عندما سمعته يقول «أيس فيه؟» بمعنى «أيش فيه» بمعنى «ماذا هناك؟» لزوم عدم ضياع المعنى في الترجمة من الإندونيسية إلى العربية غير الفصيحة، عرفت أن الأمر فاق حد هذا السائق الضعيف الإندونيسي الذي أوكلت له قيادة سيارتي عني في مدينة الرياض بموجب حظر قيادة المرأة السيارة، رفع رقبته القصيرة ونظر عن يساره نحو سيارة لم تكتفِ باقتحام الدوار، بل زمجرت ببوقها العالي محتجة على السائق، كان لا بد لي من فحص الموقف الذي جعل السائق الضعيف يخرج عن طوره، وهو، الوافد من طبقة العمال، ما تعود الاحتجاج، لكنه على ما يبدو لم يُطِقْ على قلة الأدب المرورية صبراً، وحتى لا يغتاظ مني بعض أعداء الطبقة العمالية ويرموني بملف شكاواهم من العمالة غير الماهرة وغير المدربة التي ترفع ضغطهم، أقول لهم إنني في معرض حديث آخر، خصوصاً أن هذا السائق الإندونيسي لا تنطبق عليه شروط العداء العمالي الخارج عن الحدود. نظرت نحو السيارة المحتجة وقد أثار بوقها فزعي وفزع السائق، فوجدت أن القاعدة المرورية تقول إن سيارتنا كانت في الدوار، وإن أفضلية المرور لنا على من هو خارج الدوار، والسائق كان يعطي إشارة الخروج من الدوار/ أي لم يبق عليه إلا ثوانٍ، ولو انتظرنا ثواني على طريقة نجاة الصغيرة، التي قالت «استناني هي الثواني كتيرة على شاني» لعبرنا، لكنه لا يرى أن لسائقٍ حق أن يعبر أمامه، فزعق ببوقه محتجاً كيف نقف في طريقه، وفي الدوار حيث لا يحكم السيارات سوى العبور بالأفضلية، يتحول الدوار إلى ساحة عراك تشبه عراك الثيران، لكن بمقدمات السيارات، والقوي من يزيح الضعيف من أمامه ويعبر فوق حقه بالمرور. رحت أراقب التجاوزات في شوارعنا حتى صار السائق يشعر بأنه يدخل ساحة موت مجانية يومية، تعدى عدد قتلاها فبلغت السعودية الأولى عالمياً بوفيات حوادث الطرق وبمعدل 17 ضحية يومياً، لكن ما شاهدته عند الساعة ال11 ليلاً كان مشهداً مسلياً، إذ مررنا وسط شارع عريض تصطف على جانبيه مدرسة كبيرة ومقاهٍ ومطاعم، والإشارة في طريقنا خضراء وفي الشارع المقابل حمراء حيث وقفت صفوف من السيارات، وإذ بسيارة تخرج منه قاطعة الإشارة. قاطع الإشارة لم يكن مسرعاً، ولا متباطئاً، بل يمشي واثق الخطوة ملكاً، ولو كانت هناك مسابقة لأجمل سير مطمئن لفاز بها، سار بهدوء الزعماء وسطوة الحكماء والإشارة حمراء، وكأني بعيون السيارات التي انتظرت تحدق به وتحسده، فهي لزاماً عليها انتظرت وتوقفت أمام الإشارة الحمراء، لكن هذا القانون لا يمشي عليه، فقط على الضعفاء الذين يحدقون به، فيجدونه يمرّ بسلام، ولعله كان يسمع أغنية لأم كلثوم تقول «واثق الخطوة يمشي ملكاً»، وهو طرب، نحن نحدق به فلا يجري له شيء، لا إشارة ترصده وتصوره، ولا سيارة مرور تلحق به، ولا مخبر يتشاطر عليه فيرسل إلى مركز المرور رقم سيارته. ترى ماذا حلَّ بكل الذين احترموا إشارة المرور وهم يشاهدونه؟ لا شك في أن سائلاً أسيدياً أخذ يقطر في معدة كل واحد منهم، وقد تسمع أحدهم يقول منتقماً من غرور هذا الرجل «يا له من حمار!». آسفة، إنها قلة الأدب التي تتعلمها في الشارع حين يسقط قانون المرور صريع الغياب! [email protected]