رحلة مشهدية في عالم الطيور المقيمة والمهاجرة في لبنان، تنظمها «دار قنبز» في مركز بيروت للفن. يكاد التجهيز الاستعادي، ينطق بأشجان وألحان، لولا أن الطيور قررت أن تحتل أوراقاً وملصقات، تستقر الى الحائط حيناً، والى تفاصيل تراثية تعيد الى الأذهان ما كان عليه لبنان في بداية القرن الماضي، وما يجب أن يكون عليه في الوقت الحاضر. يوحي معرض «طير يا طير» بالتزام مبدئي لحماية البيئة اللبنانية، واستعادتها رغم ثورة الاسمنت، وفوضى الصيد. ومع تلاشي الذاكرة السمعية الفولكلورية في فنون موسيقية عابرة للمكان، تصر نادين توما، على إرجاع «العديات» الى المشهد الفولكلوري، وهو فن غنائي يكاد يندثر، يزاوج بين الأهازيج وفنون شعرية محكية أخرى. هو فن من الذاكرة الشعبية، اختارته نادين توما من مجموعة نجلا جريصاتي خوري، وتعاونت في الموسيقى مع سيفين عريس، وصدر في النهاية ألبوم موسيقي استثنائي. لا إحصاء دقيقاً للطيور المقيمة في لبنان، ولا المهاجرة إليه، ما جعله فندقاً من 15 في العالم للطيور العابرة. لكن توما وثقت القسم الأكبر من تلك الطيور في أعمال تنوعت بين الورقية ورسوم وأغان وألعاب ومخدات وطابع بريدي، أنجزت رسومها هبة فران، وتهدف الى تنشيط ذاكرة الكبار حيال التنوع البيئي في لبنان، وتعريف الصغار به. حصة الصغار ويبدو ان الأطفال لهم الحصة الكبرى من هذا المعرض وأهدافه. وتقول توما ل «الحياة» ان توثيق الطيور «يعيد الطفل الى الحضن البيئي الذي يجد فيه ملاذاً آمناً لأحلامه». هو الأصل، والمنفذ، والحلم. بل انه «الرمز الأساس للحرية والتعبير عن الأمل، لما يمثله الطير من معانٍ خارج القيد الحضري». وفي المعرض، مساحة للتخيل، والدخول في تفاصيل الطبيعة وحياة الطير، عبر المشاركة التفاعلية في نشاطات يقوى الأطفال على القيام بها، بمعزل عن الخبرة. يتيح المعرض للأطفال اختبار مهاراتهم في الرسم والتلوين وثني الورق. نشاطات اعتادوا على القيام بها في صفوف المدرسة، لأهداف تربوية وضمن الاطار التعليمي. لكنها هنا خرجت من تلك الضوابط الى فضاءات أوسع، أكثر حرية، تزج بهم في طبيعة لا يرونها إلا في الكتب المصورة وشاشات التلفزيون، وتحضهم على تنمية مهاراتهم التعلّمية، في اطار بيئي يتعرفون خلاله الى طيور الحبرم، الشحرور، أبي الحن، الدوري، السنونو، الصقر، المالك الحزين، الصفرية... وغيرها من الطيور الموسمية والمقيمة في لبنان. كذلك، يتيح المعرض للأطفال تعلم فن ثني الورق الياباني القديم الذي بدأ في بلاد المنشأ بتجسيد هيئة طير من ورق. كما يعرفهم الى الأختام، والطوابع، والملصقات، ضمن اطار الفكرة الاساس، وهي الطيور. فضلاً عن الوسائد و»دمية الطير» ودولاب الفرجة الذي يتحول الى رسم متحرك لحظة تشغيله، ليصور حياة الطير ومراحل تنقلاته، وهو أول اختبار للفن البصري المتحرك عرفه اللبنانيون في بداية القرن الماضي. ولا يقتصر التجهيز على مراعاة أحلام الأطفال ومخاطبتهم. فقد كرّس المعرض فنوناً لبنانية تكاد تنقرض، وقدمها الى الكبار برؤية فنية مميزة. ولعل فن تزيين البلاط، يعتبر اساساً في المعرض الذي استعادته هبة فران ضمن ايقاع الطيور للاشارة الى فن مرئي يكاد ينقرض أمام اجتياح السيراميك المصري والتونسي والصيني الأسواق اللبنانية. فنون كثيرة، جُمعت في معرض واحد حمل عنوان الطير. الموسيقى جانب من هذا العمل، والرسم جانب آخر، تحدّى التطور التقني وما تنتجه الآلات بفعل الثورتين الصناعية والتكنولوجية. وهو ما تبرره توما بالقول «ان الامتياز يُمنح للمهارة اليدوية». وتضيف: «رغم ان الصين قد تنتج لنا ملايين النسخ بأسعار متدنية، قررنا اصدار نسخ محدودة تحاكي الفنون البصرية ومهارات الفن التشكيلي». وفي معرض استعادة الفنون البصرية والفولكلورية اللبنانية، يتاح للزوّار التمتع بفن سرد الحكاية المصورة، عبر لعبة الظلال والدمى في مشروع «ظل الطير» الذي يجمع فن الحكاية، وتحريك الظلال بواسطة آلة ضوئية تمر المجسمات الورقية فوقها بما يخدم سير الرواية. الرحلة بين مكوّنات المعرض تنتهي في غرفة «من كل واد عصا» التي تجسد الاضداد، وتقنع الأطفال بالاختيار السليم بين الحرب ومنتجات الحداثة من جهة، والسلام والطمأنينة التي تكرسها الطبيعة، جنة الطيور الأولى، من جهة أخرى. غرفة تصنع الفارق في لوحتين، رسمتا يدوياً، واستخدم الكومبيوتر في عملية التكرار الصوري وتعزيز الفكرة. وتتيح للمتفرجين الاختيار، على نحو دقيق، بين الحب والضغينة، الجشع والسكون، الجلبة والطمأنينة. وفيها اختيار سليم يلخص فكرة اختيار الطير لمعرض يعيد المشاهد الى عالم الفطرة الأولى.