الثورة السورية تدخل عامها الثالث بعد وصول عدد القتلى إلى نحو 100 ألف أو أكثر، مع ملايين النازحين من أبناء الشعب السوري في دول الجوار، إضافة إلى نحو أربعة ملايين مشردين من مدنهم وقراهم في الداخل السوري، الثورة السورية استمرت نحو ثمانية أشهر وهي سلمية، وتطالب بإصلاحات سياسية، كان النظام قادراً على تلبيتها لو كان جدياً في التعاطي معها، ولكننا نتذكر مسرحيات خطابات بشار الأسد التي لم تقدم على أرض الواقع أية تنازلات سياسية حقيقية، فقانون الأحزاب، وحرية العمل الإعلامي بقيت، مع الأسف، في الأدراج، واختار النظام السوري الحل الأمني منذ البداية، واستخدم الإصلاحات الشكلية لتبرير القتل الذي يقوم به ضد المدنيين، ونحن نعرف أن النظام السوري بارع في مناوراته السياسية في المحيط العربي، كتجربته ومشاركته مع الحلفاء، بتحرير الكويت، واحتلاله للبنان لمدة 15 عاماً، فكيف لا يستطيع أن يناور سياسياً بالداخل السوري، الذي يملك فيه مفاتيح تلك اللعبة. فالنظام السوري، ومنذ خروج المظاهرات السلمية في «درعا»، وامتدادها إلى بعض المناطق الأخرى، ووصفهم بالإرهابيين، إلى أن وصل أن يطلق على شعب كامل بالجماعات الإرهابية، ومع الأسف، فإن هذه الخطة الرسمية السورية نجحت في إقناع القوى الغربية الفعالة بالتردد في تزويد المعارضة السورية بالسلاح النوعي، الذي من شأنه أن يُغيّر من موازين القوى على الأرض، هذا من ناحية ومن الجهة الأخرى هذا الادعاء الرسمي السوري قوى من موقف حلفاء النظام السوري في المسرح الدولي، وبالتالي الدفاع عنه سياسياً، ودعمه عسكرياً من روسيا وإيران وحزب الله، فالأخير أصبح طرفاً مشاركاً في الصراع مع النظام ضد الشعب السوري، بل إن تقارير دولية أشارت إلى أن مشاركة «حزب الله» إلى جانب نظام بشار الأسد اجتازت ما حشده في حربه ضد إسرائيل في حرب عام 2006. عربياً فشلت جميع الجهود العربية في حل الأزمة السورية، فلا بعثات «الدابي»، والزيارات المتكررة للأمين العام لجامعة الدول العربية، وصلت الرسالة بشكل واضح للرئاسة السورية، إضافة إلى أن المراقبين العرب الذين دخلوا سورية لم تتوفر لهم الظروف الموضوعية لإنجاح مهمتهم، وهذا بالفعل ما حدث، بل إن النظام السوري استغل تلك الجهود العربية في تبرير ما يقوم به من قتل وتدمير في سورية. برأيي أن الموقف الخليجي كان ولا يزال متقدماً في نصرة الشعب السوري على أسس أخلاقية بعيداً من سياسة المصالح والتموضوعات، فالأمير سعود الفيصل، وفي مؤتمر «أصدقاء سورية»، دعا إلى تسليح المعارضة السورية، الذي كرره في الرياض قبل أسابيع في مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية الأميركي، وقال سموه: «إنه لا يمكن السكوت على نظام يستخدم الطائرات والأسلحة النوعية ضد شعبه»، وكما هو معروف فإن المملكة ودول الخليج العربي وقفت إلى جانب الشعب السوري، خصوصاً النازحين في دول الجوار، لكن الأزمة السورية لها إفرازات أكثر أهمية من هذه الجوانب الإنسانية، التي لم تغير في الواقع السياسي السوري. هل يمكن القول إن هناك اختلافاً واضحاً في الموقف الدولي، خصوصاً بين روسيا وأميركا، في ملفات عدة، لا يأتي الملف السوري في أولوية اهتماماتهما، خصوصاً على الجانب الأميركي، الذي لم يتعاطَ مع الأزمة السورية بالوضوح والجدية المطلوبتين، بل إنه ترك الساحة ل«الكرملين» في إدارة شؤون الأزمة السورية... البعض يقول إن هذا ليس بغريب على إدارة يقودها الحزب الديموقراطي، والمعروف باهتمامه بالشؤون الداخلية، إضافة إلى أزمة اقتصادية يعاني منها الاقتصاد الأميركي منذ عام 2008 ويحاول التعافي منها. روسيا مدفوعة بقيادة «بوتين» تحاول وبشكل ناجح إعادة تمركزها، وإعادة هيبتها في العالم... فوجدت الأزمة السورية فرصة سانحة لذلك، فهي لا تريد أن يتكرر السيناريو الليبي مرة أخرى، وتخرج من المعادلة من دون مصالح. الكثير يلوم المعارضة السورية بالتفكك، وعدم النضج، وتغليب المصالح الحزبية الضيقة على مصلحة شعبٍ يُقتل وبلد يُدمر، ولكنّ المطلع على نهج النظام السوري في ال40 عاماً، التي يسيطر فيها على المشهد السوري، لم يسمح بوجود معارضة حقيقية يمكن أن تدير ملف هذه الأزمة من دون انقسامات في شكل الحل النهائي للأزمة، لذا من الطبيعي أن نجد أن بعض أطرافها تطرح الحل العسكري، والبعض الآخر بدأ أخيراً في طرح حلول سياسية للتعامل مع بعض أطراف السلطة، وهذا باعتقادي يُعد تقدماً يحسب للمعارضة. [email protected] @akalalakl