خلال مرحلة الستينات وحتى نهاية السبعينات من القرن الماضي، كان الاعلام المصري بكل وسائله هو المسيطر على الساحة العربية. وشكل هذا الاعلام جزءاً مهماً من الهيبة السياسية لمصر، ولم يكن هذا النجاح ناتجاً عن الهيمنة المصرية على مجالات الثقافة والفن، وإنما لأنه يعمل بطريقة محترفة. واذا كتب تاريخ الاعلام العربي في تلك المرحلة سيجد الناس ان الاعلاميين المصريين اسهموا في صنع اذاعات وصحف ناجحة في غير بلد عربي. المصريون في تلك المرحلة هم النموذج الذي يسعى الكل الى تقليده. اليوم اختلفت الصورة. صار الاعلام المصري يعيش على هامش التأثير والانتشار. وخلال السنوات العشر الماضية عانت السياسة المصرية من هذا الضعف. وظهر هذا واضحاً ايام الحرب على غزة، اذ لم تستطع الحكومة المصرية نقل وجهة نظرها، والدفاع عن موقفها، رغم انها تمتلك عجلة ضخمة من القنوات والاذاعات والمطبوعات. اين ذهب هذا المجد؟ ولماذا يقف الاعلام المصري في آخر الطابور، رغم انه في يوم من الايام كان المسؤول عن تشكيل الرأي العام العربي من المحيط الى الخليج؟ ماذا عن نظرية التراكم والريادة؟ اين ذهب هذا الارث؟ اذا تحدث الناس عن السودان يتذكرون القول غير المأثور «في السودان صحافيون وليس فيه صحافة». ويمكن القول ان في مصر اعلاميين، لكن ليس فيها اعلام. والمشكلة ليست في الاعلاميين المصريين بل في الحكومة. فهي لم تزل اللاعب الاهم في سوق الاعلام المصري. وخلال فورة الفضائيات بالغت في افتتاح عدد كبير من القنوات، ولم تحقق شيئا. وقطعت الطريق على كل من يريد ان يستثمر في مجال الاعلام التلفزيوني، فضلاً عن استمرار ملكيتها للصحف الكبرى. وباستثناء صحيفة «المصري اليوم»، لم تستطع الصحف الجديدة ان تنافس الصحف القومية. هذا زمن الاعلام الخاص، والاعلام المصري لن يتحرك ويستعيد سابق مجده الا بخروج الحكومة من ملكية وسائل الاعلام، وافساح المجال لمجموعات اعلامية مصرية وعربية لامتلاك وادارة وتشغيل وسائل الاعلام. ويمكن ان تنظر الحكومة المصرية الى تجارب السعودية والكويت ولبنان. فحكومات هذه الدول ادركت مبكراً ان الحكومات لا تصنع اعلاماً نجاحاً، فأعطت رجال الاعمال الفرصة. وهي اليوم تفكر في التخلص نهائياً من هذا الدور. فمتى تفك الحكومة المصرية القيد عن يدي الاعلام المصري، وتمنحه فرصة العمل بعيداً عن بيروقراطية الحكومة، ومرتباتها المتدنية؟