هذا الطلب يشغل أذهان فنانين معاصرين، تعرضوا طيلة حياتهم لتيار لا ينقطع من الصور الثابتة والمتحركة. في أعمال الفيلم والفيديو التي يحويها معرض «الأشياء في المرآة أقرب مما تبدو» في القاهرة، يلقى الضوء على الفجوة الكامنة بين ما يظهر على الشاشة وما يفهمه المشاهد. اقتبس الفنانون المشاركون أشكالاً من التقاليد السينمائية المختلفة واستعارة نماذج مثل المحاضرة والفيلم الوثائقي والبروفة واللقطة الخام، لتوضيح مدى القدرة على التخيل والاستعداد للتصديق. هناك مداخل متعددة أشير إليها في تلك الأعمال، مثل الصناديق السوداء لقاعات العرض السينمائي والمرايا السوداء لشاشات التلفزيون والكومبيوتر والهواتف الذكية التي نستخدمها الآن. وثمة خط رفيع بين تقديم الحكاية والتلاعب بالعقول، وهذا الخط هو ما يركز عليه هذا العرض الذي سيطرح أسئلة متعددة حول طرق السرد ومدى تأثيرها. فمثلاً، هل تؤدي الجاذبية الملحوظة للصورة المتحركة، بما تحمله من إمكانات الخداع، إلى تدمير مصداقية الصورة كسجل بصري؟ وما هو الدور الذي يلعبه خيال المشاهد في تصور الحقيقة؟ في «الأشياء في المرآة أقرب مما تبدو»، نتعرف على بعض جوانب التوتر بين الصورة والسرد وتأثير ذلك في قدرة المشاهد على الفهم. يجمع المعرض بين أعمال سبعة فنانين عالميين هم: هيرمان آسيلبرغ ومانون دي بور وشريف العظمة وباتريشيا إسكويبياس ولارس لومان ومها مأمون ويان مانشوشكا. وتتضمن الأعمال المعروضة فيلم «نشاز» للفنانة «مانون دي بور» (2010) الذي يدور حول امرأة تستمع إلى لحن وتستمر في أداء الرقصة المرافقة لذلك اللحن حتى بعد انتهاء العزف. يستكشف العمل الجوانب المادية للسينما، وكيف تلعب على الطريقة التي تعمل بها ذاكرة المشاهدين والعلاقة ما بين حواسهم بالذات في ما يتعلق بالربط بين الصوت والصورة. كما يتم أيضاً تقديم فيلم هيرمان آسيلبرغ الأخير «إلقاء خطاب» (2011)، والذي يسجل انتهاكات السينما التجارية وثقافة البوب وعلاقتها بأشكال السينما التقدمية. نتعرف أيضاً إلى أعمال يان مانشوشكا التي تتضمن فيلم الفيديو القصير «القرين» (2009) التي يقوم من خلالها بتمويه الحدود بين الفعل وإعادة الفعل. كما تبحث باتريشيا إسكوبياس في الطريقة التي يتم بها إضفاء القداسة على أشكال الحكي، حيث نجدها في «فولكلور 2» (2008) تستخدم المعلومات الشخصية عن اثنين من أيقونات إسبانيا، الملك فيليب الثاني ومغني البوب الشهير خوليو إيغليزياس في سياق غير تقليدي. وباستخدام نظرية المؤامرة يقوم لارس لومان في مقالته المصورة «موريسي يتنبأ بموت ديانا» (2006) بما يشبه البحث المتعمق في تفسير ألبوم أطلقه موريسي وفرقة «ذا سميث» بعنوان «الملكة ماتت» (1986) مع عرض بعض لقطات عن الفيلم وثقافة البوب. يضم المعرض أيضاً تجهيز فيديو بعنوان «سلك كهرباء لوح التزلج» (2006) يستخدم فيه «شريف العظمة» لقطات متتابعة وبعض جماليات الأفلام التلفزيونية لاستكشاف العلاقة بين الذاكرة الشخصية والعامة. أما مها مأمون فنقدم لها عملاً بعنوان «زائر الليل: يوم ين تحصي السنين» (2011)، والذي يتكون من تسجيلات «يوتيوب». الأشياء في المرآة أقرب مما تبدو» هو حلقة في سلسلة من أعمال التعاون الدولي التي تتم بمبادرة من «مشروع المكان» التابع لمتحف «تيت مودرن» بالاشتراك مع مؤسسات مختلفة حول العالم. وقام بالإشراف والانتقاء الفني به كاشيا ريدجيتش من «تيت مودرن» وعلية حمزة، وهي خبيرة انتقاء فني تقيم في القاهرة. ويقام المشروع بالتعاون ما بين «تيت مودرن» و«مركز الصورة المعاصرة» في القاهرة. وتم الانتقاء الفني المتبادل بدعم من «برنامج المجموعات العالمية» التابع لوزارة الثقافة والإعلام والرياضة البريطانية، بالتعاون مع مؤسسة الفنون «جاسوركس».