أثارت آراء الدكتور معجب العدواني النقدية الجريئة في شأن مفهوم «ق. ق.ج» كثيراً من الجدل أخيراً، حتى أنها تحولت للغم فجّر حمماً غاضبة في الأوساط الثقافية بين الأدباء الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومختلف وسائل الإعلام. معجب العدواني، هو رئيس وحدة السرد في كلية الآداب جامعة الملك سعود والحاصل على الدكتوراه في النقد الأدبي الحديث من جامعة مانشستر في بريطانيا، وصاحب العديد من الكتب والدراسات النقدية المهمة. ويرى العدواني في حوار مع «الحياة» أن العالم العربي يمر بمرحلة مخاض ثقافي حرضت كثيراً من المثقفين على الانخراط في الفعل الحداثي بأدواته الجديدة، بخاصة بعد أحداث الربيع العربي، التي دفعت الكثيرين للانخراط إيجاباً في ممارسة الثقافة سياسياً عبر العالم الافتراضي.. إلى نص الحوار: كيف ترى دور الإعلام الجديد وأثره في الكتابة الإبداعية؟ - الإعلام الجديد يقدم لنا فرصاً كبيرة في التعامل مع الإبداع، وقد أسهم في إيجاد صيغ جديدة للنصوص الأدبية، ولعلنا يمكننا القول أنه أوجد أشكالاً جديدة من النصوص الأدبية وهي أشكال لا يمكن اعتبارها من الأنساق الأدبية المتعارف عليها، ولكنه قدّم إطارات جديدة وصاغ أشكالاً جديدة. وأتوقع أن هذه المواقع سيكون لها أشكالها الأدبية الخاصة بها، فالقصة القصيرة التي تنشر في «تويتر» وتجد إقبالاً من بعض الكتاب لا أعتبرها قصة قصيرة، ولكني اعتبرها قصة «تويترية» تخضع لمساحة نصها وإن خرجت عن المساحة تخرج لرابط يحمل جانباً بصرياً أو شكلانياً أو ما شابه، وبهذا يكون لدينا نصان بدلاً من نص واحد وهذا من جانب، وإذا افترضنا أن ذلك النص سيكون مقصوراً على 140 حرفاً فإن ذلك سيفقده ببساطة حريته، التي ينبغي أن تتوافر للنص الأدبي، فالنص الأدبي مبني على الحرية وبعده عن الحرية يبعده عن الأدبية. آراؤك النقدية في شأن مفهوم «ق.ق.ج» تحولت إلى لغم فجّر حمماً غاضبة في الأوساط الثقافية بخاصة بين الشباب. كيف ترى ذلك ولماذا وصفتها بأنها حمار من لا حمار له؟ - قلت ذلك لأن هناك من يكتب لمجرد أن يورد بعض الحكم ويعتقد بهذا بأنه يقدم نصوصاً من القصة القصيرة جداً، والقصة القصيرة جداً ليست بهذه الصورة التي تكتب في هذه المواقع، وأنا ضد ما استجد أن يكتب الكتّاب ما شاؤوا لأنني سأظل أحصرهم في هذه المواقع، ما سيقلص حدود حريتهم وهذا يعد قسوة على الحرية وقسوة على الإبداع. وأنا لست كذلك، فأنا بصفتي ناقداً أعطي بعض الإشارات المهمة التي أرى أن على المبدع أن يتبناها وأن ينتبه لها، فالمبدع في النهاية هو الذي يقول كلمته، وأما «تويتر» و«فيسبوك» كل ما تفعلانه أنهما توجدان خطاباً أدبياً جديداً مختلف الملامح، يتلاءم مع المساحة المخصصة بعدد محدد من الحروف، وقد يتم دمجه واختزاله في نص مرئي، ما ينتج مجموعة من المشاهد التصويرية، أو الترابطية النصية. كما أن هذا الخطاب يعتمد على متلقٍ متنوع، فحينما تكتب نصك الآن، أنت تنتظر من يرد عليك أو لا يرد، وهذا يدخل في إطار داخل النص، بينما النص الأدبي الورقي المعتاد يكتب وينشر للناس ثم يتداولونه ولا يكون على تلك الشاكلة، كما أن النصوص المكتوبة في هذه الشبكات تنتظر كثيراً من التعليقات، وبعضها يخضع للتعليقات وبعضها يؤثر في مسيرة المبدع نفسه حينما يكتب وحينما يتحدث النص بأنه كذا وكذا، وربما يضطر المبدع إلى أن يعيد تشكيل صياغة نصوصه المقبلة، ويحاول أن يبني عليها ويعكس عليها التعليقات التي يقرؤها. هل تعتقد أن القصة القصيرة جداً ستؤثر بالسلب في القصة القصيرة؟ - القصة القصيرة شكل أدبي أراه مهدداً بصورة عامة ويوشك أن يقع في الزوال، وذلك لأن مجتمعاتنا العربية قد بدأت تخرج من الإطار التقليدي للمجتمعات المتخلفة وبدأت تشكل لها ثوباً جديداً وصياغة جديدة توشك أن تنقلها إلى مسار الدول المتطورة، وهناك دراسة نشرت في بريطانيا تشير إلى أن القصة القصيرة ترتبط بالأمم المتخلفة، بينما يرتبط ازدهار فن الرواية بالأمم المتطورة، والسبب أن القصة القصيرة لا تستوعب حراك المجتمعات المتطورة كنصوص ومساحة، ولهذا تكون الرواية هي النص الأنسب لطرح هذه الإشكالات والخلافات وتعدد الرؤى والحوار، وهذا لا يتم بالنص القصير، ما يودي بنا أن موقع القصة القصيرة قد يكون مهدداً، فهي ترتكز على عصا هشة على جارتها الرواية، ففي حين بدأت الرواية تزداد صلابة وقوة في المجتمعات الحديثة فإن القصة القصيرة بدأت تترنح في إطار هذه المجتمعات التي تنحو نحو الحداثة والتطوير والتجريب والحوار وتعدد الأصوات. ألا ترى أنه من الخلط أن تحاكم القصة القصيرة جداً، التي تعتمد على كينونة الحدث السردي والاختزال اللغوي بالمعايير الكلاسيكية للقصة القصيرة؟ - لا أحاكمها ولا أقسو عليها ولا على كتاب القصة القصيرة ولا أنصحهم بأن يكتبوا نصاً غير ذلك، ولكنني أعطي إشارات أعتقد أنها مهمة وينبغي الالتفات إليها وعلى كتاب القصة القصيرة أن يدركوا هذه المسألة، فما الذي يجعلني أكتب النص بهذه الصورة وهو لا يستوعب مشكلات مجتمعاتنا ولا يستوعب الحوار بين تيارات المجتمع المختلفة، فهذا النص في هذه الحال لا يمكنني أن أقول إنه ستكون له فرص الحياة في أعوام طوال. الشعر وضع مختلف لأنه يرتبط بجانب إيقاعي وجانب تراثي، والجانب التراثي هو ذلك البعد العميق جداً من التاريخ والأصالة لهذا الشعر، أما القصة القصيرة فعمرها ليس طويلاً في العالم العربي حتى ولو كان مائة عام، وهذه التجربة تتكرر وهذا لا يعنى أن القصة القصيرة ستختفي تماماً وسيبقى من يكتبها ومن يتذوقها ومن ينقدها لكنها في النهاية لن تستوعب ما يريد المجتمع منها. ألا ترى أن تجربة القصة القصيرة جداً قد تنجح مثلها مثل تطور شعر «الهايكو» في التجربة اليابانية؟ - لا أبداً إذا كنت تقصد أن تجربة شعر «الهايكو» المقلدة لدينا بالثقافة العربية ناجحة فأنا لا أوافقك على ذلك، فتجربة «الهايكو» تجربة متجذرة داخل الثقافة اليابانية وليست موجودة داخل الثقافة العربية. «الهايكو» تجربة تظل لها جذورها الكاملة في حين أن جذورها على السطح في ثقافتنا العربية، لذلك لا يمكننا القياس على تلك التجربة ولا يمكن قياس القصة القصيرة بتجربة شعر الهايكو. وأعتقد أن هذين الأمرين مختلفان، فالقصة القصيرة ليس لها جذور تراثية ضاربة في ثقافة الأمة، فالرواية قد نقول إن لها جذوراً تراثية وإن لها فنوناً تطرح ولكن القصة القصيرة أقرب إلى المقامة والمقامة بدأت في التلاشي في صورة قوية، منذ أن أصدر محمد المويلحي كتابه عام 1908 «حديث عيسى بن هشام» وكأن ذلك الجسر الذي يربط بين المقامة والرواية في الحديث. هل تجد ممارسة الثقافة عبر العالم الافتراضي تختلف عن الممارسة التقليدية للأدب؟ - بالتأكيد هذه هي المسألة، وأرى أن الإعلام يجيد الاستفادة من وسائل التواصل عبر الإنترنت، بينما المثقفون لا يؤمنون بذلك، ولهذا يقعون في مسألة بعدهم عن جمهورهم ومريديهم، ولا بد للمثقف من أن يكون مرتبطاً بمجتمعه حتى ولو طغت عليه النظريات النقدية، التي تتصل بالمبدع نفسه أو بالنص نفسه ويظل له دور أن يكون متواصلاً عبر الشبكات الاجتماعية ولا بد من أن يكون المثقف نموذجاً للآخرين في استخدام هذه التقنيات. العالم العربي يمر بمرحلة مخاض ثقافي حرضت كثيراً من المثقفين على الانخراط في الفعل الحداثي بأدواته الجديدة، بخاصة بعد أحداث الربيع العربي، التي دفعت بالكثيرين للانخراط إيجاباً في ممارسة الثقافة سياسياً عبر العالم الافتراضي.